ذي هيل:

بن سلمان يحاصر "آل سعود" و"الرياضولوجيا" هي المفتاح!

بن سلمان يحاصر
الثلاثاء ٢٣ يناير ٢٠١٨ - ٠٦:١٣ بتوقيت غرينتش

لاتزال أصداء التوترات داخل العائلة المالكة في السعودية تردد في أروقة الدوائر البحثية والسياسة المهتمة بمستقبل الحكم في السعودية ومستقبل آل سعود، وذلك بعد أن وصلت الأحداث الدرامية في أوساط آل سعود إلى مستوى غير مسبوق من حيث التوقيت والوتيرة والكيفية.

العالم - السعودية 

يأتي إيداع 11 أميرا في سجن “الحائر” كحادثة هي الأولى من نوعها في تاريخ هذه العائلة، وهي الحادثة التي تأتي بعد سلسلة من الصراع بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وبين أبناء عمومته من المنافسين له أو المعارضين لتوليته الحكم في المستقبل القريب.

هذه الحادثة التي قد لا تتساوى من حيث الأسماء والمواقع التي شغلها أمراء “الريتز كارلتون”، تشي بأن التوترات داخل آل سعود تجاوزت مسألة حسم العرش لصالح بن سلمان، وانتقلت إلى محاولة ضمان بقاء الحكم في سلالة ولي العهد دون عن باقي العائلة، أي تقليص دائرة “العائلة المالكة” وقصرها على نسل أخر ابن من بين أبناء الملك المؤسس، عبد العزيز بن سعود، وإقصاء باقي الأمراء من جيل الأحفاد بعيداً ليس فقط عن السياسة والحكم، ولكن من الحصانة القانونية والاجتماعية، وكذلك الامتيازات المادية التي تصاحب لقب “آل سعود” المتذيل لأسم أي من منتسبيها، وهو الأمر الذي يجعل الصراع داخل العائلة ليس مجرد صراع على الحكم بين الأمراء البارزين من جيل الأحفاد مثلما كان في السنوات الأخيرة، ولكن ينقله إلى مستوى أخطر مفاده إعادة هيكلة العائلة المالكة السعودية إلى سليمانية!

على ضوء هذه التطورات، يشرح الباحث البريطاني المتخصص في شؤون دول الخليج الفارسي ، سايمون هندرسون، مآلات ما يحدث بين ولي العهد السعودي وأقاربه، وذلك في مقال له نشرته دورية “ذى هيل”  الأميركية، المتخصصة بتغطية شؤون الكونجرس الأمريكي، والذي سبق وأن أدلى أمام أحد لجانه بشهادة عن مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض، ولكن على ضوء التطورات الدولية والإقليمية، عكس ما يحاول إيضاحه في هذا المقال حول تعقيدات ما أسماه بـ”الرياضولوجيا”، أي تفاصيل مجريات الأمور في أوساط العائلة المالكة، وخاصة في المرحلة الراهنة التي يتم فيها الفصل بين الحكم، الذي تركز في يد بن سلمان، وبين العائلة، التي بات رموزها وأهم أمرائها بين السجن والاعتقال المنزلي والتهديد بما يتجاوز هذا. وفيما يلي نص مقال هندرسون.

إبان عهد الاتحاد السوفيتي، كان المحللون الأجانب يهتمون بشدة لترتيب اصطفاف القيادات الشيوعية على ضريح لينين خلال المناسبات الهامة ومدى قربهم من القيادات في الصور التذكارية، وغيرها من التفاصيل التي أطلق عليها مصطلح “الكرملينولوجيا”، والتي اعتمدت عليها كنموذج لمقاربة لفهم ما يحدث في العائلة المالكة في السعودية، أسميته “الرياضولوجيا”، والذي يعني دراسة الحاشية الملكية وأفرادها وتصرفها في المناسبات المختلفة. وذلك لمحاولة فهم أفضل لما يجري في السعودية  على مستوى العائلة المالكة ومستقبلها.

سريعاُ للأمام، فإن الأمير محمد بن سلمان حصل على منصبه لأنه الابن المفضل لدى أبيه. فعندما أصبح والده ملكاً، كان محمد بن سلمان بالكاد في التاسعة والعشرين من عمره، أي نصف عمر بعض من أخوته غير الأشقاء. (وهو الإبن الأكبر لزوجة سلمان الثالثة). فاليوم، وإلى جانب كونه ولياً للعهد، يتولى بن سلمان أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئتين رئيسيتين لصنع القرار في السعودية هما “مجلس الشؤون السياسية والأمنية” و”مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية”، وهو بأمر الواقع حاكم السعودية. وكونه لم يتمتع بخبرة قبل ثلاث سنوات، إلا أن  بطاقة أدائه تشمل حتى اليوم الحرب في اليمن، والخصام مع قطر، ومحاولته إعادة تنظيم الشؤون السياسية اللبنانية، والتحول الاقتصادي في المملكة المتمثل بـ «رؤية السعودية 2030». وبطبيعة الحال، فإن اعتبار هذه التطورات بمثابة إنجازات يبقى أمراً قابلاً للنقاش. وربما يكون مصطلح “أعمال جارية ومستمرة” أكثر ملائمة.

فهل سيصبح محمد بن سلمان ملكاً عندما يتوفى والده الذي سيبلغ من العمر 82 عاماً هذا العام؟ أم سيتنحى الملك سلمان طوعاً عن العرش لصالح ابنه محمد بن سلمان؟ أم سيجبر على التخلي عن العرش لأسباب صحية؟ ويعاني الملك من ذاكرة ضعيفة قصيرة الأمد، لذلك غالباً ما يبدو حائراً ويتكل على علامات تظهر على شاشات “آي پاد” بشكل متحفظ. ومن الناحية النظرية، يتمتع محمد بن سلمان بالفعل بالتأييد المسبق لمجلس البيعة لكبار أمراء آل سعود، لكن من يدري ما الذي سيحدث. فأسلوب محمد بن سلمان الصارخ المتهور قد أزعج عدداً كبيراً من الأمراء من أبناء أعمامه ومن أعمامه المتبقين. كما أن دفعه نحو الحداثة المتمثل بافتتاح دور السينما، والسماح للمرأة بالقيادة، ربما يتعارض مع المؤسسة الدينية السعودية المحافظة، التي سيتعين عليها إعلانه "قائداً إسلامياً" وحاملاً ملائماً للقب "خادم الحرمين الشريفين" ( مكة والمدينة المنورة).

ويشير البعض إلى أن “الملك المستقبلي” محمد بن سلمان قد يقلص أعداد آل سعود من خلال تجاهله أولاد أعمامه من حيث ولاية العهد، وحتى أخوته، لصالح أولاده الذين لا يبلغون اليوم سوى بضع سنوات من العمر. (وإذا فعل ذلك، ستصبح شجرة عائلة آل سعود أثراً بعد عين). إلا أن محمد بن سلمان يواجه معضلةً اليوم. فسواء كان ولي العهد أو الملك، لا يزال بحاجة إلى دعم العائلة المالكة الأوسع التي يقدر عددها بآلاف الأشخاص وفق تقديرات متفاوتة، ليمنح مركزه الخاص الشرعية اللازمة. كما يحتاج أمراء ليكونوا حكام محافظات ولينتشروا في الجيش لردع أي محاولات انقلاب ممكنة.

وفيما يتعلق بذلك، وجد أحد عشر أميراً ثانوياً أنفسهم في السجن خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، بعد احتجاجهم على اضطرارهم لأول مرة إلى دفع فواتير الكهرباء الخاصة بهم. وباسم التقشف، قد يغامر محمد بن سلمان في خفض مخصصات الأمراء أيضاً – فحتى أصغر فرد من العائلة المالكة يتقاضى راتباً من عائدات السعودية النفطية، وذلك استناداً إلى صيغة معقدة مرتبطة بحجم الأسرة ومدى قرابتها من خط خلافة العرش- إلا أن إصلاح هذا الترتيب، الذي تقدر تكلفته بعدة مليارات من الدولارات سنوياً، قد يكون له عواقب سياسية وخيمة.

وعلى الرغم من الإدعاء بأنها حملة لمكافحة الفساد، إلا أنه ينظر على نطاق واسع إلى الإقامات الجبرية التي تم فرضها مؤخراً في فندق “الريتز كارلتون” في الرياض، والتي شملت وفقاً لبعض التقارير أكثر من 200 من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين الآخرين، على أنها استيلاء على السلطة من خلال تهميش خصوم محمد بن سلمان وأولئك الذين عارضوه في الماضي.

ويريد الملك سلمان أن يكون نجله محمد بن سلمان ملكاً. ويريد ولي العهد نفسه أن يكون ملكاً. لكن من الصعب تخيل كيفية انتقال السعودية من هنا إلى هناك، وما إذا سيكون حكم محمد بن سلمان مستقراً. وستبقى “الرياضولوجيا” مفتاحاً أساسياً لفهم ما يحصل.

المصدر : وكالات