الجيش السوري في إدلب: خطواتٌ في مسارٍ طويل

الجيش السوري في إدلب: خطواتٌ في مسارٍ طويل
الثلاثاء ٠٩ يناير ٢٠١٨ - ٠٥:١١ بتوقيت غرينتش

فيما يواصل الجيش السوري تقدّمه داخل الحدود الإداريّة الجنوبيّة لمحافظة إدلب، ينهمك الجيش التركي في زيادة حشوده في محيط عفرين ويدفع بأرتال جديدة نحو كفر لوسين (ريف إدلب الشمالي). يقدّم التفصيلان السابقان «إيجازاً» لجانب من تعقيدات معركة المدينة الشماليّة التي يمكن القول إننا نشهد مقدّماتها فحسب

العالم - مقالات

«معركة إدلب» ما زالت في أطوارها التمهيديّة. ويمكن القول إنّ حجم التداخلات والتعقيدات التي ينطوي عليها المشهد في المدينة الشماليّة استثنائي إلى درجة غير مسبوقة. فعلاوة على انعدام الانسجام بين المجموعات المسلّحة المسيطرة واستفحال الخلافات، لا في ما بينها فحسب، بل داخل «البيت الواحد» لبعض المجموعات، يبرز الحضور التركي المباشر وما خلّفه من آثار ملحوظة وغير ملحوظة على مشهد السيطرة وعلى طبيعة العلاقات بين الكيانات «المعارضة» بشقيّها السياسي والمسلّح.

ويضاف إلى ذلك ما تختصّ به إدلب من كونها المحافظة الوحيدة التي بقيت حتى الأمس القريب خالية من الحضور العسكري السوري (باستثناء بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين). ويلقي التفصيل الأخير بظلاله على حسابات «المعركة الكبرى» وتعقيداتها السياسيّة المتوقّعة.

وفي تكرارٍ لمشهد دير الزور، يفرض البحث عن «محلّ واشنطن من الإعراب» نفسه على أي قراءة للمشهد في إدلب. ويمكن الجزم بأنّ الولايات المتحدة ليست في وارد الركون إلى الخروج «صفر اليدين» والعزوف عن التأثير في المجريات الميدانيّة (أو المحاولة على أقل تقدير). ولا شكّ في أن المُعطيات في إدلب مختلفة عن سابقتها في دير الزور، ولا سيّما لجهة انعدام وجود ذراع ميدانيّة موثوقة مشابهة لـ«قسد» يعتمدها «تحالف واشنطن» حتى الآن، وتشكّل رافعة مستقبليّة للنفوذ الأميركي.

لكنّ ذلك لا يعني التسليم بانعدام قدرة اللاعب الأميركي على تهيئة الثغر المناسبة التي تتيح له الدخول على خط إدلب، ولا سيّما أنّ واشنطن تمتلك نفوذاً كبيراً داخل كثير من المجموعات المسلّحة (بما في ذالك «الجهاديّة» منها). ويضاف إلى ذلك ما تتيحه «الحرب على الإرهاب» من نافذة عريضة اتّسعت منذ وقت مبكر لطيران «التحالف»، ويمكنها أن تتّسع لعمليّات كوماندوس وإنزالات جويّة «عند اللزوم».

وبرغم التحولات التي طرأت على العلاقات الأميركيّة – التركيّة منذ محاولة الانقلاب التركيّة الفاشلة، غيرَ أنّ التنسيق بين الطرفين في الملف السوري ما زالَ قائماً على صُعد عدّة. ويدعم الطرفان كثيراً من المجموعات المسلّحة بشكل مشترك، وتندرج كثير من فصائل «درع الفرات» المرتبطة بأنقرة في لوائح برامج «دعم المعارضة المعتدلة» الأميركيّة. وسبق لبعض المجموعات المذكورة أن أعلنت «جاهزيّتها لدخول إدلب» إبّان التحضيرات لدخول القوات التركيّة إليها، ومن بين تلك المجموعات «لواء المعتصم». وبدا لافتاً في خلال الأيّام الأخيرة أنّ «رئيس المكتب السياسي» للّواء المذكور، مصطفى سَيْجَري، كثّف تعليقاته على التطورات في إدلب وركّز على اتّهام «هيئة تحرير الشام» وزعيمها أبو محمد الجولاني بـ«تسليم المناطق للنظام». ولدى سؤال «الأخبار» له مباشرةً عن «الموقف من تطورات إدلب والخطط المستقبليّة»، اعتذر سَيْجَري عن عدم الخوض في الحديث في الوقت الرّاهن لأنّه «على سفر في واشنطن حاليّاً».

ويشهد الميدان السوري تطورات عدّة لا تتعلّق بإدلب مباشرةً، لكنّها تبدو جوهريّاً مرتبطةً بها. ومن بين تلك التطورات يبرز الاستهداف المتكرر لقاعدة حميميم العسكريّة، بما ينطوي عليه من رسائل ناريّة إلى موسكو، وتبدو أكبر من قدرة المجموعات المسلّحة على توجيهها. كذلك يبرز استهدافٌ ناريّ مباشر تعرّض له رتل عسكري تركي في ريف حلب الشمالي الغربي بينما كان منطلقاً نحو كفرلوسين في ريف إدلب الشمالي الشرقي. وقالت مصادر ميدانيّة إنّ الرتل قد استُهدف بقذائف «آر بي جي» مجهولة المصدر أدّت إلى إعطاب آليّة واحدة على الأقل، فيما أكدت مصادر أخرى أنّ «تضرّر الآلية قد نجم عن انفجار لغم أرضي».

ويواصل الجيش التركي حشد التعزيزات في محيط عفرين، مع استمرار وسائل إعلام تركيّة في الترويج لـ«عملية عسكرية كبيرة» هناك. ووسط هذه التعقيدات واصل الجيش السوري أمس التقدّم في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مستفيداً من المكسب الاستراتيجي المهم المتمثّل ببلدة سنجار التي تحوّلت سريعاً إلى نقطة ارتكاز نحو مكاسب أخرى. ويوحي مسار المعارك بأنّ مطار أبو الضهور العسكري يشكّل بوصلة أولى للعمليّات التي باتت بحلول مساء أمس على بعد قرابة عشرة كيلومترات منه. فيما يبرز هدفٌ استراتيجي ثانٍ محتمل على هذا المسار، ويتمثّل بالإفادة من المطار للانطلاق نحو مناطق سيطرة الجيش وحلفائه في ريف حلب الجنوبي الغربي (عزيزيّة والحاضر) مع ما يعنيه ذلك من ضرب أوّل الأطواق في معركة إدلب. وسيكون من شأن الطوق المذكور، إذا ما فُرض، أن يعزل مناطق تحت سيطرة المجموعات المسلحة بين ريفي حلب الجنوبي الغربي وإدلب الشمالي الشرقي.

وتبدو عمليات الجيش السوري وحلفائه راهناً أشبه بخطواتٍ أولى على طريق المعركة الكبرى، ومن المرجّح أن مساراً آخر للمعارك مرشّح للتدشين في مراحل قادمة وتشير بوصلته إلى اتجاه معاكس في ريف إدلب الغربي، ولا سيّما مدينة جسر الشغور. ومن شأن هذا التقسيم أن يتيح احتواءً مسبقاً لأيّ هجمات ارتداديّة قد تفكّر المجموعات المسلّحة في شنّها مستقبلاً انطلاقاً من إدلب نحو المحافظات المجاورة (حماه واللاذقية بشكل خاص). وعلى الرغم من عدم توافر معلومات مؤكّدة، غير أنّ تطورات إدلب الراهنة قد تكون انعكاساً لما جرى التوافق عليه بين لاعبي «أستانا» الإقليميين وراء الكواليس. ويعزّز هذا الاحتمال انهماك أنقرة كليّاً في تعزيز حضورها في الريف الشمالي لإدلب، ومراقبة تقدم الجيش وحلفائه بصمت.

صهيب عنجريني / الأخبار

109-4