ترامب يثبت انه ليس غبياً في سوريا

ترامب يثبت انه ليس غبياً في سوريا
السبت ٠٧ أبريل ٢٠١٨ - ٠٥:٠٦ بتوقيت غرينتش

من النادر الا يتحدث اثنان في اي بلد في العالم عن الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​، دون ان يتفقا على ان قراراته غير عادية، وغامضة، ولا يمكن توقعها... ومن النادر ايضاً الا يتفق الاثنان على ان ترامب هو رجل اعمال ناجح، ويعرف من اين يحصد الاموال دون ان يعني ذلك بالضرورة انه رجل سياسي ناجح.

العالم - مقالات

السبب وراء هذه المقدمة الصغيرة، هو القرار الذي اعلنه ترامب حول الوجود العسكري الاميركي في ​سوريا​، حيث قال انه يرغب في انهائه واعادة الجنود الاميركيين الى بلادهم، ثم ما لبث ان استطرد باضافة شرط اساسي على بقاء هذه ​القوات​ هناك مفاده ان على ​السعودية​ ان تتحمل التكاليف.

لم يكن ترامب يكذب في ما خص الاموال، فخلال حملته الانتخابية كان واضحاً بأن على ​الدول العربية​ وتحديداً السعودية، ان تدفع لقاء الحصول على الامن، وهذا ما ردّده بالامس بشكل شفاف وواضح. ويمكن القول بموضوعية، ان الرئيس الاميركي الحالي اثبت انه عندما تتعلق الامور بالاموال والاعمال، فهو ليس بغبي، وقد يكون تعمد الحديث عن سحب القوات الاميركية من سوريا، كي يحصل على مراده بعدم تحمل التكاليف.

في الواقع، لم يكن من المنطقي كلام ترامب عن سحب القوات الاميركية، فهو اجرى تغييراته في ​الحكومة​ و​الادارة الاميركية​ كما يشاء، وبالتالي فإن الفريق المحيط به اصبح بشكل شبه تام، ملائماً لافكاره ورؤيته، فلماذا المخاطرة بالاطاحة بالفريق اللصيق الذي يتناغم معه، خصوصاً في ​وزارة الدفاع​ والقوات المسلحة الاميركية؟ ومن المعلوم ان توجهات ​البنتاغون​ وكبار القادة الاميركيين، تصب في خانة بقاء القوات الاميركية في سوريا، لان شبح الانسحاب من ​العراق​ وما خلّفه من نتائج كارثية، لا يزال يخيّم على ​واشنطن​. اضافة الى ذلك، لا يقوم الاميركيون بدور قتالي بارز في سوريا، بل هم اشبه بالمستشارين ويتفادون قدر الامكان المواجهات القتالية المباشرة كي لا تقع خسائر بشرية يدفع ثمنها ترامب وادارته في ​الولايات المتحدة​. كلام الرئيس الاميركي عن الرغبة في سحب القوات الاميركية، يصب ايضا في خانة استعادة بعض الثقة الشعبية، اذ لا يحتاج الامر الى الكثير من التفكير لمعرفة توجهات الشعب الاميركي المؤيد بقوة لعودة الجنود وعدم خسارة اي منهم خارج اميركا، وهو ما كان واضحاً عند انتشار خبر وفاة جندي اميركي في منبج ولو ان العملية التي قتل فيها كانت أمنيّة وليست عسكرية.

وبالتالي، فإن ما حصده الرئيس الاميركي بموقفه هذا، لا خسارة فيه ان على الصعيد المادي والاقتصادي، او على الصعيد الشعبي. وفي الواقع، فإنه لا يمكن للاميركيين القول إنهم يعتقدون فعلاً ان التواجد الاميركي المتواضع يغيّر الواقع على الارض السوريّة، او يفرض اموراً بالقوة، لان الحضور الميداني الروسي والايراني والتركي اكبر من ان يقبل بفرض واقع لا ترغبه الدول الثلاث، كما أن لا رغبة اميركية كما اشرنا في خوض مواجهات قتالية مباشرة أكان مع تنظيم "داعش" الارهابي او مع ميليشيات وقوات نظامية. ووفقاً لهذه النظرية، فإن البقاء الاميركي في سوريا غير ضروري كما كان يفرضه البقاء في العراق، لان المعطيات مغايرة تماماً، ففي سوريا بقي النظام قائماً، ولو ان سلطته ونفوذه تراجعا، كما ان القوات العسكرية الموجودة على الارض لمقاومة التنظيمات الارهابية اثبتت فاعليتها وقوتها، وقدرتها بالحفاظ على الصورة المطلوبة لعدم الانهيار كما حصل في العراق.

ربح ترامب رهانه على تمويل الوجود الاميركي في سوريا، والذي سيبقى معنوياً اكثر منه قتالياً، وجسّد من جديد شخصيته الناجحة كرجل اعمال اكثر منه كرئيس دولة عظمى، ولكن يبقى السؤال الاكبر والغامض: من سيموّل كلفة ارسال الحرس الوطني الى الحدود مع ​المكسيك​؟.

طوني خوري / النشرة

109-1