لا "مفاجآت" في 14 شباط: "المستقبل" غير جاهز انتخابيًا!

لا
الثلاثاء ١٣ فبراير ٢٠١٨ - ١١:٣١ بتوقيت غرينتش

قبل أسابيع، كان قياديو "​تيار المستقبل​" ونوابه "يستسهلون" إحالة أيّ سائلٍ لهم عن التحضيرات للانتخابات النيابية المرتقبة في أيار المقبل إلى احتفال الذكرى السنوية لاغتيال مؤسّس التيار رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق ​رفيق الحريري​، على اعتبار أنّ خطاب نجله ووريثه رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في المناسبة سيحمل الأجوبة الوافية والشاملة على كلّ التساؤلات، لدرجة أنّ البعض منهم لم يستبعد تحوّل الذكرى إلى ما يشبه إطلاق الماكينة الانتخابية للتيّار في كلّ ​لبنان​.

العالم - مقالات وتحليلات

اليوم، وعشيّة الذكرى التي يحييها "المستقبليّون" تحت عنوان "للمستقبل عنوان... حماية لبنان"، تبدو الصورة مغايرة، حتى بات مسلّمًا به أنّ خطاب الحريري لن يحمل معه أيّ "مفاجأةٍ" تُذكَر، بل إنّ الحديث عن الانتخابات، ولو شكّل جزءًا أساسيًا من كلمته، لن يتخطّى العموميّات التي يكرّرها قياديو "المستقبل" منذ فترة، على غرار استحالة التحالف مع "​حزب الله​"، غير المدعوّ أصلاً للاحتفال...

أزمة داخليّة؟

ليس خافيًا على أحد أنّ رئيس الحكومة الإيرانية سعد الحريري كان يمنّي النفس بأن يحوّل ذكرى اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري إلى مناسبةٍ انتخابيّة مركزيّة، يطلق من خلالها بشكلٍ رسميّ الحملة الانتخابيّة للتيار "الأزرق" الذي يستعدّ لخوض المعركة الانتخابيّة على امتداد لبنان، خصوصًا أنّ هذه المناسبة تحمل ما تحمله من معانٍ ودلالات في وجدان "المستقبل"، وتُعتبَر الاستحقاق السياسيّ السنويّ الأهمّ بالنسبة له، علمًا أنّ التمهيد لذلك قد انطلق منذ أسابيع، من خلال التسريبات المتنوّعة التي تمّ تداولها، والتي كان "المستقبل" نفسه مصدرها الأساسيّ.

ولعلّ ما عزّز من أهمية هذه الخطوة بالنسبة للحريري هو طبيعة المعركة الانتخابية، أو إن جاز التعبير، "التحدّي" الذي ينتظر الرجل في الانتخابات المقبلة، التي لا يبالغ المتابعون في وصفها بأنّها "الأًصعب والأدقّ" ليس في مسيرة رئيس الحكومة الشاب فحسب، بل في مسيرة "تيار المستقبل" منذ تأسيسه وحتى اليوم، خصوصًا في ضوء شبه الاجماع على أنّ عديد كتلة "المستقبل" سيتقلّص، بفعل القانون الانتخابيّ الجديد القائم على النسبية مع الصوت التفضيلي، ما سيحرم الحريري من "الاحتكار" الذي لطالما تمتّع به في العديد من الدوائر، ولا سيما في العاصمة بيروت، وما البحث الجاري اليوم سوى في كيفية الحدّ من هذه الخسارة وليس منعها.

ولكن، ووفق قاعدة أنّ الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، يبدو أنّ "أمنية" الحريري لن تتحقّق، فعلى الرغم من أنّ الوقت بدأ يضيق عليه، إلا أنّ الضبابية لا تزال سيّدة الموقف، ليس فقط على صعيد التحالفات التي لا يزال يكتنفها الغموض، ولكن حتى على صعيد الترشيحات، التي يبدو أنّ الرجل لم يحسمها بعد، مع أنّ القانون الانتخابيّ يفرض عليه بتّها في مهلةٍ لا تتجاوز السادس من آذار المقبل. وفي حين يسود الأوساط السياسية حديثٌ عن تعهّد قدّمه الحريري لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بعدم ترشيح من عارضوا انتخاب الأخير رئيسًا للجمهورية، ولو كانوا من النواب "الصقور" في الكتلة "الزرقاء"، فإنّ هناك خشية تتصاعد لدى الحريري من انعكاس ذلك أزمةً داخليّةً داخل تيّاره، قد تترجم من خلال "تمرّد" يعدّ له بعض هؤلاء في حال عدم ترشيحهم، وصولاً حتى خوض المعركة في مواجهته، علمًا أنّ الرجل حاول استباق ذلك من خلال حديثه قبل أيام عن أنّ أسماء المرشحين ليس هو المهمّ.

جسّ نبض...

كما الترشيحات "المستقبلية" غير محسومة، وإن كانت أصبحت على نار حامية، كذلك التحالفات لا تبدو نهائية حتى الساعة، بما فيها تلك التي قيل إنّها بُتّت ولم تعد خاضعة للنقاش، على غرار التحالف مع "​التيار الوطني الحر​" مثلاً، خصوصًا أنّ الحريري يحاول إعادة علاقته مع المملكة العربية ​السعودية​ إلى سابق عهدها، ليس فقط خشية قطعها "المال الانتخابيّ" عنه، وهو بأمسّ الحاجة له، ولكن أيضًا خشية دعمها لقوى وشخصيّات أخرى ستخوض المعركة في مواجهته.

وإذا كان هذا الأمر سيمنع الحريري من الحديث بصراحة عن تحالفاته الانتخابيّة في احتفال الرابع عشر من شباط، باستثناء تكراره استحالة التحالف مع "حزب الله"، منعًا لأيّ "مزايدات" كان بعض خصومه قد لجأوا إليها مسبقًا، فإنّ هناك من يرى في المقابل أنّ الاحتفال سيشكّل مناسبة لدخول الاتصالات والمفاوضات الحاصلة بين "المستقبل" وعدد من الأفرقاء مرحلة جديدة، أو على الأقلّ للتعجيل ببعض "المصالحات" التي يمكن أن تؤثر على التحالفات.

وانطلاقاً من ذلك، يترقّب الكثيرون "المصافحة" التي ستجمع الحريري برئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، الذي تؤكد أوساطه أنّه سيحضر الاحتفال على جري عادته، لأنّ هذه "المصافحة" ستكون الأولى بين الرجلين منذ أزمة استقالة الحريري التي فرّقت بينهما وأدخلت جماهيرهما في حالة "خصومة"، وهي ستأتي على وقع "الإيجابية" التي بدأت تتكلّل بها الاتصالات الجارية بين الحزبين، من خلال وزيري الثقافة ​غطاس خوري​ والاعلام ملحم الرياشي، بما يمهّد ربما لتتويجها من خلال اللقاء المنتظر بين "الشيخ" و"الحكيم".

وفي حين يسود اعتقادٌ بأنّ "المصافحة المرتقبة" ستمهّد لتحالفٍ ثلاثيّ ربما بين "المستقبل" و"القوات" و"التيار الوطني الحر"، وهو ما يسعى إليه "المستقبل" لاعتقاده أنّه يستطيع من خلاله أن يضرب أكثر من عصفورٍ بحجر، يبقى احتمال إعادة إحياء قوى "14 آذار" قائمًا، ولو بخجل، خصوصًا في ضوء ما يُحكى في الكواليس السياسية عن مساعٍ خارجيّة، سعوديّة وأميركيّة، في هذا الاتجاه، وذلك لمواجهة أيّ احتمالٍ يؤدّي لتكريس هيمنة "حزب الله" وحلفائه، بمن فيهم "العونيّون"، على البرلمان المقبل، وهذا الأمر أيضًا قد تظهر تباشيره من خلال احتفال "المستقبل"، حيث يترقّب البعض "المصافحة" التي يمكن أن تجمع الحريري برئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل مثلاً، في حال حضور الأخير.

ضمانات تسبق الانتخابات؟!

رغم أننا دخلنا عمليًا مرحلة "الجدّ"، أو ربما "الخطر"، يبدو أنّ الأفرقاء السياسيين لم يحسموا شيئاً من أمورهم الانتخابيّة بعد، ولعلّ وضع "تيار المستقبل" أصعب من غيره على هذا الصعيد، هو الذي لا يبدو أنّه حسم شيئًا سوى مواجهته لـ"حزب الله"، الذي ينشط في المقابل انتخابيًا على أكثر من صعيد، بعدما أطلق ماكيناته الانتخابيّة في مختلف الدوائر، وأعلن تحالفاته، بل يستعدّ لإعلان أسماء مرشّحيه هذا الأسبوع.

وبين الخشية من أزمةٍ داخليّة قد يسبّبها حسم مرشحيه، وتوتّر علاقته مع حلفائه القدامى أو الجدد يسبّبه حسم تحالفاته، تكاد الكرة "تطير" من ملعب "المستقبل"، الذي يبدو أنّه يبحث عن "ضمانات" تسبق الانتخابات، وتجعله بمنأى عن نتائجها، التي يخشى أن تقلب "المعادلة السياسية" رأسًا على عقب...

حسين عاصي - النشرة

216