لماذا باتت الرياض في دائرة الانتقاد هذه الأيّام؟

لماذا باتت الرياض في دائرة الانتقاد هذه الأيّام؟
الإثنين ١٨ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٧:٤٤ بتوقيت غرينتش

العلاقات الجزائريّة تَعيش هذهِ الأيّام أزمةً ربّما تَتطوّر إلى الأسوأ إذا لم يَتمْ تَطويقها وذُيولها بسُرعَةٍ، وبالطّرق الدبلوماسيّة بَعيدًا عن “التّهديدات”.

العالم - السعودية

البِداية كانت بإقدامِ مَجموعةٍ من المُشجّعين الكَرويين على رَفع صُورةٍ ضَخمةٍ في أحد المَلاعِب شَرق البِلاد (عين مليلة)، فيها وَجه واحِد نِصفه للملك سلمان بن عبد العزيز، والنّصف الآخر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإلى جانِبِها مُجسّمٌ للمَسجد الأقصى وقُبّة الصّخرة مع تَعليقٍ يقول “وَجهان لعُملَةٍ واحدةٍ”، تعبيرًا عن احتجاج هؤلاء المُشجّعين على قَرارِ الرئيس الأمريكي باعتبارِ القدس المُحتلّة عاصِمةً لإسرائيل.

ربّما يُشكّل رَفع الصّورة وما تَضمّنته من مَدلولاتٍ سياسيّةٍ إزعاجًا للمَسؤولين السّعوديين، الذين لم يَتعوّدوا، وطِوال السّنوات الثّمانين الماضية من عُمر دَولَتِهم انتقادات قويّة لبِلادِهم ومَواقِفها السياسيّة، خاصّةً في السّنوات الأخيرة التي كانت تَحظى فيها باحترامٍ كبيرٍ من مُختلف الحُكومات العَربيّة والإسلاميّة، لعَدم تَدخّلها في شُؤونِ الآخرين، إلا ما نَدر، الأمر الذي حَوّلها إلى “حمام سلام”، والقِيام بدَورِ الوَسيط في مُختلف النّزاعات العَربيّة الداخليّة.

الصّورة تَتغيّر الآن بشَكلٍ جَذريّ، وباتت المملكة في سَنواتِها الأخيرة تتدّخل بقُوّةٍ في أكثر من دَولةٍ عَربيّةٍ، مِثل سورية التي أرادت علانيّةً إسقاط الحُكم فيها بدَعمِ المُعارضةِ المُسلّحةِ بآلافِ الأطنان من الأسلحةِ، والعَديد من المِليارات، أو اليَمن التي تَخوضُ حَربًا مُباشرةً فيها مُنذ ثلاثِ سنوات، أدّت إلى مَقتلِ وإصابة عَشراتِ الآلاف من المَدنيين، وتَدمير مدارس ومُستشفيات وقَصف أعراس، ومَجالس عزاء، عَلاوةً على فَرضْ حِصار جائرٍ من البَر والبَحر والجو، وأخيرًا التّحالف مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسِياساتِه في فِلسطين المُحتلّة، وفَتح قَنواتِ تَطبيعٍ مع الحُكومة الإسرائيليّة بشَكلٍ مُباشرٍ أو غَيرِ مُباشر، وعَدم قِيادة مَوقفٍ عَربيٍّ وإسلاميٍّ قويٍّ في مُواجهةِ القَرار الأمريكيّ بتَهويد القُدس المُحتلّة بحُكم مَوقِع عاهِلها كخادِمٍ للحَرمين الشّريفين.

والنّقطة الأهم أن السلطات السعودية التي تتحسّس كَثيرًا من أي انتقادٍ إعلاميٍّ لسِياساتِها، وتَعتقل من يُخالِفها الرأي دون تَردّد، فَتحت المَجال للكَثير من كُتّابِها الكِبار بتَوجيهِ هَجماتٍ شَرِسَةٍ للشّعب الفِلسطيني، والتّبرؤ من قَضيّته، واتّهامِه ببَيع أراضيه لليَهود، والإشادة بإسرائيل كدَولةٍ لم تَقتُل سُعوديًّا واحِدًا، ونَقلِها من خانة الأعداء إلى خانة الأصدقاء والحُلفاء، واعتبار إيران هي العَدوّ الأوّل.

هَذهِ المَواقف التي حَملتها وسائل إعلام سعوديّة تنتمي إلى إمبراطوريّاتٍ جبّارةٍ، وعَبر جَيشٍ إلكترونيٍّ يَضم عَشرات الآلاف، تنتشر عناصِره على وسائل التواصل الاجتماعي، انعكست بشَكلٍ سَلبيٍّ على صُورة المملكة، وخَسِرت الكَثير من هَيبَتِها وسُمعَتِها وصُورَتِها، في أوساطِ الكَثير من العَرب والمُسلمين، ولُوحِظ أنّه بينما كانت تَهتم الغالبيّة السّاحقة من أجهزةِ الإعلام العَربيّة بالانتفاضةِ الفِلسطينيّة، وتلهج بالثّناء على شُهدائِها وجَرحاها، وتُبرِز الجَرائم الإسرائيليّة، تَجاهلت مُعظم الأجهزة الإعلاميّة السعوديّة هذهِ الانتفاضة وهذهِ الجَرائم الإسرائيليّة، الأمر الذي أثارَ غَضب المَلايين في مُختلف أنحاءِ العالم الإسلاميّ.

دولة الجزائر، مِثل مُعظم الدّول العَربيّة الأُخرى كان لها مَواقِف مُختلفة، بل مُتناقضة مع المَوقف الرسميّ السعوديّ، فالقَضيّة الفِلسطينيّة تَحظى بالأولويّة القُصوى بالنّسبة إلى الحُكومة والشّعب الجزائريّ مَعًا، ولم تَكُن الجزائر حياديّةً أو مُعتدِلةً في مَواقِفها تُجاه هذهِ القضيّة، بل مُتطرّفةً في تَأييدِها، واحتضنت الجزائر جميع الفصائل الفِلسطينيّة على أرضِها دون أيِّ استثناء، واستضافت مُعظم اجتماعات المَجلس الوَطنيّ الفِلسطينيّ (برلمان المَنفى) عندما أغلقت العَواصِم العَربيّة، أو مُعظَمَها أبوابها في وَجهه، وجَميع الجزائريين يُردّدون مَقولة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين الذي لم يَترك إلا بِضعة دنانير جزائريّة في حِسابه في البنك، وكان يُقيم وأُسرتِه في وِحدةٍ للجيش الجزائري “نَحن مع فِلسطين ظالِمةً أو مَظلومة”.

في إطارِ هذا التّباين في المَواقِف بين الحُكومةِ السعوديّة التي تَقِف في مِحور الاعتدال الأمريكيّ، ونَظيرتها الجزائريّة التي تَقِف في مِحور المُقاومة، وتَدعم سورية والعِراق وفِلسطين، وتُعارِض العُدوان في اليَمن، والتدخّل الغَربيّ في ليبيا، من المُتوقّع أن تَنفعِل الجماهير الجزائريّة، وتَصدُر عن بَعضِها مواقِف انتقاديّة للمملكة العربيّة السعوديّة خاصّةً في أوساط مُشجّعين كرويين مَعروفين بانفعالاتِهم وحَماسِهم الزّائد ليس في الجزائر فقط، وإنّما في أكثر دُول العالم بُرودةً للمَشاعر مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، والدّول الأوروبيّة عُمومًا.

السفير السعوديّ في الجزائر السيد سامي الصالح صَبْ المَزيد من الزّيت على نارِ الأزمة عندما وَجّه تَهديداتٍ مُبطّنةٍ بالرّد على هذهِ “الصّورة” في تَغريدةٍ له على حِسابه على “التويتر”، بَينما تَعرّضت الجزائر إلى هُجومٍ شَرِسٍ في وسائل إعلام سُعوديّة، ومن قِبَل مُغرّدين على وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

الدبلوماسيّة السعوديّة تَغيّرت نَهجًا ومُمارسةً، وباتَ بعض السّفراء السّعوديين في أكثر من دَولةٍ، مِحور انتقادٍ لتَصرّفاتهم التي تَخرج عن الأعرافِ الدبلوماسيّة في بَعض الأحيان، مِثلما حَدث للسفير السعوديّ في الأردن خالد بن فيصل بن تركي، ومن قَبلِه السيد تامر السبهان عندما كان سَفيرًا في العِراق، ويَنضم إليهم الآن السيد الصالح السفير في الجزائر بطَريقةٍ أو بأُخرى.

المُشجّعون الكَرويون الجَزائريون عَبّروا عن انفعالِهم وغَضبِهم ربّما بطَريقةٍ يَراها السّعوديون غير لائِقةٍ، بينما يَعتبرها هؤلاء والكَثير من الجزائريين انفعالاً وَطنيًّا مَشروعًا، لأن المَسألة تَتعلّق بالقُدس ومُقدّساتها، مواقع التواصل الاجتماعي حافلةٌ بالمُؤيّدين والمُتعاطِفين مع المَوقف الجزائريّ، ومُعظم هؤلاء لا يَنتمون إلى جُيوشٍ إلكترونيّة يَتلقّون التّعليمات، وإنّما من قناعاتٍ راسِخةٍ ومَواقف وطنيّةٍ عَفويّة.

لا نَعرف كيف سَتتطوّر هذهِ الأزمة بين السعوديّة والجزائر، ولكن ما نَعرفه أن العلاقات السعوديّة سَيّئة مع مُعظم دول شمال أفريقيا، باستثناء موريتانيا، عَلاوةً على دُولٍ أُخرى في المَشرق العَربيّ، مِثل سورية ولبنان والعِراق وقطر وسلطنة عمان، وبدَرجةٍ أقل السودان، الأمر الذي يَعني أن هُناك “خَللٌ ما” في السّياسات والدبلوماسيّة السعوديّة يَحتاج إلى “مُراجَعاتٍ” وإصلاحٍ وبشَكلٍ سَريع.

رأي اليوم