عطوان: لماذا ارتدى الرئيس إردوغان الزي العسكري أثناء زيارته للحدود السورية؟

عطوان: لماذا ارتدى الرئيس إردوغان الزي العسكري أثناء زيارته للحدود السورية؟
الثلاثاء ٠٣ أبريل ٢٠١٨ - ٠٤:٢٧ بتوقيت غرينتش

إرتداء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان زياً عسكرياً مرقطاً، وتفقده مخفراً حدودياً في منطقة هاتاي، أو أنطاكية قرب الحدود السورية، وبصحبته الجنرال خلوصي آكار، وقادة من العسكريين الكبار يوحي بأن الرجل يريد توجيه رسالة مزدوجة إلى الداخل التركي أولاً، وإلى العالم الخارجي، وخاصةً حلفائه في أميركا وحلف الأطلسي أنه مستعد للمواجهة العسكرية ضد الأكراد ومنع قيام كيان لهم على الشريط الحدودي السوري الشمالي.

العالم ـ مقالات وتحلیلات

بعد الاستيلاء على مدينة عفرين، وحوالي ألفي كيلومتر مربع في محيطها، وقتل حوالي 3852 "إرهابياً" من قوات حماية الشعب الكردية، حسب إعلانه الرسمي في كلمة وجهها إلى الجنود في المخفر الحدودي، تظل كل هذه الانتصارات ناقصة، ولا نقول دون أي قيمة فعلية، إذا لم تتقدم القوات التركية نحو مدينة منبج وتستولي عليها، وبما يفتح الطريق أمامها نحو مدن أخرى تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية مثل الرقة والحسكة والقامشلي وعين العرب.

***

إقتحام منبج سيكون التحدي الأكبر بالنسبة إلى الرئيس إردوغان وجيشه الذي يحتل المرتبة الثانية بين نظرائه في حلف "الناتو"، لأن الولايات المتحدة الأميركية حتى هذه اللحظة مصممة على نصرة القوات الكردية المرابطة فيها، ومنع الجيش التركي من السيطرة عليها، حتى لو أدى الأمر إلى مواجهة عسكرية.

لتأكيد جدية موقفها الداعم لقوات سوريا الديمقراطية أرسلت القيادة العسكرية الأميركية 300 جندي إضافي إلى منبج معززين بعشرات الدبابات والمدرعات والعتاد الثقيل، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فهدد بإرسال قوات فرنسية إلى منبج والمناطق الخاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا، لدعم القوات الأميركية المتواجدة فيها، وتأييد فرنسا للكيان الكردي قيد الولادة رسمياً.

بمعنى آخر أصبحت تركيا تواجه نظرياً أكبر قوتين عسكريتين في حلف الناتو، أي الولايات المتحدة وفرنسا على الأرض السورية، وليس أمامها إلا خيار الحرب، بعد أن رفض الرئيس إردوغان بشدة اقتراحاً من الرئيس الفرنسي بالترتيب لحوار تركي كردي تحت رعايته، وهو العرض الذي اعتبره الرئيس إردوغان مهيناً، وشن هجوماً شرساً على نظيره الفرنسي لاستقباله وفداً كردياً، و"ذكره" بتاريخ فرنسا الإجرامي الاستعماري ومجازره في الجزائر وغيرها.

القمة الثلاثية التي ستعقد الأربعاء في إسطنبول، وتضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني إلى جانب إردوغان ستحدد خريطة المعارك على الأرض السورية في الفترة المقبلة، وخاصةً معركة منبج، وربما طبيعة العلاقات المستقبلية بين دمشق وأنقرة أيضاً سلماً أو حرباً.

الإيرانيون وحلفاؤهم السوريون والروس غضوا النظر عن الاجتياح التركي لمدينة عفرين وجوارها، لثلاثة أسباب رئيسية:

ـ الأول: تركيزهم على معركة الغوطة الشرقية، والإصرار بالتالي على إخراج جميع الفصائل المسلحة منها، وتأمين العاصمة دمشق من قذائف الهاون التي زعزعت أمنها، وهذا الهدف تحقق الآن بنجاح كبير.

ـ الثاني: قضاء الأتراك عسكرياً على فرص قيام كيان كردي في شمال سوريا يحظى برعاية أميركية، وربما إسرائيلية أيضاً، يصب في مصلحة كل من إيران والحكومة السورية، وطالما أن تركيا تطوعت بتنفيذ هذه المهمة فلا بأس، وجزاها الله كل خير، ولكل حادث حديث بعد ذلك.

ـ الثالث: حدوث صدام تركي من ناحية وأميركي فرنسي من الناحية المقابلة في منبج أو غيرها من المدن الكردية الأخرى، يعني خروج تركيا بشكل نهائي من حلف "الناتو" والمعسكر الغربي، وانضمامها إلى المحور الروسي الإيراني، وربما السوري أيضاً في مرحلة لاحقة، لأن هذا هو الخيار الوحيد المتاح أمامها.

***

من الصعب علينا استباق الأحداث، وما يمكن أن نقوله في هذه المرحلة، أن الرئيس التركي إردوغان يعيش "مزاجاً" حربياً، وبات يدرك جيداً أنه لا يستطيع التوقف في منتصف طريق عملية "غصن الزيتون" والاكتفاء بمدينة عفرين دون التقدم نحو منبج، ثم الرقة والمدن الأخرى لاجتثاث الحلم الكردي الاستقلالي كلياً.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الشأن يتعلق بما إذا كانت شريكتاه في قمة إسطنبول، روسيا وإيران، ستقدمان الدعم له، سياسياً وعسكرياً، في معركة منبج في حال اشتعالها أم لا، وإذا قدمتا له هذا الدعم بشقيه المذكورين آنفاً، فما هو الثمن الذي سيحصلان عليه في المقابل: عودة إدلب وعفرين ومدن مثل الباب وجرابلس إلى السيادة السورية؟

نترك الإجابة لما بعد انتهاء قمة إسطنبول الثلاثية، وما سيصدر عنها من "تفاهمات" وهي في تقديرنا من أهم القمم وأخطرها في الوقت نفسه.

* عبد الباري عطوان

104