"خلوة الفينيسيا" ..

السعودية تعود إلى لبنان بوجه ناعم!

السعودية تعود إلى لبنان بوجه ناعم!
الخميس ٠٥ أبريل ٢٠١٨ - ١٠:٣٢ بتوقيت غرينتش

على عكس طلات الموفدين السعوديين، اختصر الموفد الملكي نزار العلولا برنامج زيارته لتقتصر على محطتين أساسيتين: المشاركة في تدشين جادة الملك سلمان، ورعاية لقاء ضم سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع في مقر إقامته في فندق فينيسيا.

المشهد يتكرّر. المُستشار الملكي السعودي نزار العلَولا في لبنان. كل مرّة بعد الزيارة، تضجّ الكواليس اللبنانية بالتوقّعات. السؤال الأبرز، ما الذي تُريده السعودية من لبنان وهو قاب قوسين من إجراء انتخاباتِه النيابية؟

لعل محاولة التعرف إلى ما دار في لقاء «فينيسيا»، أول من أمس، تجيب عن هذا السؤال. فقد اجتمع الموفد الملكي، بحضور القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد البخاري بدايةً برئيس الحكومة سعد الحريري، ثم توسّع الاجتماع ليشمل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. لقاء يستحقّ التوقف عنده. يعكُس مضمون الزيارة وبرنامجها «تسليماً سعودياً بالواقع اللبناني، كما هو، نتيجة تداخُل عامِلين: محلّي ودولي، فرضا على المملكة منذ تشرين الثاني الفائت التّراجع عن قرار اللعب بالنار داخل الساحة اللبنانية، وهو قرار كان سيشعل لبنان، لكن ارتداداته لن تقتصر على الساحة اللبنانية» على حد تعبير مصادر مواكبة توقفت عند الآتي:
أولاً، تعيد صورة الفينيسيا إلى الذاكرة حقبة مُمتدّة بين العامين 2005 و2009. ذروة التدخّل السعودي في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الأقطاب الثلاثة لـ«ثورة الأرز» مجدداً في حضرة الراعي الإقليمي. لا تشي تعابير وجوههم بأن أزمة ما حصلت، وأودت بالعلاقة بينهم إلى حد الوقوف في متاريس متقابلة، إثر اختطاف المملكة لرئيس الحكومة قبل خمسة أشهر، وإجباره على الاستقالة من الرياض. أوحت الابتسامات المصطنعة التي ارتسمت على محيّا الثلاثي كأن شيئاً لم يكن، لكن الحقيقة الانتخابية نسفت القواسم المشتركة بينهم عن بكرة أبيها. هي عودة إلى الدور، لكن بلا ركائز كان يستند إليها سابقاً.
ثانياً، تميزت رحلة العلولا هذه المرة، ليس بمغادرة منطق الحقد الذي لطالما كان يميّز أداء المملكة، بل بالسعي إلى عقد أول جلسة مباشرة بين جنبلاط ــ الحريري ــ جعجع. ففيما التقى رئيس الحكومة، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي مرتين، بعد عودته من رحلة الاحتجاز السعودية، ظلّ اللقاء بين الحريري وجعجع مؤجلاً، رغم محاولات الوزيرين الوسيطين غطاس خوري وملحم رياشي لتذليل كل العقبات وتأكيد الطرفين أن لا عائق يمنع حدوث اللقاء، حتى أن التأكيد الأخير جاء على لسان رئيس تيار المُستقبل من على باب بكركي، قبل يومين، بقوله إن العلاقة مع جعجع «ممتازة واتصلت به للمعايدة، وسنلتقي قريباً». كل ذلك لا ينفي أن حجم التباعد بين الحريري والقوات آخذ بالاتساع، على خلفية أزمة الاحتجاز ومن ثم مسار الانتخابات وما سينتج منها من توازنات.
ثالثاً، ليسَ بالإمكان فصل ما سعت إليه الرياض في بيروت هذه المرة، عن حركتها المُتصاعدة في لبنان منذ فترة، بالتنسيق مع دولة الإمارات وممثلها في لبنان. لقاءات وزيارات وجولات لا تتوقّف منذ عودة البخاري إلى بيروت. يوضِح هذا المسار عودة سعودية هي أقرب ما تكون إلى تقبل الوقائع اللبنانية الدامغة، وقد ترجمتها بإجراء مُصالحة بين حلفاء مفترضين، لكل واحد منهم حساباته مع الآخر، لا بل مع السعودية نفسها.
رابعاً، لا تعني هذه المُصالحة بأي حال من الأحوال إعادة إحياء اصطفاف فريقيّ 8 و14 آذار. ليس لأن «السعودية لا تريد ذلك»، وفق المصادر نفسها، بل لأن «الظروف ليست مواتية لأن تفرض ذلك على أصدقائها، الذين أصبح كل منهم يتصرف وفق أجندته ومصالحه وسلم أولوياته، وصولاً إلى التصرّف على قاعدة «يا ربّي نفسي».
خامساً، لوحظ أن الجانب السعودي كان خلال خلوة الفينيسيا «مُستمعاً أكثر منه متحدّثاً». لكن المفارقة التي ميّزت اللقاء، ظهور تناغم سياسي لافت للانتباه بين جعجع والحريري، وهما أطلقا مواقف سياسية ترضي خاطر السعوديين وتطلبهم السياسي لبنانياً، خصوصاً لجهة إعادة إحياء مضمون الخطاب السياسي العدائي لحزب الله.

ميسم رزق - صحيفة الاخبار