زياد عيتاني أم سوزان الحاج؟ ... التهشيم والانكشاف

زياد عيتاني أم سوزان الحاج؟ ... التهشيم والانكشاف
السبت ٠٣ مارس ٢٠١٨ - ٠٦:٢٢ بتوقيت غرينتش

تطرح قضية زياد عيتاني ومن ثم سوزان الحاج، أسئلة لا بد من طرحها، حماية لما تبقى من صورة «الدولة» و«المؤسسات». عندما يعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق براءة زياد عيتاني، قبل أن يقول القضاء كلمته، تصبح بداية «مسلسل» اعتقال هذا الشاب البيروتي، كما نهايته المحتملة، لا تمت بصلة إلى مفهوم الدولة والمؤسسات ولا مفهوم «الأمن القومي»، بكل مندرجاته.

العالم - مقالات

هو الانكشاف مجدداً. تأتي دائماً وقائع لبنانية قاهرة ودراماتيكية، لتظهر هذا البلد مشرّعاً أمام حسابات يتداخل فيها الشخصي بالسياسي والانتخابي والأمني والقضائي. تتداخل حسابات الأفراد الصغيرة بأساطير الجاسوسية، فتتبدى هشاشة المؤسسات وقلة مهنية بعضها، حتى يكاد المواطن يكفر بكل شيء.

لا يتوانى جهاز اسمه «أمن الدولة»، وهو وليد نظام المحاصصة الطائفية بامتياز، عن اختيار ملف أمني خطير، اسمه العمالة لـ"سرائيل"، قد يفيد في تلميع صورة قيادته الجديدة، وجعلها تحتل موقعها على خارطة الأمن الوطني أو السياسي. المؤسف أن هذا «البنيان» اعتمد، بحسب الرواية «الرسمية» الجديدة، على هواة في الأمن، سرعان ما وقعوا، بإدراك واع منهم أو عن غباء، في فخ قرصنة إلكترونية مدبرة، لأهداف شخصية تافهة جداً، وهذا الأمر يطرح علامات استفهام كبيرة وخطيرة.

إذا كانت تقنية الاتصالات وما يتفرع عنها هي دليل جهاز أمني، للإمساك بخيوط جريمة، صغيرة كانت أو كبيرة، ألا يستدعي ذلك أسئلة من نوع التدقيق في مهنية من يديرون ويتحققون ويراقبون، خصوصاً أن الكثير الكثير من الوقائع، في لبنان وفي العالم، تشي بتوافر إمكانيات عالية للتزوير والتحوير والتمويه... وصولاً إلى توريط أبرياء في جرائم مدبرة ليست من صنع أيديهم؟.

إذا كانت هذه التقنيات الحديثة قابلة للخرق و«الاختراع»، فمن هو الحَكَم، في بلد كلبنان، للاحتكام إليه، في ملف أمني معين، كملف زياد عيتاني أمام جهاز أمن الدولة؟.

أين يقع دور القضاء، عندما يتقدم إليه جهاز ما بما يسميه أدلة موثقة بالصوت والصورة، لإدانة متهم ما، وهل يملك القضاء تقنية أو مرجعية فنية يحتكم إليها لبتّ أدلة كهذه؟.

إذا كان ليس من حق أحد أن يستبق قرار القضاء، أو يحوّل قضايا جنائية إلى قضايا شخصية أو سياسية أو انتخابية أو تنافسية من أي نوع كان، فأين هو القضاء نفسه، يرفع صوته ويقول كلمته ويمنع هذا الانزلاق الذي يشوّه صورته، لا بل صورة البلد والعدالة وأبسط حقوق الناس؟ ألم يتم توقيف عيتاني بناءً على إشارة القضاء نفسه؟ ألم يستمع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس إلى إفادته التي كرر فيها ما قيل إنها اعترافاته؟.

إذا كان صراع الأجهزة المفتوح على مصراعيه لا يرسم حدود عمل هذا الجهاز أو ذاك، أقله تبعاً لما يمتلك من قدرات وخبرات، فهل يمكن السلطة السياسية أن ترسم مثل هذه الحدود أو أن تكلّف رئيس الجمهورية بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة والمؤتمن على الأمن القومي (رئيس المجلس الأعلى للدفاع)، أن يحدد صلاحية هذا الجهاز وذاك، بما يكفل الانتقال من حال الحروب بين الأجهزة إلى التنافس الإيجابي المضبوط و«المدوزن»؟.

وها أن رئيس مجلس الوزراء، وهو المسؤول الأول، إدارياً وسياسياً، عن عمل جهاز أمن الدولة، لا يستطيع أن يضع ضوابط تحمي هذا الجهاز وغيره من مؤسسات وإدارات هو المسؤول عنها، من مخاطر الشطط على أنواعها؟.

لماذا يبادر جهاز أمني بقيادته ومحققيه، وأيضاً بعض القضاء العسكري، بقضاة التحقيق أو غيرهم، إلى تسهيل تسريب محاضر تحقيق أولية قبل التدقيق في كل عناصر ملفاتهم؟ وإذا كان التسريب حتمياً، وهو لا يجوز أن يكون كذلك، لا بل يصعب وضع حدّ له في جمهورية يكاد يكون الحاكم الأول فيها عالم «السوشيل ميديا» على أنواعه، ألا يستوجب الأمر، نفضة شاملة، حماية ليس للعدالة، بل لما تبقى من صورة دولة؟.

إذا كان ملف أمني قد أصبح في عهدة القضاء العسكري، وإذا كان هناك ما يجيز للقضاء أن يعيد الملف إلى الضابطة العدلية، فيدور الملف من جهاز إلى جهاز، بعنوان المنافسة، فهل يحق لمحقق في جهاز أن يطيح ملفاً قضائياً، لنجد أنفسنا أمام تسريبات متتالية من غرفة التحقيق إلى الشاشات الصغيرة مباشرة، من دون حماية الحد الأدنى من سرية التحقيق؟ وكيف لهيبة قاض أن تبقى عندما يكسرها قاض آخر هو مرؤوس الأول، أو وزير أو ضابط، كما حصل أمس، و»أهل مكة أدرى بشعابها» وبكل حرف من هذه الحروف؟.

إذا كانت الاعتبارات الانتخابية قد أملت إعادة فتح ملف زياد عيتاني ــ وربّ ضارة نافعة فيما لو تبين أن الرجل بريء من كل ما نسب إليه ــ يصبح السؤال، ماذا لو لم يكن الموقوف شخصية عامة من عائلة عيتاني، بل من عائلة بيروتية أو صيداوية أو طرابلسية أو عكارية صغيرة، هل كان ليجد دولة ورئيس حكومة ووزيراً، يستقبل عائلته ويعدها بفتح الملف وإحقاق الحق؟.

إذا كان زياد عيتاني بريئاً، ويحتاج إلى اعتذار ما، فإن من يجب أن يعتذر منه هو أول من صدّق التهم الموجهة إليه، بدءاً من رأس الدولة، إلى وزير الداخلية، مروراً بكل من تعامل مع هذا الملف. فهل ينسى اللبنانيون عندما أفردت قناة «المستقبل»، في نشرتها ليلة القبض على عيتاني، فقرة تتحدث عن الإنجاز وكيف أخفقت محاولة اغتيال وزير الداخلية، وأن رئيس الجمهورية أجرى اتصالاً بالوزير نهاد المشنوق مهنّئاً إياه بالسلامة؟.

وإذا كان الضابط الذي أمسك بملف زياد عيتاني برتبة ملازم، وهو من الذين حققوا «نقلة صاروخية» في سجلهم العسكري، لأسباب غير مفهومة، حتى الآن، هل المكافأة التي نالها (سنة أقدمية)، قابلة للكسر أم أن مرجعية أمن الدولة من رئاسة وزارة ورئاسة جمهورية لا يمكن أن تقترب من ملف كهذا (على سيرة الترقيات، تبيّن أن أحد الضباط الذين أوقفوا مؤخراً بتهمة تسهيل تنقل أحد كبار تجار المخدرات نال أقدمية مماثلة)؟.

أمس، على سيرة التسريب، سُرّبت معلومات أمنية تُفيد بأن الهاكر اعترف بأن المقدم سوزان الحاج طلبت إليه فبركة ملف لعيتاني انتقاماً منه على خلفية دوره في نسخ تغريدتها التي أطاحتها من مركزها في رئاسة مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، فدخل الهاكر إلى حسابات عيتاني ليخلق رابطاً وهمياً مع العدو الإسرائيلي. التسريبات تقول إن الهاكر اعترف. وأيضاً عيتاني اعترف قبل ذلك. أيّ الاعترافين نصدّق؟ وماذا يضمن ألا تتكرر المسرحية الأمنية؟.

لم ينته التحقيق بعد. ورغم ذلك، عادت مجدداً الأصوات نفسها لتُصدر الحكم بحق المقدم الحاج المشتبه فيها بارتكاب جريمة بحق عيتاني وآخرين. وهنا يُطرح تساؤل جديد؛ المقدم الحاج واحدة من عشرات الضباط الذين لديهم سلطة استثنائية منحهم إياها القانون. من يدري كم زياد عيتاني آخر فُبركت لهم الملفات وكم ضابط أو مسؤول استخدم هذه السلطة في غير موضعها؟.

مجدداً، الخلاصة ذاتها تتكرر. البلد مكشوف عندما تُفتقد الثقة بالمؤسسات القضائية والأمنية.
المصدر / الاخبار 

109-1