الرئيس الفِلبيني يُقدِّم دَرسًا لنُظرائِه العَرب أوْقِفوا التحرُّش بالخادِمات

الرئيس الفِلبيني يُقدِّم دَرسًا لنُظرائِه العَرب أوْقِفوا التحرُّش بالخادِمات
الجمعة ٢٣ فبراير ٢٠١٨ - ٠٤:٠٢ بتوقيت غرينتش

لا نُجادِل مُطلقًا في أن الرئيس الفلبيني رودريغو دويترني شَخصٌ مُثيرٌ للجَدل، ويتّخذ قرارات بين الحِين والآخر تتّسِم بطابَع الإثارة، ولا يَكِن الكَثير من الحُب للعَرب، ولكنّه في الوَقت نَفسِه يَحْرِص كُل الحِرص على كرامَة مُواطِنيه ومَصالِحهم، ويَرْفُض الإذْعان لأيِّ دولةٍ خارجيّةٍ تتطاول على بِلاده، حتى لو كانت الولايات المتحدة الأمريكيّة.

الرئيس الفلبيني قامَ بالمُشاركة في جَنازةِ خادِمة فلبينيّة جَرى العُثور على جُثمانِها في ثلاجةِ شَقّةٍ مَهجورةٍ في الكُويت، وقد بَدا عليها آثار التعذيب، والاغتصاب، وكَدمات وكُسور، الأمر الذي دَفعه إلى إصدار قرارٍ بتَرحيل الفلبينيين فَورًا، ووَقف إرسال العمالة الفِلبينيّة إلى مُعظَم دُول الخليج الفارسي حتى تتوفَّر ظُروف عَمل أفضل تَحفَظ كرامَتهم ومَصالحهم.

الإحصاءات الرسميّة تقول أن هُناك 2.2 مليون خادِمة فلبينيّة تَعمل في الخارِج، مُعظَمُهنّ في مِنطقة الخَليج الفارسي، من ضِمنهن 250 ألف خادِمة في الكُويت، وأن حواليّ 103 خادِمات تعرّضن للقَتل نتيجة جرائِم بَعْضها له طابَعٌ جِنسيٌّ في الكويت وَحدها عام 2017.

الخادِمة القَتيلة كانت ضحيّة أُسرة وافِدة كان يعمل مُعيلها في الكويت، وغادَر البِلاد قبل شَهر من اكتشاف الجَريمة، ممّا يَعني أن الاعتداء على الخادِمات الفلبينيّات أو الآسيويّات عُمومًا، يُشكِّل القاسَم المُشتَرك للكَثير من الحالات التي يَتورّط فيها مُواطنون ووافِدون عَربْ أيضًا، على حَدٍّ سَواء.

غَضَبْ الرئيس الفِلبيني مُبرّر، ويجب أن يَنعكِس في اتّخاذ الحُكومات العربيّة، والخليجيّة خاصّةً، إجْراءات تَضع حدًّا لظاهِرة الإساءة للخادِمات والعَمالة الآسيويّة عُمومًا، وجرائِم الاغتصاب والتحرّش الجِنسي، وما أكثرها، والصِّحافة الكُويتيّة التي تتمتّع بهامِش كبير من المِهنيّة وحُريّة التعبير في المِنطقة حافِلة بالقِصص الفضائحيّة المُخْجِلة في هذا الإطار.

أمْرٌ مُؤْسِف أن تتدهور السُّمعة العربيّة إلى هذهِ الدَّرجة، ولا نَستغرب أن يكون تَصويت مَندوب الفِلبّين إلى جانب قرار إدارة الرئيس ترامب بِنَقل السَّفارة الأمريكيّة إلى القُدس المُحتلّة في الأُمم المتحدة جاءَ كردِّ فِعلٍ على حالة الكراهيّة المُتصاعِدة للعَرب في بِلاده، فالرئيس الفلبّيني وصف الرئيس الأمريكي السَّابق باراك أوباما بـ”ابن العاهِرة” لأنّه انتقد قساوة الحَملة التي تشنٍها حكومته الفلبينيّة ضد الجَريمة ومُهرِّبي المُخدّرات، وأوقعت أكثر من 2400 قَتيل خِلال أقل من شَهرين، وهي حَملةٌ جَرى وصفها بأنّها تُشكِّل انْتهاكًا لحُقوق الإنسان من قِبَل الكنيسة وعِدّة مُنظّمات حقوقيّة داخِل الفِلبّين وخارِجها.

نحن لا نَعتبِر الرئيس الفِلبيني دويترني قُدوةً حَسنة بسبب هذهِ الانتهاكات، ولكنّنا نتمنّى في الوَقت نفسه أن تَحرِص الحُكومات العربيّة على رِعاية مصالِح مُواطنيها بالقَدر نفسه الذي تَحرِص فيه نَظيرتها الفلبينيّة، حيث يتعرّضون للإبعاد والسَّجن والاعتقال، وأحيانًا ضَياع الحُقوق، في ظِل قوانين جائِرة، وأرباب عَمل جَشِعين.

الرئيس الفلبيني أكّد أثناء مُشاركته في الجَنازة أن سلامة العُمّال الفِلبينيين تتقدّم بالنِّسبة إليه على المَكاسِب الاقتصاديّة، وهذا دَرس للكَثير من الحُكّام العَرب الذين يُديرون ووجههم إلى الناحيةِ الأُخرى عندما يتعرّض مُواطنوهم للمُعاملةِ السيّئة، ويَتغاضون عن أيِّ تَحرّك بأسبابٍ اقتصاديّة عُنوانها الأبرز تَحويلات المُغتَربين.

أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، الذي ترأس وأدار دبلوماسيّة بِلاده لأكثر من نِصف قرن، نَجح في اتّخاذ قراراتٍ صائِبة لتَطويق هذهِ الأزمة، حيث لم يَكتفِ بإرسال مَبعوثين إلى مانيلا لحلّها، وامْتصاص غضب المَسؤولين فيها، بل وجّه دعوةً إلى الرئيس الفلبّيني لزِيارة الكويت الشَّهر المُقبِل، لبَحث وَضْع أُسُسٍ جديدة لتَنظيم عَمل الفلبينيين والفلبينيات في البِلاد.

نُدرِك جيّدًا أن بعض الحُكومات العربيّة تُسيء مُعاملة مُواطِنيها، وتُمارِس كل أصناف التّعذيب والاعتقال ضِدهم، وتنتهك حُقوقهم السياسيّة والإنسانيّة، وهذا أمر مُشين ومُدان، ولكنّه لا يُبرّر مُطلقًا الصَّمت على انْتهاك حُقوق خادِمات آسيويّات أو صوماليّات أو أثيوبيّات، أو عربيّات، أجبرتهن ظُروف المَعيشة الصَّعبة للعَمل في بيوت عربيّة خليجيّة، وتَعرّضن لأبشع أنواع التحرّش الجِنسي على أيْدي بَعض مَخدوميها كِبارًا وصِغارًا ذُكورًا وإناثًا.

لا بُد من صُدور تَشريعات قانونيّة صارِمة تَحفظ حُقوق هؤلاء وكرامَتهم، وتُحافِظ على الصُّورة العَربيّة والإسلاميّة في الوَقت نَفْسِه.