كيف ستهاجم تركيا في الشمال السوري؟!

كيف ستهاجم تركيا في الشمال السوري؟!
الأربعاء ١٧ يناير ٢٠١٨ - ٠٦:٤٣ بتوقيت غرينتش

ليست المرة الاولى التي يهدد فيها الرئيس التركي بشكل علني وواضح بأنه سوف يهاجم عفرين و”الارهابيين” فيها، قاصدا الاكراد القريبين من حزب العمال الكردستاني، المصنف ارهابيا حسب القاموس التركي، من دون ان ينفذ ذلك، وكانت دائما تهديداته تبقى حبرا على ورق، بالرغم من التعزيزات العسكرية التي كانت تصل الى الحدود السورية الشمالية، والتي كانت دائما تشير الى تلك العملية الهجومية.

العالم - مقالات وتحليلات

اليوم ربما قد تغيرت اللعبة بالنسبة للاتراك، ولم يعد التهديد الكلامي مفيدا، فالجيش العربي السوري بدأ يطرق ابواب ادلب المدينة والمحافظة بالكامل، وهو كما يبدو من الوقائع الميدانية، يضع اللمسات الاخيرة على مناورة الهجوم الواسع لتحرير تلك المحافظة السورية الشمالية، وبعد ان حرر ( الجيش السوري ) اكثر من مئة بلدة في ريف ادلب الجنوبي، وبعد ان سيطر بالنار على مطار ابو الضهور حيث نقطة الارتكاز الاقوى والاهم للارهابيين في الشمال السوري، وبعد ان انتهى من تحرير كامل بلدات ريف حلب الجنوبي، هو الان على الطريق لتنفيذ اول مرحلة من هجومه الاخير والمتمثلة بمحاصرة وإسقاط مواقع الارهابيين في ريف حماه الشمالي الشرقي، وذلك تحضيرا لفتح محاور المعركة الاخرى من ريف حماه الشمالي ومن ريف حلب الغربي.

أمام هذا التقدم الواضح والجدي للجيش العربي السوري نحو تحرير ادلب، وأمام ما عرضه الاميركيون بموضوع انشاء “جيش” او مجموعة امنية من قوات سوريا الديمقراطية ومن العشائر والمجموعات العربية السورية ممن اختار العمل برعايتهم، لحماية أماكن وجودهم في شمال شرق سوريا، ما بين شرق الفرات والحدود مع العراق ومع تركيا، وحيث رأى الاتراك في ذلك رسالة اميركية قوية تؤسس لامكانية إنشاء كانتون كردي مستقل، كانوا يعارضونه دائما ويخافون تحقُّقَه، لم يعد امامهم (الاتراك) الا تنفيذ عمل عسكري سريع، يحققون عبره بعض الاهداف الاستراتيجية، وهذا العمل قد يظهر من خلال المناورة التالية:

انطلاقا من حشودهم ومن تعزيزاتهم العسكرية ما بين أعزاز ومارع في ريف حلب الشمالي، تنطلق عملية هجومية على محور يستهدف السيطرة على تل رفعت، ويتواكب مع محور هجومي آخر انطلاقا من نقاط وجودهم جنوب عفرين ما بين دارة عزة وما بين اطمة، يستهدف جنديرس جنوب غرب عفرين، على ان يلتقي المحوران جنوب عفرين مباشرة ما بين عين دارة وكفربطرة.

بعد تنفيذ هذه العملية الهجومية التي سوف يكون عمادها على الارض وحدات درع الفرات من المحور الشرقي في اعزاز ومارع، ومجموعات متعددة من المسلحين التابعين لتركيا من المحور الغربي في ادلب، وبدعم فعال من وحدات المدفعية ومن المدرعات، والتي حشد المئات منها الاتراك حتى الان، يمكن ان تكون مناورة ناجحة ميدانيا، وتحقق للاتراك الاهداف التالية:

– فصل عفرين عن اماكن وجود الجيش العربي السوري في نبل والزهراء وامتدادا الى مدينة حلب، ومحاصرتها بالكامل والضغط عليها عسكريا ومعيشيا لاستسلامها وانخراطها تحت النفوذ التركي.

– خلق ترابط ميداني داخل سوريا، بين اماكن وجود وحدات درع الفرات بين جرابلس واعزاز من جهة، وبين أماكن وجود المسلحين التابعين لتركيا في ريف ادلب الشمالي الشرقي من جهة أخرى.

– توسيع السيطرة الميدانية للمسلحين التابعين لها في الشمال السوري، ما يقوي نفوذهم بمواجهة القسم من جبهة النصرة المعارض لمشروعها، في خفض التصعيد او في فصل المجموعات المسلحة عنها.

– مسابقة الجيش العربي السوري في السيطرة على ادلب، وبالتالي الاحتفاظ بنقاط ميدانية واستراتيجية تستعملها في التفاوض المرتقب في سوتشي او في جنيف.

– ابعاد اي امكانية مستقبلا للاكراد المدعومين اميركياً من توسيع سيطرتهم على حدودها، وبالتالي تحقيق نزع نهائي لفكرة ان تكون مقاطعة عفرين مستقبلا مشروعا لكانتون كردي غربي قريب من المتوسط.

وهكذا يكون الاتراك قد غنموا في هذه العملية العسكرية الكثير من النقاط الميدانية والاستراتيجية المهمة، التي يحتاجونها بقوة في مشروعهم الدائم، لناحية الموضوع الكردي وتقويضه وإضعافه، اذا استطاعوا، ولناحية احتفاظهم في سوريا بنفوذ معين بطريقة مباشرة، او غير مباشرة عبر المجموعات المسلحة التي دعموها خلال كامل فترة الحرب على سوريا.

ويبقى اخيرا السؤال الذي يفرض نفسه دائما، والذي اصبح من الضروري جدا الاجابة عنه بموضوعية وهو: أين هو الموقف الروسي “الصحيح والحقيقي والفعلي” من المناورات التركية المرتقبة في الشمال السوري أولا، واين هو الموقف الروسي الحقيقي ايضا – وهذا هو الاهم – فيما خص المناورة الاميركية الواسعة والواضحة في الشرق السوري لناحية إضعاف وإبعاد الدولة السورية لمصلحة الاكراد ومشاريعهم وأحلامهم المعروفة؟ وهل هم (الروس) موافقون على المناورتين ام انهم يحضّرون رداً مناسباً – يحفظ مصالحهم كالعادة طبعا – ولن يظهروه الا بطريقة غير مباشرة، وفي امكنة اخرى وبأشكال مختلفة؟

شارل أبي نادر - العهد

2-4