عطوان: لماذا أوكلت سوريا المفاجآت للرجل الثالث في الخارجية؟

عطوان: لماذا أوكلت سوريا المفاجآت للرجل الثالث في الخارجية؟
الأربعاء ١٤ فبراير ٢٠١٨ - ٠٦:١٢ بتوقيت غرينتش

إسقاط الطائرة الإسرائيلية من طراز "إف 16" كان أهم انتصار معنوي تحققه القيادة السورية منذ 36 عاما، في نظر الكثير من المراقِبين، ولهذا لم يكن مفاجئا أن تشهد العاصمة السورية احتفالات غير مسبوقة على الصعيدين الشعبي والرسمي معا، رغم عدم انتهاء الحرب في البلاد كليا.

العالم - سوريا

لم يلق الرئيس بشار الأسد خِطابًا بهذهِ المُناسبة، ولم يَصدر عنه أي تصريح، وتَحلّت هيئة أركان الحُكم في العاصِمة السوريّة بأعلى درجات ضَبط النَّفس، عندما أَوكلت مُهمّة الحَديث عن إسقاط الطَّائِرة إلى السيد أيمن سوسان، مُساعد وزير الخارجيّة، للحَديث عن هذا الإنجاز التاريخي.

السيد سوسان الذي يَحتل المَرتبة الثالثة، أو الرابعة، على سُلّم وزارة الخارجية السورية، ظَهر في مُؤتمر صحافي لإيصال رِسالة مُهمّة إلى الإسرائيليين وحُلفائِهم الأمريكيين تَقول “ثِقوا تمامًا أن المُعتدي سَيتفاجأ كثيرًا لأنه اعتقد أن حرب الاستنزاف التي تتعرّض لها سورية لسَنوات جَعلتها غير قادِرة على مُواجهة أي اعتداءات، إن شاء الله سَيرون مُفاجآت أكثر كُلّما حاولوا الاعتداء على سورية”.

من الطَّبيعي أن لا يَكشِف السيد سوسان عن طَبيعة هذهِ المُفاجآت لأنّها من الأسرار العَسكريّة، ولكن ما يُمكِن استنتاجه من بين ثَنايا كلماتِه، وحالة الثِّقة التي غَلّفتها، أن هُناك صواريخ أُخرى ربّما أكثر تطورا يُمكِن استخدامها لإسقاط طائِرات إسرائيليّة من النَّوع نَفسِه، سواء فوق الأجواء السوريّة أو الفِلسطينيّة المُحتلّة.

***

إسقاط طائرة "إف 16" من مَجموع 300 طائِرة من النّوع نفسه في السِّلاح الجوي الإسرائيلي ربّما لا يَعني الكثير بالنِّسبة إلى المُحلّلين العَسكريين غير الإسرائيليين الذين رددت أقوالهم مَحطّات تلفزة وصُحف عربيّة تنتمي إلى الخيمة الأُخرى، لكنّه ليس كذلك بالنِّسبة إلى الرأي العام الإسرائيلي الذي كان يَعتقد أن التفوق الجوي لجَيشه يُشكّل "شَبكة أمان" أبديّة بالنِّسبة إليه.

في حَرب كوسوفو نجحت الدفاعات الجويّة الصربيّة في إسقاط طائرة شبح أمريكيّة من نَوع "إف 117"، وهي الأحدث في الترسانة الأمريكيّة، ولا تَرصدها الرادارات التقليديّة، ولم يُؤثّر ذلك على المَعنويات الرسميّة، ولا الشعبيّة الأمريكيّة، لأن هُناك آلاف الطَّائِرات في هذه الترسانة من مُختلف الأنواع والأحجام أولا، ولأن هذه الطائرة لم تَسقُط في الأجواء الأمريكيّة مِثلما كان حال طائِرة "إف 16" الإسرائيليّة ثانيًا، ولأن أمريكا دولة عُظمى ثالثًا لا تُنافسها أي قوة أُخرى في حِينها.

لا نُجادل مُطلقًا في قُوّة السِّلاح الجوي الإسرائيلي وحداثة طائِراته الأمريكيّة الصُّنع، ولكن ما نُجادِل فيه أن السِّيادة الجويّة الإسرائيليّة، في أجواء المِنطقة كلها، وليس الأجواء السوريّة فقط، بَدأ العَد التنازلي لتَآكلها، الأمر الذي يَكسِر الحاجِز النفسي القائِم مُنذ حَرب أكتوبر عام 1973، ويُؤشّر لمَرحلة ردع انتهت، وأُخرى تَبرز من وسط الركام السوري أكثر حَداثة وصَلابة.

حديث الجِنرالات العَسكريين الإسرائيليين عن تَدمير نِصف الدفاعات الجويّة السوريّة في غارات انتقاميّة جاء بهَدف التّضليل وامتصاص حالة الرعب التي سادت في أوساط الإسرائيليين بعد إسقاط الطائرة، وفَتح الملاجِئ، وإغلاق مطار تل أبيب لعِدة ساعات، ويَكفي الإشارة إلى أن مُعظَم هذه الدفاعات قَديمة وعديمة الفائِدة، ولم تُسقِط طائِرة واحِدة على مَدى 63 عامًا، وإن كُنّا نَشُك كُلّيًّا في صُدقيّة هذهِ الرواية الإسرائيليّة، ولكن الدفاعات التي أسقطت الطائرة "إف 16" ما زالت سَليمة مُعافاة، وفي أماكن سِريّة آمنة، وقد تَظهر في الوَقت المُناسب، أو للتصدي لأي غارة إسرائيليّة قادمة.

7 طائِرات “إف 16” أغارت على سورية فَجر السبت الماضي، واحِدة جَرى إسقاطها، وثانية أُصيبت، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، وهذه نسبة إصابة عالية بالمُقارنة مع كُل الغارات الإسرائيليّة السَّابِقة، ولا بُد من الإشارة أن أربعة صواريخ من مَجموع 5 جَرى اعتراضها وتَدميرها قبل يَومين من الغارة الأخيرة.

المَوقِف الروسي الذي أصاب إسرائيل بحالةٍ من الصَّدمة لتأييده حَق السوريين في الدفاع عن أنفسهم والتصدي لأي طائِرات تَخترق أجواءهم، جاء رسالة قويّة للإسرائيليين تُحذرهم من تِكرار هذا العُدوان، وتَزويدهم، أي الروس، سورية بصَواريخ “إس 300″، ونَصب أُخرى من نَوع “إس 400” في القواعِد الجويّة الروسيّة في حميميم أنهى عَمليًّا التفوّق الجَوي الإسرائيلي مُنذ عام 2015.

***

لا نَستبعد أن تكون كُل من سورية وإيران، وربّما “حزب الله” أيضًا، قد أدْخلوا تطويرات تكنولوجيّة حَديثة على الصواريخ الروسيّة القَديمة، وبمُساعدة روسيا نَفسها أو دول أُخرى مثل كورية الشماليّة، فمُعظَم الصواريخ الباليستيّة الإيرانيّة المُتطوّرة كانت نِتاج تكنولوجيا روسيّة بالأساس، والشّيء نفسه يُقال عن صواريخ كوريا الشماليّة، وإلا كيف يُطارد صاروخ “سام 5” الذي انتهى عُمره الافتراضي وخَرج من الخِدمة، طائِرة “إف 16” حتى العُمق الفِلسطيني المُحتَل، ويُسقِطها دون أن تَعتَرضُه القُبّة الحديديّة الإسرائيليّة؟

حديث السيد سوسان، وتَحذيراتِه من مُفاجآت قادمة يجب أن تُؤخَذ بِمَأخذ الجَد، فمِثلما فاجأ الجيش العربي السوري الكَثيرين بِصُموده أكثر من 7 أعوام، وألقت إيران بكُل ثُقلها العَسكري والمالي خَلف الدولة السوريّة، وَضحّت روسيا بالعَديد من جِنرالاتِها وجُنودها لإفشال مُحاولات تغيير النظام، فإن كُل الاحتمالات وكُل المُفاجآت واردة، وهِي غالبًا ما سَتكون سارة.
من حَقّنا أن نتفاءل وأن نتفاعَل، مع أيّ انتصار عربي، مهما كان صغيرا من وِجهة نَظر البَعض، في مُواجهة الغَطرسة الإسرائيليّة، لأنّنا نُؤمِن بهذه الأُمّة بشقّيها العَربي والإسلامي، وقُدراتِها، وإرْثِها المُشرف، ونُراهِن على نَهضَتِها ومُواجهة كُل التحديات والمُؤامَرات.. فهَل هذا كثير؟

عبد الباري عطوان - رأي اليوم

102-4