في اجتماعات الأردن..

"القدس" إلى متحف "المطالبات القديمة" وبن سلمان مهتم جداً في "المعابر"!

الخميس ١١ يناير ٢٠١٨ - ٠٤:٥١ بتوقيت غرينتش

 فتح اجتماع عمّان لوزراء الخارجية العرب الستة السبت الماضي الباب على مصراعيه أمام شهوة الفضول والبحث عن أجوبة عن أسئلة عالقة لها علاقة بتفصيلات ما يسمى بصفقة القرن، التي ورد ذكرها بمواقف محددة في الكتاب الأمريكي المثير «نار وغضب». إذ ليس من السهل بناء تصور متين على صعيد المعلومات حول حالة الانعاش التي حظيت بها، خصوصًا وسط معسكر الاعتدال العربي، خطة الرئيس دونالد ترامب المتعلقة بصفقة شاملة لقضية الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

العالم - مقالات

ما يثير الفضول أكثر تلك الشيفرات السياسية المرمزة التي أطلقها اجتماع وزراء الخارجية العرب الستة في العاصمة الأردنية. صحيح أن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي سجل نقطة نظام في هذا الاجتماع، وأثار الانتباه عندما غادر منصته في المؤتمر الصحافي الختامي، حيث شعر الرجل حسب مقربين منه أن الدبلوماسية العربية بدأت تتراجع عن دعم مواقف السلطة المتفق عليها سابقًا، بخصوص ملف مدينة القدس.

لكن الصحيح؛ في المقابل أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حضر إلى الاجتماع وهو يحمل مظلة موقفه نفسها من البداية، بخصوص رفض سيناريو التصعيد مع الإدارة الأمريكية وشطب قصة استبدال الراعي الأمريكي من محاضر الجلسة والاجتماعات والأجندة العربية.

إشارة سعودية

التقط المضيف أيمن الصفدي فيما يبدو الإشارة السعودية، وانطلق في موقف لا يعاندها، وتحولت أجندة الاجتماع من تصعيدية حفاظًا على المبادئ المعلنة في قضية القدس إلى ما يسميه مختصون خبراء بدبلوماسية «الشفايف» حيث التصعيد كلاميًا قدر الإمكان، ومن دون مواجهة مباشرة مع طاقم ترامب. في المقابل قرارات على الأرض والواقع لا تتميز بالتصعيد.

«دبلوماسية الشفايف» تلك، غادرها الوزير الفلسطيني رياض المالكي برغم تذكيره مرات عدة، عبر التلميح أن "الدول العربية لا تستطيع الاستمرار في التصعيد، فيما يعود السفير والممثل الدبلوماسي الفلسطيني بعد استدعائه لواشنطن، ويصدر بيانًا يتحدث فيه عن استئناف عمله كالمعتاد، وفيما يعمل الفلسطينيون أنفسهم على تخفيض سقفهم."

في أروقة التنسيق الرباعي المفاجئ، الذي يضم مصر والأردن والسعودية والإمارات، ثمة شيفرات مُلغّزة أيضًا، تقال للفلسطينيين وعنهم، وثمة تعداد للقرارات الواقعية التي تتخذها قيادة السلطة بعيدًا عن التصعيد حتى وهي تطالب الدول العربية بتصعيد أكبر.

الحديث هنا عن أحداث محددة من بينها استمرار التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، ودخول السعودية على خط التفاصيل المتعلقة بالحدود والمعابر، عندما استقبل الأمير محمد بن سلمان الرئيس محمود عباس في اللقاء الثاني الذي اصطحب معه مسؤول المعابر والتنسيق الأمني عليها مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويتحدث معسكر الاعتدال العربي أيضاً بالتوازي عما أبلغه الرئيس عباس إلى اللجنة المركزية لحركة فتح، بخصوص عدم الحاجة إلى تنشيط وتفعيل انتفاضة ثالثة، وكذلك عن الصعوبات التي تعترض الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني.

في كل حال تلك رسائل مشفرة بدأت تُقال للفلسطينيين، في الوقت الذي فرض فيه الإعلام المصري الرسمي ورقته الغامضة، عبر تلك التسريبات التي خطفت الأضواء بعنوان سؤال «ما هو الفرق بين القدس ورام الله»؟

قيل بوضوح للمالكي، في أكثر من لهجة، إن الدول العربية لا تستطيع تحمل تكلفة التصعيد مع إدارة ترامب، في الوقت الذي تخفض فيه السلطة الفلسطينية من سقفها من دون ما يمنع من انضمام المطالبة بالقدس عاصمة لدولة فلسطينية أصبحت بعيدة المدى إلى متحف المطالبات العربية والفلسطينية القديمة، في استرسال منمّق ضمن فلسفة الدبلوماسية الشفوية.

مسار مباشر

وقد عبّر الأردن بوضوح عن مخاوفه في السياق، عندما برز الخطاب الملِكي القائل: إن حصول فراغ مع الإدارة الأمريكية أمر يضر المصالح الأردنية.
طبعًا؛ ثمة مسار مباشر وأكيد بين طاقم الإدارة الأمريكية ومكتب ولي العهد السعودي، وثمة تخفيض مثير في السقف المصري مرتبط بحسابات الوجبة الثانية من انتخابات الرئاسة، ومن المرجح أن الأردن الذي قاد التصعيد الدبلوماسي العربي في مرحلة سابقة، حصل نسبيًا على ما يريد، أو على بعض الضمانات المتعلقة بعبور المساعدات المالية الأمريكية في خماسيتها السنوية المقبلة، مع ضمانات لها علاقة ببقائه في عمق الدور والطاولة الإقليمية.

يحصل ذلك فيما تبرز تلك النغمة في الوسطين السعودي والأردني الرسميين، التي تُحذّر من أن استبدال الدور الأمريكي الراعي في عملية السلام والتفاوض مهمة صعبة وشاقة، حيث لا توجد أطراف جاهزة في المجتمع الدُّولي لمثل هذا الدور، وحيث أن أوروبا مستعدة لدعم خيار الدولتين من دون تصدر المشهد والاشتباك مع الإدارة الأمريكية، فيما الرغبة في توريط روسيا بعملية السلام لا تبدو للمصلحة العربية والفلسطينية العامة، ليس فقط بسبب انشغال موسكو وانغماسها بأولويات الملف السوري، إنما أيضاً بسبب القاسم الوظيفي للأدوار في المنطقة بين روسيا وواشنطن في هذه المرحلة.

القدس العربي