عطوان يجيب..

الاردن في طور التمرد على حلفائه..هل تمرده المُتوقّع استراتيجي أم تَكتيكي؟

الاردن في طور التمرد على حلفائه..هل تمرده المُتوقّع استراتيجي أم تَكتيكي؟
السبت ٢٣ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٦:٥١ بتوقيت غرينتش

كان أمراً معيباً أن يقف مندوب سوريا على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة متحدثاً ومؤكداً أن حكومة بلاده لن تتراجع عن موقفها الثابت إزاء القدس المحتلة، والقضية الفلسطينية، وحتمية استعادة جميع الأراضي العربية المحتلة كاملة، وإنهاء الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بينما تجمد الجامعة العربية عضوية سوريا، ولا توجه لها منظمة التعاون الإسلامي التي تهيمن عليها السعودية الدعوة للمشاركة في قمة إسطنبول الإسلامية التي انعقدت لبحث تهويد المدينة المقدسة والاعتراف بها كعاصمة للدولة الإسرائيلية.

العالم ـ مقالات وتحلیلات

الأردن يقود تحركاً قويا هذه الأيام في محاولة من جانبه، ولو متأخرة، لتصحيح هذا الاعوجاج، وإعادة سوريا الدولة والشعب إلى المؤسسات العربية مجدداً، وتمثل هذا التحرك في الاحتجاج العنيف الذي عبر عنه السيد عاطف الطراونة، رئيس مجلس النواب الأردني في اجتماع لاتحاد البرلمانيين العرب في المغرب استثنى دعوة وفد برلماني سوري للمشاركة، وزيارة القائم بالأعمال السوري في عمان للسيد الطراونة، ومباركة الأخير بانتصارات الجيش العربي السوري واستعادة معظم الأراضي السورية من قبضة الجماعات الإرهابية والمسلحة.

***

يصعب علينا أن نفهم استمرار حكومات عربية في مقاطعة سوريا بالطريقة التي تقوم عليها حاليا، وكأنها لا تقرأ الوقائع على الأرض، ولا ترى المتغيرات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وظهور محاور سياسية جديدة بقيادة روسيا بدأت تعيد رسم معادلات القوة وفق هذه المتغيرات، مثلما تكابر في الوقت نفسه، وترفض الاعتراف بفشل مشاريعها في تفتيت هذه الأمة، وتدمير أعمدتها المقاومة للاحتلال الإسرائيلي.

فإذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يؤكد أن بلاده ستعيد فتح قنوات الاتصال مع سوريا بعد هزيمة "الدولة الإسلامية"، فهل الحكومات العربية الأخرى أكثر فهماً وقوة من فرنسا التي قادت الحرب في سوريا، ولعبت دوراً كبيراً في دعم المعارضة السورية عسكريا وسياسيا وماليا؟ فالمسألة ليست مسألة "عناد" ومكابرة، وإنما مسألة متغيرات على الأرض لا يمكن تجاهلها، أو القفز فوقها، ووضع السياسات التي تتلائم معها.

الأردن ارتكب خطأً كبيراً في رأينا عندما راهن على المشروع الأميركي في سوريا وباقي دول المنطقة، وانخرط فيه بقوة طوال السنوات السبع الماضية في خندقه، ولم يجن من وراء ذلك غير التهميش والاستهداف، والعقوق ونكران الجميل، خاصة من حلفائه العرب في السعودية ودول الخليج {الفارسي}، وحان الوقت لكي يصحح هذا الخطأ بطريقة جذرية.

السيد الطراونة يستعد للقيام بزيارة لمجلس الشعب السوري في دمشق، وأخرى للمشاركة في مؤتمر برلماني إيراني آخر لدعم قضية القدس المحتلة في مواجهة التهويد، وهذا أمر جيد، لكنه لا يكفي، لأن ما هو مطلوب هو تخلي الحكومة الأردنية عن تحفظها غير المفهوم، وإرسال وزير خارجيتها إلى البلدين لتدشين عودة العلاقات رسميا.

الأردن كب قربته على هوى سحاب السعودية ودول الخليج {الفارسي}، ولكن هذا السحاب لم يمطر غير الوعود الكاذبة، والغطرسة المتعمدة، والمزيد من الإذلال، في وقت كانت مئات المليارات من الدولارات تذهب إلى "أميركا ترامب" على شكل استثمارات وصفقات أسلحة، ووصل الأمر بالوصاية السعودية على الأردن درجة مطالبته بمقاطعة القمة الإسلامية في إسطنبول، أو تخفيض تمثيله فيها، والتشكيك في حمايته للأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة.

***

الموقف الأردني القوي في دعم عروبة القدس المحتلة ومقدساتها، والرافض للإملاءات الأميركية، يجب أن يتطور إلى نسج تحالفات جديدة مع محور المقاومة، والانفتاح شمالاً (سوريا)، وشرقاً (العراق وإيران)، وإقامة جسور التعاون مع تركيا التي تحترم هويته الهاشمية ودلالاتها في الوصاية على الأماكن المقدسة، فقد آن الأوان للتخلص من سياسات وتحالفات عقيمة لم تعد عليه إلا بالتبعية والإذلال والتسول والتهميش.

تصويت الأردن القوي في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يدين مشروع الرئيس دونالد ترامب في تهويد القدس المحتلة، ربما يعرضه إلى مضايقات وضغوط، وربما إجراءات انتقامية بخفض المساعدات المالية، أو حتى وقفها، وترحيل آلاف الفلسطينيين إليه، وجعله الوطن البديل، لأنه رفض أن يبيع كرامته الوطنية، مقابل حفنة من الفضة، وهذا يتطلب التفافاً شعبيا حول السلطة، والوقوف في خندقها في مواجهة هذه التهديدات، لتصليب عودها، وتعزيز صمودها.

* عبد الباري عطوان ـ رأي اليوم

104-1