عطوان يجيب..

لماذا “باركت” روسيا وحلفاؤها التدخل العسكري التركي في عفرين؟ ..

لماذا “باركت” روسيا وحلفاؤها التدخل العسكري التركي في عفرين؟ ..
الإثنين ٢٢ يناير ٢٠١٨ - ٠٣:٣٦ بتوقيت غرينتش

دعوة قوات سورية الديمقراطية التحالف الدولي بقيادة واشنطن ابرز داعميها الى “الاضطلاع″ بمسؤولياته بعد الهجوم التركي على منطقة عفرين، ذات الغالبية الكردية في شمال غرب سورية، وعدم تلقيها أي تجاوب، يلخص الخطوط العريضة للمشهدين السياسي والعسكري في هذه المنطقة.

العالم - مقالات 

حتى كتابة هذه السطور يبدو ان الرئيس رجب طيب اردوغان حقق معظم أهدافه، ان لم يكن كلها، من تغلغله العسكري في هذه المدينة، وقصفه الجوي لمواقع وحدات الحماية الكردية طوال الأيام الثلاثة الماضية، ولا نستبعد ان يكون في طور الاعداد والاستعداد للمرحلة التالية لهذا التدخل، أي إقامة منطقة آمنة منزوعة من سلاح القوات الكردية المدعومة أمريكيا، تؤمن حدود تركيا، وتستوعب مئات الآلاف من اللاجئين السوريين فيها.

الرئيس اردوغان لم يجاف الحقيقة عندما اعلن اليوم الاثنين انه حصل على مباركة روسية لهذا التدخل العسكري في عفرين، بدليل سحب الروس لمستشاريهم من المدينة الى تل رفعت، ولا نستبعد حدوث ما هو اكثر من ذلك، أي “عدم ممانعة” سورية إيرانية أيضا، في اطار “صفقة” كبرى جرى التوصل اليها، والضحية فيها هم الاكراد، مثلما جرت العادة في معظم الصفقات في المنطقة طوال العقود الماضية.

الصمت الإيراني يبدو واضحا، وتأكيد السيد مولود جاويش اوغلو، وزير خارجية تركيا ارساله رسالة رسمية الى دمشق قبل بدء العملية العسكرية في عفرين، ربما يفسر عدم تنفيذ القيادة السورية لتهديداتها بالتصدي لاي طائرات حربية تركية تخترق اجواءها، باعتبار هذا الاختراق في حال حدوثه “عدوانا على الأرض السورية”.

السؤال الآن ليس حول تفاصيل التوغل التركي في عفرين ومنبج، المدينتين الواقعتين تحت سيطرة القوات الكردية، فهذه باتت من الماضي، وانما حول طبيعة “الصفقة” التي توصل اليها الرئيس اردوغان مع كل من القيادة الروسية من ثم القيادتين السورية والإيرانية، من خلالها، وحصل بمقتضاها على الضوء الأخضر للمضي قدما في هذا التوغل.

ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين اكد اليوم الاثنين ان المسؤولين الروس على اتصال بالقيادة التركية فيما يتعلق بالعملية العسكرية التي تنفذها قواتها في عفرين ضد وحدات حماية الشعب الكردية، واكد ان روسيا ما زالت تؤمن بوحدة اراضي سورية، اما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فوضع اللوم كله على الولايات المتحدة بقوله “ان التصرفات الامريكية في سورية اما استفزاز متعمد او دليل على عدم فهم واشنطن للوضع هناك”، وحث تركيا على “ضبط النفس″.

الولايات المتحدة الامريكية هي التي اشعلت فتيل حرب عفرين، الازمة الاحدث في المشهد السوري، عندما اعلن العقيد ريان دالون، المتحدث باسم التحالف الأمريكي للقضاء على “داعش” ان بلاده بصدد تشكيل جيش قوامه 30 الف جندي نصفه من قوات سورية الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عموده الفقري والنصف الآخر من اكراد وبعض العرب.

هذا القرار الأمريكي، الذي حاول وزير الخارجية ريكس تيلرسون تخفيف حدته، وان لم ينكره، هو الذي استفز الرئيس اردوغان، ووفر له الغطاء لشن هذا الهجوم على عفرين، وحشد غالبية أحزاب المعارضة قبل الموالاة الى جانبه.

لا نعرف تفاصيل “الصفقة” التي تكمن خلف هذا الصمت على هذا التدخل العسكري التركي من قبل القوتين العظميين، أمريكا وروسيا، وبعض الدول الإقليمية، مثل سورية وايران، وتأييد علني لدول أوروبية كبرى مثل بريطانيا وألمانيا، ولكن ما يمكن التكهن به ان الثمن الذي حصلت عليه سورية ربما يكون استعادة السيطرة على منطقة ادلب، وما دخول قواتها الى مطار “ابو الضهور” العسكري الا احد “الدفعات” الأولى او “العربون”.

تهرب بيسكوف، المتحدث الروسي، عن الإجابة عن سؤال حول ما اذا كان الكرملين على علم مسبق بالعملية التركية، وتأكيده على “ان روسيا ما زالت تؤمن بأهمية سلامة أراضي سورية ووحدتها”، ربما يفسر مضمون الرسالة التي كشف السيد جاويش اوغلو عن ارسالها الى القيادة السورية في دمشق.

هناك مصلحة سورية إيرانية تركية في مواجهة المخطط الأمريكي الذي يريد إقامة دولة كردية على طول الحدود السورية التركية تتوسع بعد ذلك لتشمل شمال العراق وشمال غرب ايران، ويبدو ان القيادة الروسية حسمت امرها وقررت تخفيف دعمها للاكراد وطموحاتهم في هذا الاطار بعد تبني الإدارة الامريكية له.

على الجميع، والقوى المتصارعة على الأراضي السورية أيضا تحديدا، الاعتراف بحدوث تغيير جذري على المشهد السوري، والتسليم بأن “الثورة” السورية بالشكل المتعارف عليه طوال سنواتها الأولى قد انتهت، ومعها كل التسميات السابقة مثل “حرب أهلية”، او “حرب طائفية”، او حرب من اجل الديمقراطية والحريات، واطاحة نظام ديكتاتوري، لقد سقطت “التسميات” و”التوصيفات” السابقة، وباتت التسمية الجديدة والأكثر وضوحا اننا امام صراع إقليمي دولي على سورية، فكيف يمكن ان نفسر قتال الجيش السوري الحر وفصائله، وبعضها إسلامي سني متشدد، الى جانب القوات التركية في عفرين السورية، وقبلها في جرابلس والباب مثلا، وضد الاكراد السنة، والمعارضين للنظام أيضا، ويرفعون الشعارات نفسها في الحرية والديمقراطية واطاحة النظام الديكتاتوري، وإقامة كيانهم المستقل؟.

موافقة الرئيس اردوغان على المشاركة الى جانب حلفائه في مؤتمر حوار سوتشي، واسقاطه “الفيتو” على مشاركة الاكراد فيه، قد يكون أحد ابرز بنود “الصفقة”، لان اجتياحه لعفرين وتدمير مواقع وحدات الحماية الشعبية ازال خطرهم العسكري الذي يهدد تركيا، ولو مؤقتا.

الرئيس اردوغان اختار حربا سهلة ضد عدو ضعيف يعتمد على أمريكا في حمايته ودعمه، بعد ان تيقن بأن أمريكا لن تتدخل خوفا او لأسباب أخرى، ولذلك حقق حتى الآن انتصارا بخسائر محدودة جدا ان لم تكن معدومة، ولو في المستقبل المنظور كحد ادنى، يوفر له ذخيرة لتقديم تنازلات في أماكن أخرى.

لا نستبعد انفراجا في العلاقات السورية التركية في الاسابيع المقبلة، فإرسال انقرة لرسالة “طمأنة” الى دمشق، وعدم وقوف الأخيرة ضد التدخل العسكري في عفرين، مؤشرات تصب في هذه النتيجة.

هذه هي المرة الرابعة، او العاشرة، التي يلدغ فيها الاشقاء الاكراد من الجحر الأمريكي الإسرائيلي، ونأمل ان يستوعبوا دروس الخذلان هذه جيدا، وان يتخلوا عن أوهام الدعم الأمريكي لهم لاقامة دولتهم، أمريكا تستخدمهم كورقة في صراعها مع الروس والقوى الإقليمية، وسرعان ما تتخلى عنهم وتخذلهم، وربما يفيد التذكير بخيبات الامل التي عانى منها السيد مسعود البرازاني ووالده من قبله في شمال العراق، والآن السيد صالح مسلم وزملاؤه في عفرين ومنبج كأحد الأمثلة.

لا بديل عن التعايش في المنطقة على أساس الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الانسان، بعيدا عن العرقية والطائفية والمذهبية.. هذا هو النضال الحقيقي الذي يغلق جميع الأبواب في وجه التدخلات الخارجية، سياسية كانت او عسكرية.

عبد الباري عطوان / راي اليوم 

109-1