بين "سيدر" و"الطاقة الاغترابية"... استغلال نفوذ بسمن وآخر بزيت؟!

بين
الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٨ - ٠٦:٠٠ بتوقيت غرينتش

في مؤتمر "سيدر" الذي عقد في العاصمة الفرنسية ​باريس​ وخُصّص لدعم ​لبنان​ مالياً واقتصادياً، حضرت مكوّنات الحكومة بعدّها وعديدها، من دون اعتراضات أو تحفّظات، لا على توقيته الذي أتى "بالصدفة" عشيّة الانتخابات النيابيّة، ولا على "استغلاله" من قبل هذا الفريق أو ذاك، واستثماره سريعاً في الحملات الانتخابيّة، والذي لم يتأخر صداه ليُسمَع في ظلّ الحديث عن "إنجاز" لم يكن ليتحقّق لولا جهود هذا "الزعيم" ومؤازرة ذاك.

العالم - مقالات

أما في مؤتمر "الطاقة الاغترابية"، فانقلبت الآية، وتغيّرت المعطيات. قاطع العديد من مكوّنات الحكومة المؤتمر، وصوّروه، انطلاقاً من معركتهم الانتخابيّة مع وزير الخارجية ​جبران باسيل​، "الوصيّ عليه"، على أنّه جزءٌ من الحملة الانتخابيّة للأخير، مستندين بذلك إلى "التوقيت" أولاً، و"المضمون" ثانياً، معتبرين أنّ الأمر لا ينطوي على "استغلال نفوذ" فحسب، بل قبل ذلك على استغلال "طاقات" الدولة ومواردها لتحقيق مصالح ذاتيّة.

ولكن، هل يمكن فعلاً الفصل بين المؤتمرين، من الزاوية الانتخابيّة على الأقلّ؟ وألا يندرجان عملياً ضمن "استغلال نفوذ" بات هو العملة الرائجة في زمن الانتخابات؟!

أبعاد انتخابية ثابتة

بين "سيدر" و"الطاقة الاغترابية" في باريس، قد يكون الحديث عن الأبعاد الانتخابية للمؤتمرين من باب تأكيد المؤكد ليس إلا، مع دخول البلاد مرحلة العدّ العكسي للانتخابات، مرحلة باتت معها تفاصيل التفاصيل، حتى الهامشية منها التي تحصل كلّ يوم، تحمل بين طيّاتها مدلولات انتخابيّة لا يمكن القفز فوقها.

أكثر من ذلك، فإنّ مجرّد التوقف عند "مضمون" المؤتمرين، وما تلاهما من تصريحاتٍ تناوب عليها مختلف الفرقاء يثبّت هذه النظرية. فصحيحٌ أنّ الكثيرين حاولوا تحييد مؤتمر "سيدر" عن الانتخابات، على اعتبار أنّه ماليّ واقتصاديّ، ويأتي ضمن سلسلة مؤتمرات دوليّة لدعم لبنان، ولا ارتباط له بالانتخابات، إلا أنّ الصحيح أيضاً أنّ "توقيته" ليس "بريئاً"، خصوصاً أنّ معلوماتٍ أكّدت أنّ فكرة تأجيله لما بعد الانتخابات طُرِحت، إلا أنّها رُفِضت بشدّة.

وأبعد من التوقيت، يبقى "المضمون" الذي سعى إلى إظهار ​القروض​ والهبات التي حصّلها لبنان من المؤتمر بمثابة "الانتصار"، على الرغم من كونها أتت بمعظمها مشروطة بإصلاحاتٍ لا يمكن أن تنفّذ في المدى القصير، فضلاً عن أنّ التجارب السابقة مع مؤتمرات باريس 1 و2 و3 أظهرت أنّ بعض الوعود تبقى "حبراً على ورق". وبعيداً عن "جدلية" إغراق القروض للدولة بمزيد من الديون، بما يزيد عجزه، أو مساهمتها بتقليص ​الدين العام​ إذا ما عرف لبنان كيف يستثمرها في مشاريع بنى تحتية، فإنّ اللافت كان دخول المؤتمر على خط ​الحملات الانتخابية​، وأبرز مثال على ذلك حديث رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ عن "فرص عمل" بالآلاف سيوفّرها المؤتمر، بما يقلّص البطالة، وذهاب وزير داخليته ​نهاد المشنوق​ ليعد أهالي العاصمة بيروت، التي يترشح عنها، أنّ "حصّة الأسد" من هذه الفرص ستكون لهم.

تكافؤ فرص؟!

وإذا كان مؤتمر "الطاقة الاغترابية"، على عكس مؤتمر "سيدر"، تعرّض لـ"القصف" من داخل الحكومة، من قبل خصوم وزير الخارجية جبران باسيل، مع "تحييد" رئيس الحكومة، الذي افتتح بنفسه المؤتمر، فإنّ أبعاده الانتخابية أيضاً أتت جليّة، مهما كابر البعض وأنكر ذلك، خصوصاً أنّه يأتي عشية انتخابات نيابية يشارك فيها ​المغتربون​ للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، ولو برّر القيّمون عليه توقيته بالقول إنّه يأتي في سياق سلسلة مؤتمرات اغترابيّة أيضاً يحرص الوزير باسيل على تكريسها، هو الذي أعلن عن إعداده مشروع قانون يقضي بتعديل اسم ​وزارة الخارجية والمغتربين​ لتصبح وزارة الخارجية والمنتشرين تأكيداً على هويتهم الوطنية.

ولعلّ الكلمتين اللتين ألقيتا في افتتاح المؤتمر من قبل كلّ من الحريري وباسيل تكرّسان هذا المنحى، ليس فقط لكون حديث الانتخابات طغى عليهما، بل لأنه كان من الممكن ببساطة استخدامهما بحرفيّتهما في لقاءاتهما الانتخابيّة الخاصّة، وليس في مؤتمر يعقد باسم الدولة اللبنانية. هكذا، وجدها الحريري فرصة مثلاً للحديث عن "الإنجاز" الذي حققه على المستوى الشخصيّ في مؤتمر "سيدر"، ليعد بالإصلاحات، بل ليطلب من الحاضرين عدم انتخابه في حال عدم تحقيقها، وهو ما يعلم قبل غيره أنّه من "سابع المستحيلات" على اعتبار أنّ ما عجز عن تحقيقه خلال تسع سنوات، لن يحققه خلال أقلّ من شهر. وعلى المنوال نفسه، سار باسيل الذي وجد، في المعارك التي خاضها البعض ضدّه، مادة للترويج لنفسه، فانطلق منها ليعدّد الإنجازات التي حقّقها، وليتّهم معارضيه بأنّهم يقاطعون جناح لبنان المغترب نكاية به فقط، وهو ما يصبّ في مصلحته في عيون المغتربين، الذين لم يعد خافياً على أحد أنّ "​التيار الوطني الحر​" يعوّل عليهم بشدّة في الاستحقاق الانتخابي.

في مطلق الأحوال، وبمعزلٍ عن المضمون، الذي تفرضه طبيعة المرحلة الانتخابية أصلاً، فإنّ "التوقيت" كافٍ لوضع "سيدر" و"الطاقة الاغترابية" في قفص "استغلال النفوذ" نفسه عشيّة ​الانتخابات النيابية​، بعيداً عن الأهواء السياسيّة. وإذا كان صحيحاً أنّ لاستغلال النفوذ هذا جوانب كثيرة أخرى، إلى جانب المؤتمرات، يتناوب على ممارستها جميع الوزراء، الذين ينتمون لمعظم قوى السلطة التقليدية، باستثناء "​الكتائب​"، فإنّ الأمر يطرح مجدّداً علامات استفهام حول "تكافؤ الفرص" الذي يصنّفه القانون الانتخابي "قاعدة ذهبية" في جميع مواده، تكافؤ بات من الواضح أنّه "وهميّ" في ظلّ التفاوت الكبير الحاصل بين من هم في السلطة، وأولئك المستقلين الذين يصارعون للدخول على الخط.

تفصيل بسيط

مجدّداً، يوضع القانون الانتخابيّ، الذي تباهت به قوى السلطة عند صياغته، قبل أن تندم على فعلتها، في قفص الاتهام، انطلاقاً من استغلال النفوذ الحاصل، والذي يشرّعه القانون، بل إنّه لا يضع حدوداً واضحة للمسافة الفاصلة بين ممارسة العمل الحكوميّ والانتخابيّ.

وفي هذا السياق، قد يكون تنظيم المؤتمرات واستثمارها للمصلحة الانتخابيّة مجرّد تفصيل بسيط وهامشي أمام ممارساتٍ أخرى، ممارسات تجعل وزير الداخلية مثلاً، الذي يدير الانتخابات ويترشح عنها في آن واحد في مفارقة غريبة عجيبة ولو لم تكن الأولى من نوعها، يمارس نشاطاته الانتخابيّة، متظللاً بشعار الوزارة، وتجعل سائر الوزراء يوزّعون الخدمات على ناخبيهم يميناً وشمالاً، من دون حسيب أو رقيب.

ويبقى السؤال، أين هيئة الاشراف على الانتخابات من كلّ ذلك؟ وهل يمكنها أن توجّه "إنذاراً" لوزير الداخلية مثلاً، فيما لو ضبطت مخالفة بحقه، وهي التي تمارس عملها بإشرافه وبالتنسيق معه، ولو أعطيت "استقلالية جزئية" عنه؟!.

حسين عاصي / النشرة 

109-4