مستقبل "الجهاد العالمي" يُرسم في سوريا

مستقبل
الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٨ - ٠٥:١٧ بتوقيت غرينتش

لم تخرج «الرايات السود» من المشهد السوري بعد. ورغم أنّ ضعفاً كبيراً اعترى مختلف التنظيمات «الجهاديّة» في خلال العامين الأخيرين، فإنّ هذه التنظيمات لا تزال حاضرةً على غير جبهة، وتحتفظ بحظوظٍ متفاوتة في التأثير في موازين القوى ومسار الصراع. ولا تقتصر خطورة هذا الحضور على تبعاته المحتملة في سوريا، بل تتعدّاه إلى دوره في إعادة تشكيل خريطة «الجهاد العالمي».

العالم - مقالات وتحليلات

كان العام المنصرم من عمر الحرب السوريّة حافلاً بالأحداث «الجهاديّة» المفصليّة، وأبرزها تقويض الحضور العسكري المؤثّر لتنظيم «داعش». وينضم إلى قائمة الأحداث البارزة، خروج الخلاف بين زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، وزعيم «جبهة فتح الشام/ النصرة» أبو محمد الجولاني، ووصول الأمر الى حدّ «الطلاق الجهادي» بينهما. وبتأثير ذلك، انضم حدث ثالث إلى التسلسل الزمني «الجهادي» تمثّل في ولادة تنظيم جديد هو «حرّاس الدين» العاكف حاليّاً على جمع «البيعات» وتنظيم الصفوف. 

صراع «مشروعين»

شكّل الصراع بين «داعش» و«النصرة» منذ أواخر عام 2013 مقدّمةً لبزوغ نجم زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه لاحقاً «خليفة للمسلمين». بدا صراع «داعش/ النصرة» أوّل الأمر صراعاً على مكتسبات محليّة تخصّ المشهد السوري، غير أنّ البغدادي لم يلبث أن كشف عن بُعدٍ آخر ذي طبيعة «كونيّة». وعلى وقع الانتصارات الكاسحة التي حقّقها تنظيمه في سوريا والعراق، نقل البغدادي معركته على الزعامة «الجهاديّة» من ساحة مواجهة الجولاني، إلى ساحةٍ أخرى يقارع فيها واحداً من أهم الرّموز «الجهاديّة» وهو أيمن الظواهري.

التوزع الجغرافي للفصائل «الجهادية» في سوريا

في الجوهر، كان الصراع دائراً بين مشروعين «جهاديين» ينفرد البغدادي في التربّع على رأس أحدهما، وهو مشروع «شوكة التمكين – قيام الدولة»، ويترك لجميع الآخرين المشروع الثاني الذي بقي متمسّكاً بأنّ أوان «التمكين» لم يحن بعد، وأن «الجهاد العالمي» لا يزال يُراوح بين مرحلتي «شوكة النكاية والإنهاك» و«إدارة التوحّش». ورغم أن كثيراً من التجارب التي سبقت «داعش» كانت قد أعلنت حكماً «جهاديّاً» في مناطق ودول عدّة (أشهرها إمارة أفغانستان الطالبانيّة)، فإنّ أحداً لم يذهب الى حدّ «خلافة» عالميّة توجب على كل التنظيمات الجهاديّة في العالم تقديم «البيعة»، وتُعلن «حرباً مقدّسة» على كل من يمتنع.

تتالت الانتصارات «المعنويّة» لمشروع البغدادي على امتداد عامين، ورأى «الرأي العام الجهادي» هزيمة «النصرة» أمام «داعش» هزيمةً للتنظيم الأم أيضاً، فـ«النصرة» خاضت المواجهة بوصفها «تنظيم القاعدة في بلاد الشام». كان لهذا التفصيل دورٌ أساسي في انخفاض أسهم «القاعدة» في المشهد «الجهادي» العالمي، وأوحت الصورة بأنّ مشروع البغدادي حسم الموقف لمصلحته. لكنّ وهم فائض القوّة الذي حصّله «داعش» إثر إعلان «الخلافة» دفعه إلى اقتراف أخطاء قاتلة، وعلى رأسها التفكير في إمكانية نجاح خططه لـ«غزو العالم».

انهمك «داعش» في تنفيذ تلك الخطط، عبر استنفار «ذئابه المنفردة» لشن هجمات متفرّقة شرقاً وغرباً، كما حرص على المسارعة إلى تبنّي أي هجوم ذي صبغة «جهاديّة» يقع في دولة غربيّة، حتى ولو لم يكن مخطّط الهجوم قد وُضع بإشراف أمنيّيه. أفلحت تلك الهجمات في اجتذاب مزيد من «الجهاديين» إلى صفوف التنظيم، كما في تحصيل «بيعات» إضافيّة للبغدادي من جماعات منتشرة في أفريقيا وآسيا، لكنّها أدّت في الوقت نفسه إلى دق طبول الحرب على «داعش» عالميّاً وبشكل جدي. ورغم أن التنظيم كان مؤهّلاً للقيام بأدوار إضافيّة في الحرب السورية، فإنّ المخاطر التي استشعرتها معظم الدول الغربيّة من جرّاء تحوّل «دولة الخلافة» إلى تحدّ خطير لـ«الأمن القومي» في أوروبا وأميركا حسمت الموقف وجعلت من التضحية بالتنظيم ومنافعه السوريّة أمراً لا مناص منه.

«القاعدة» وحسابات الغد

كان من شأن التهاوي المتتالي لـ«داعش» أن يمنح «القاعدة» فرصةً للعودة إلى الواجهة «الجهاديّة» في سوريا، لكنّ الخلاف الكبير بينه وبين «النصرة» أدى إلى تكريس «شق الصّف». لم يكن انحسار النفوذ الجغرافي داخل سوريا سوى «خسارة جانبيّة» في موازين «القاعدة». ومنذ نشأته حتى اليوم، لم تحظَ الجغرافيا بأولوية في المشروع «القاعدي» المتمسّك بأنّ «الجهاد العالمي لم يدخل مرحلة التمكين».

صهيب عنجريني / الاخبار 

109-2