وثيقة إماراتية سرية تكشف خطة تعامل أبو ظبي مع أزمة تونس

وثيقة إماراتية سرية تكشف خطة تعامل أبو ظبي مع أزمة تونس
الأربعاء ٠٣ يناير ٢٠١٨ - ٠٢:٢٢ بتوقيت غرينتش

كشفت وثيقة سرية إماراتية، مخطط أبوظبي للتعامل مع الأزمة الحادة الأخيرة في تونس، والتي نشبت في أعقاب قرار الإمارات منع التونسيات من السفر على متن "طيران الإمارات"، كما تتضمن تقديرا للموقف بشأن الأزمة، وتشتمل أيضا على جملة من التوصيات بشأن التعامل مع الأزمة، وهي توصيات يبدو أن أبو  ظبي أخذت بها فعلا خلال الأيام الماضية. 

العالم - تونس

وتقع الوثيقة في أربع صفحات، وتعود إلى يوم السابع والعشرين من كانون أول/ ديسمبر 2017، وهي صادرة عن "إدارة تخطيط السياسات" في وزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات، وموجهة بشكل حصري وسري إلى خمس مسؤولين كبار فقط، على رأسهم وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش. 

وتتضمن الوثيقة ثماني توصيات لتعامل الإمارات مع الأزمة، لكنَّ أهم وأبرز هذه التوصيات الثماني أن الوثيقة توصي الخارجية بـ"تحريك جمعيات ومواقع إعلامية داخل تونس؛ لقلب النقاش ضد حركة النهضة، بزعم أنها المسؤولة عن الأعداد الكبيرة من الداعشيات التونسيات اللواتي أصبحن يُسئن للمرأة التونسية وصورتها التقدمية في الأذهان"، وذلك بحسب النص الذي جاء في الوثيقة.

وتكشف هذه التوصية كيف تدفع الإمارات الأموال لبعض وسائل الإعلام في العالم العربي؛ من أجل الخلط بين قوى الإسلام السياسي الديمقراطي وبين جماعة "داعش" التي تجند الانتحاريين وتنفذ العمليات الإرهابية في دول عربية وغربية، وهو ما توصي به الوثيقة التي تريد تحويل الغضب الشعبي التونسي تجاه دولة الإمارات إلى جدل حول حركة النهضة التي يتزعمها الشيخ راشد الغنوشي، والتي تمثل ما بات يعرف بالتيار الديمقراطي الإسلامي، والذي تلقى أطروحاته رواجا في العالم الإسلامي، بما في ذلك دول مجلس التعاون. 

وانتهت الوثيقة إلى تبني ثماني توصيات، أولها "استبعاد فرضية الاعتذار لتونس؛ كون الاعتذار يُسيء لصورة دولة الإمارات؛ لأن الأمر يتعلق بقرار أمني سيادي يجب التمسك به، وعدم الالتفات إلى مطالب الاعتذار". 

أما التوصية الثانية، فهي "ضرورة الانتباه إلى الطريقة التي يُوظف بها إخوان النهضة هذه الأزمة، وكيف يهاجمون دولة الإمارات، فسُمية الغنوشي هاجمت دولة الإمارات، وربطت القرار السيادي الإماراتي بكونه ضد ما سمته "الربيع العربي"، علما أن الإمارات تتعمد الخلط باستمرار بين النهضة والإخوان، وتخوض معركة شرسة ضد التوجهات الديمقراطية في المنطقة.

وتضيف الوثيقة أن "السبسي وحكومته لا ينتبهون إلى أن طلب اعتذار من دولة الإمارات يخدم مصلحة حركة النهضة، التي ستوظف تصعيد الأزمة لإعادة الانتشار داخليا قبل الانتخابات المقبلة"، على حد تعبير الورقة. 

وتشكل هذه التوصية الثانية حثا على التدخل في الشؤون الداخلية لتونس، وتحريض حزب "نداء تونس" الذي ينتمي له الرئيس السبسي ضد حركة النهضة الإسلامية، والإيحاء للرئيس السبسي بأن تصعيد الأزمة سوف يخدم منافسيه في الانتخابات القادمة.

ورأت الوثيقة في التوصية الثالثة أنه "من المهم لوزارة الخارجية الإماراتية أن تربط بين قرارها وفكرة التدخل الأمني الوقائي والاستباقي، وأن تعتبر أن القرار يدخل ضمن الإجراءات الزمنية الاحترازية المؤقتة، التي قد تُرفع بعد زوال الخطر، فالأمر يتصادف مع حركة تنقل المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر المطارات، كما أنه يتصادف مع المعلومات التي تشير إلى أن تنظيم داعش أصدر أوامره بتوظيف النساء في عملياته الإرهابية، بعد الحصار المضروب على المقاتلين الإرهابيين الذكور".

وتلفت التوصية الرابعة إلى ضرورة "الانتباه إلى أن الإضرار بموقف حزب نداء تونس سيصب في مصلحة حركة النهضة؛ لذلك يوصى بعدم إضعاف موقف الرئيس السبسي وحزبه، ومن هنا ضرورة ابتعاد الخطاب السياسي والإعلامي الإماراتي عن أي تهديد مباشر أو غير مباشر لمصالح التونسيين المقيمين في الإمارات، الذين يُقدر عددهم بنحو 28 ألفا". بما يوحي بأن الإمارات وضعت على رأس أهدافها مواجهة النهضة، وفِي الحد الأدنى محاصرتها وإضعافها. 

أما التوصية الخامسة في الوثيقة، فهي "الاستمرار في تكرار التوضيح الإماراتي الهادئ بخصوص أن دولة الإمارات تقدر عاليا أواصر الصداقة والأخوة مع أشقائها في تونس، وأنها تُكنّ بالغ الاحترام لمكانة المرأة التونسية في بلدها، ودورها الريادي والتقدمي في جميع المجالات، وأنها حريصة على أن تظل تونس بلدا صديقا لدولة الإمارات". 

وقد بدأ تنفيذ هذه السياسة فعلا من خلال تعليقات لشعراء وشخصيات مقربة من أبو ظبي تثني على تونس ونسائها؛ بهدف امتصاص موجة الغضب. 

ودعت الوثيقة في التوصية السادسة إلى "استمرار الترحيب الإماراتي بتصريحات الناطقة باسم الرئاسة التونسية سعيدة قراش، التي قالت فيها إن ما يحدث بين تونس والإمارات لا يرقى إلى حدود الأزمة الدبلوماسية، وإن الأمور بينهما لا تُدار بروح عدائية، وكذلك إبراز تصريحات السفير التونسي في الإمارات، التي قال فيها إن العلاقات الإماراتية التونسية متينة وصلبة، وهي أقوى من أي إشكالية ظرفية".

كما دعت الوثيقة في التوصية السابعة إلى "الابتعاد الإعلامي عن مهاجمة زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى تونس؛ "لأن الحكومة التونسية سترد بأن هذا قرار سيادي"، على حد تعبير الوثيقة.

أما في التوصية الثامنة، وهي الأخطر، فتقول الوثيقة "من الممكن تحريك جمعيات ومواقع إعلامية داخل تونس لقلب النقاش ضد "النهضة"؛ لكونها المسؤولة عن الأعداد الكبيرة من الداعشيات التونسيات اللواتي أصبحن يسئن للمرأة التونسية وصورتها التقدمية في الأذهان"، بما يؤكد فعلا أن الإمارات تراهن على تحريك شبكاتها الإعلامية والسياسية؛ لاستخدام ملف الإرهاب ضد النهضة، والعمل على تشويه صورتها لدى الرأي العام التونسي والدولي. 

وتشكل هذه الوثيقة، أقوى تعبير عن القلق الإماراتي من الأزمة التي نشبت مؤخرا مع تونس، وذلك عندما فوجئ التونسيون بقرار منع النساء التونسيات من السفر على متن الخطوط الجوية الإماراتية، وهو ما ردت عليه تونس لاحقا بمنع طائرات "الإمارات" من الهبوط في المطارات التونسية، فضلا عن موجة غضب شعبية غير مسبوقة في تونس ضد الإمارات، تضمنت العديد من الحملات على شبكات التواصل الاجتماعي.

المصدر: عربي 21

108