سطران لايضافان إلى السير الذاتية للمناضلين..

نارام سرجون، ماذا تعرف عن الرفيق نصر الحريري؟

نارام سرجون، ماذا تعرف عن الرفيق نصر الحريري؟
الخميس ٠١ فبراير ٢٠١٨ - ٠٤:٤٣ بتوقيت غرينتش

تبدو الدمى والتماثيل والأقنعة أحيانا شبيهة بالبشر ونكاد لانميزها إلا بعد أن نقترب منها كثيرا ونلمسها بأيدينا .. فنفاجأ أن الوجوه التي ظننا أنها حقيقية مطاطية وما أن ندور حولها حتى نرى أنها مجوفة من الخلف أو مستوية وليست ثلاثية الابعاد .. فنصاب بالدهشة ونسخر من أنفسنا أحيانا أو نضحك من أننا خدعنا بصريا ..

العالم - مقالات وتحليلات

ولكن هذه الدهشة تنقلب إلى صدمة عندما نرى بشرا من لحم ودم وبأبعاد ثلاثية .. وما أن ندور حولهم حتى نجد انهم مجوفون جداً كالدمى .. وعندما ندق بأصابعنا على رؤوسهم نسمع صدى و رنينا كمن يدق على وعاء كبير للطبخ من النحاس يسمونه في سوريا وبلاد الشام (الطنجرة) .. وفي مصر ووادي النيل (الحلة) .. ولكن يبدو أن الاسم المشترك لهذه الحالات في عالمنا العربي هو (المعارضة) .. التي تشبه قدور الطبخ لكثرة ماتوحي أشكالها بحجوم كبيرة ولكنها مجوفة كالطناجر والحلل ..

وأصدقكم القول أنني ومنذ بداية الحرب على بلادنا كنت أقرأ السيرة الذاتية لكل أولئك الثورجيين الذين تقدمهم لنا وسائل الاعلام شخصيات كأنصاف الآلهة و أنها ينبوع للأمانة والحس الثوري وأنها مثال للعطاء والفداء والتضحية وأنها نامت في السجون أو عاشت المنافي والحرمان .. لأكتشف بعد ان أدور حول أنصاف الآلهة بحثا عن أصابع الاله وشفاه الاله وعيون الاله أنني بعيد جدا عن الاله وأقرب كثيرا الى الدمى الضخمة .. فأدق بأصابعي على رؤوس أنصاف الآلهة لأجد أنها في الحقيقة قدور للطبخ أو طناجر تطبخ فيها المؤامرات الغربية وتطهى فيها الحروب والثورات الصناعية ..

ولم يكن يعنيني في تلك السير أي شيء في حياتهم الخاصة .. لأنني أحترم خصوصية الناس ولا أسمح لنفسي بأن انتصر في معركة عبر التشهير بالاسرار الخاصة منطلقا من مقولة السيد المسيح الشهيرة: من كان بلا خطيئة فليرجم .. أي أن ذلك وصية نبوية من ذلك الحكيم عيسى بن مريم بألا تنتهك الحياة الخاصة للناس لأنها شأن الانسان مع خالقه وليست شأنا بين الناس ..

كنت أقرأ السيرة الذاتية لكل واحد وماكان يرد عنها من تقارير وآراء ليس فيها مجال للمجاملة بل مجرد حقائق مجردة وكان يفاجئني كيف أن كل الشخصيات التي كانت تتنطح لقيادة المعارضة او التحدث باسمها تثير في ذلك الشعور بأنني أستحق التأنيب وأحيانا اضحك من نفسي أنني وقعت في خداع بصري عندما أنظر الى خلف الصورة لاجد الفراغ فقط .. ويكفي الاطلاع على تاريخ هذه الشخصيات وانتهازيتها ليحس أحدنا بالاشمئزاز والقرف .. فأحدهم مثلا كان يرغي ويزبد ويهيء نفسه لرئاسة سوريا ولكن معظم ضباط المخابرات كانوا يعرفونه لأنه كان يصر على زيارتهم واحدا واحدا والتقرب منهم واحدا واحدا وتبادل الولائم معهم واحدا واحدا .. وكان يفعل مايطلب منه دون تردد ودون أن يجادل أو يقترح ..

ولكن اكثر ما أدهشني في السيرة الذاتية السياسية لنصر الحريري هو شيء تميز فيه عن غيره .. فعندما قرأت سيرته الذاتية وكيف أنه أمضى حياته في السجون واعتقل عشرات المرات .. أحسست أنني أحسده وأن نيلسون مانديلا في قبره الآن يحس بالغيرة من هذا المناضل .. ولكن عندما قمت بالدوران حول الرجل وجدت أنه سهى ان يضيف الى سيرته الذاتية سطرين أو ثلاثة يبدو أنه يفضل الا يعرفهما الناس لأنهما سطران لااهمية لهما ولكنني وجدت أن أنقلهما للأمانة كيف يقف الناس خلف الثورة ويروا ان الصورة مجوفة من الخلف وأننا أمام دمية .. وان النقر بالاصابع على طنجرة النحاس سيحدث رنينا وصدى كبيرا .. فمما عرف عن الرفيق نصر الحريري كما ورد في تقارير رسمية للدولة قبل أن يصبح ثورجيا مايلي: ” .. ان الرفيق نصر الحريري كان يتنافس مع ابن عمه على رئاسة شعبة حزب البعث العربي الاشتراكي في مكان عمله في درعا .. ” كما أنه “.. كان يكتب تقارير سرية الى الجهات الأمنية لاثارة الشكوك حول ولاء ابن عمه للبعث والحكم أو حتى صدق أدائه وذلك لجعل وصول ابن عمه الى رئاسة الشعبة عملا يشبه الخيانة الوطنية ” .. ولكن مايدهش أن ابن عمه ايضا كان يكتب تقارير أمنية مضادة بنصر الحريري بنفس السوية ونفس العيار الثقيل .. وكانت الجهات الامنية “.. قد اصابها الملل من تراشق ابني العم بالتقارير من أجل كرسي شعبة الحزب” .. ويبدو أن الرفيق نصر الحريري كتب تقريرا بالدولة السورية الى السعودية من عيار تقاريره التي كان يريد منها الوصول الى أمانة شعبة الحزب فوصل الى كرسي رئاسة هيئة المفاوضات .. وفاز في سعيه .. وصار أمينا لشعبة المعارضة الوهابية السعودية دفعة واحدة ..

أما عندما يصل القارئ في السيرة الذاتية لنصر الحريري الى لحظة فاصلة في سيرة هذا الثائر الضيغم فانه حتما سيفتح فمه دهشة كمن يشاهد روحا من الارواح الشريرة .. اذ يقول التقرير مايلي: ” .. أن فرع الحزب في درعا في بداية عام 2011 كان يتلقى زيارات متتالية غاضبة من قبل الرفيق نصر الحريري لأنه (لايرى أن الدولة تتصرف بصرامة وحزم مع المتظاهرين في الشوارع الذين وصفهم بالرعاع في بعض مناطق درعا .. وكان ساخطا جدا وغير راض على رخاوة القبضة الامنية وترك المتظاهرين يسرحون أمام قوات الامن وأجهزة الحزب دون عقاب قاس ورادع يحرمهم التفكير في النزول الى الشوارع ..”

عندما تصل الى هذا السطر تتوقف .. وتضع الأوراق جانبا .. وتبحث عن حبة دواء مضادة للغثيان وتشرب منها حبتين أو ثلاثة وربما كل علبة الدواء .. ومع ذلك .. تتقيأ .. وتتساءل كيف صار هذا الرفيق رئيس وفد من وفود المعارضة التي تبكي على الشعب السوري وهي المعروفة أنها الاكثر تطرفا وتشددا ازاء الحوار مع الدولة السورية؟؟ .. وتغمض عينيك وتحس بالاسف أن كثيرين ماتوا من الطرفين في هذه الحرب لان هؤلاء الوصوليين يمارسون اليوم نفس الدور .. ففي الماضي كان يرفض الحوار مع المتظاهرين ويعتبره ضعفا من الدولة ويوصي بمعاقبتهم بعنف وقسوة وبلارحمة واليوم يمارس ذات الدور فهو لايفاوص ولايحاور بل يريد ان تستمر دينامية الحرب ضد النظام الذي كان يصفه في بداية الأحداث بأنه يتبع سياسة امنية رخوة ستضره جدا ..

المشكلة أن الحرب هي مع هذه الطناجر والحلل .. والأنكى أن المفاوضات التي تقودها روسيا والامم المتحدة هي مفاوضات مع الطناجر والحلل .. التي يطبخ بها الاميركان والسعوديون والاسرائيليون طبخات الحرية والديمقراطية والثورات الاجتماعية ..

نصيحتي القلبية .. عندما تتعرفون على أي شخص .. لاتنظروا اليه مباشرة .. دوروا حوله .. وانقروا بأصابعكم على طنجرته .. ومع هذا فاحتاطوا بتناول علبة كاملة من مضادات الغثيان .. وللأسف بالرغم من احتياطاتكم فانكم ستتقيأون .. خاصة اذا كنتم تدورون حول معارض سوري من جماعة لا حوار ولاتفاوض ولامصالحة .. واذا كانت وصية السيد المسيح تقول: (من كان بلاخطيئة فليرجم) فانها يمكن أن يستفاد منها للمعارضة بالقول (من كان منكم بلا طنجرة .. فليرجم) .. ولكني مع المعارضة فاني والله قد رجمت .. وأصبت .. وسمعت .. ولست نادما ..

نارام سرجون - شام تايمز

2-4