سامي كليب: طبول الحرب على سوريا تقرع.. فهل تقع؟

سامي كليب: طبول الحرب على سوريا تقرع.. فهل تقع؟
الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٨ - ٠٣:٤٠ بتوقيت غرينتش

سعت روسيا خلال الساعات القليلة الماضية الى سحب البساط من تحت أقدام الأطلسي بقولها أن لا أثر للكيماوي في الغوطة، ودعت كما الحكومة السورية مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الى زيارة دوما.

العالم - مقالات وتحليلات

ردت أميركا محذرة من أنه اما يقوم مجلس الأمن بدوره والا فان واشنطن ستقوم بالرد، وجاءت أخبار كثيرة عن تأجيل دونالد ترامب زياراته الى الخارج لمتابعة كيفية الرد، وهددت فرنسا بأنها ستشارك في الرد، وكذلك تفعل بريطانيا وعدد من الدول الأطلسية قبل أن يتم الكشف من جهة محايدة عن نتائج التحقيق.

أي أن الأمر يكاد يُشبه تماما الساعات التي سبقت اجتياح العراق بناء على اتهام صدام بأسلحة الدمار الشامل والتعاون مع القاعدة. إتهامٌ عاد المسؤولون الاميركيون والبريطانيون واعترفوا بأنه لم يكن صحيحا وانه بُني على معلومات مضللة.. قالوا ذلك بعد تدمير العراق طبعا والاتيان بمسؤولين عراقيين دمى على ظهر الدبابات الأميركية لتولي شؤون الحكم صوريا بينما الحاكم الفعلي كان أميركيا يُدعى بول بريمر.

من المهم هنا، أن نشير الى أن العرب آنذاك لم يكونوا ضحية، وانما كان قادة النظام العربي متآمرين مع الغزاة لاجتياح العراق (راجع كتاب بوب وودورد بعنوان خطة الهجوم). كان الجوار الإيراني سعيدا أيضا بذاك الاجتياح على أساس التخلص من صدام حسين، لكن طهران عادت مع دمشق تسعى لتنسيق مقاومة الأميركيين معتبرة أنهم وقعوا في فخ يشبه فخ فيتنام، غير أن التنسيق لم يمنع التعاون السوري الأميركي في ملاحقة الإرهاب.

فهل يجتاح ترامب وحلفاؤه سوريا ويكملون ما قام به جورج بوش وطوني بلير ( بينما فرنسا كانت سابقا ضد اجتياح العراق)، أم يكتفون بقصف مقار أساسية عديدة ، أم أن في الأمر رفعا لمستوى التهديد لتحقيق مآرب سياسية وأمنية ومالية تتعلق بالوجود الايراني في سوريا وبحماية إسرائيل وبالحصول على أموال إضافية من الخليج (الفارسي)؟ ( راجع حجم العقود التجارية والثقافية والنفطية مثلا بين فرنسا والسعودية في الأيام القليلة الماضية والتي تبلغ عشرات المليارات)

سوريا اليوم ليست العراق بالأمس. ففيها تتقاطع مصالح دولية وإقليمية كبيرة. أولها مصالح روسيا التي ستمنع ( ربما مع الصين أيضا) أي قرار من مجلس الأمن يسمح بالقصف، وسوف تساعد في اعتراض الصواريخ، لكنها لن تدخل في حرب مع الأطلسي. ثانيها إيران التي استهدفت الصواريخ الإسرائيلية قبل يومين مواقعها في سوريا بغية جرها الى الرد فيصار الى تدخل غربي. لا شك ان القيادة الايراني سترد على أي هجوم على سوريا لكن الرد سيبقى محدودا ومن داخل سوريا دون أن يؤدي الى توسيع رقعة الحرب. أما الجيش السوري فهو يستعد لكل الاحتمالات، وقد نشهد استخدام صواريخ مضادة للصواريخ أو للطائرات لم تُستخدم من قبل. كما أن الجيش سيكمل معركته في الداخل دون الأخذ بعين الاعتبار الضجيج الخارجي.

هذه الأطراف الثلاثة مع حزب الله تعتبر حرب سورية مصيرية بالنسبة لها ومن المستحيل أن تقبل بضربات تقلب المعادلات…ثم ان هذه الاطراف خبرت الحرب القاسية والشرسة خلال ٨ سنوات وباتت لديها خبرة كبيرة بالقتال . من هنا خطورة المرحلة المقبلة.

هذا هو المشهد الآن. لكن بغض النظر عن صحة أو كذب الاتهامات، دعونا نطرح الأسئلة التالية:

• هل كانت الدولة السورية بحاجة فعلا للقصف بالكيماوي وهي تستعد للسيطرة على آخر معاقل المسلحين في الغوطة وتربح هذه الحرب في محيط دمشق الواسع؟

• لماذا تصدر الاتهامات وتُتخذ القرارات وينتقل الأمر الى القصف قبل نتائج التحقيقات الدولية التي يجب أن تشرف عليها خصوصا وكالة الطاقة الدولية، أو مؤسسات دولية لها شرعية التدخل والتحقيق والبحث والنتائج؟

• ما هو الرابط بين الهيجان الأطلسي الحالي وبين اتهام روسيا بتسميم جاسوس روسي في بريطانيا؟

• لماذا كرر ترامب في الآونة الأخيرة كلامه عن قرب سحب قواته من سوريا، وهل للأمر علاقة بالاتهام الحالي لدمشق باستخدام الكيماوي؟

• لو ذهب ترامب الى حد القصف الصاروخي لمواقع تابعة للجيش السوري وحزب الله وإيران في سوريا، بمساندة أو بدون مساندة أوروبية…. هل تهضم دمشق وحلفاؤها وبينهم روسيا هذه الضربات وتكتفي باعتراض الصواريخ بمساعدة روسية إيرانية، أم ترد على مصادر الصواريخ في البحر؟

• هل المقصود بالضربة المحتملة، في حال وقعت، الدولة السورية؟ أم الدور الروسي والحضور الايراني؟ ( القصف الإسرائيلية مثلا استهدف الايرانيين )

• لماذا ينقسم العرب بين مؤيد للأطلسي بسبب عدائه لحكومة الرئيس بشار الأسد، وبين معارض للحلف الغربي مذكِّرا بكذبتي أسلحة الدمار الشامل والتعاون مع القاعدة اللتين كانتا ذريعة اجتياح العراق وتدميره من قبل أميركا وبريطانيا، تماما كما دُمرت لاحقا ليبيا؟

• لماذا، يتحرك العالم بهذه السرعة حين يتعلق الأمر بدولة عربية متمرِّدة، بينما يرى هذا العالم عبر شاشاته ماذا فعلت إسرائيل منذ أيام بالمدنيين الفلسطينيين، ولا يصدر حتى تصريح واحد ينتقد.

• أين سيكون موقف تركيا في حال أدى القصف الغربي لسوريا الى موقف روسي عسكري وسياسي صارم ( دون الوصول طبعا الى حرب).؟ هل بالصدفة ان يقول أردوغان الآن ان تركيا هي التي تقرر لمن تعيد عفرين وليس لافروف؟؟

دعونا نبتعد قليلا عن البكائيات العربية في هكذا مناسبات، ونعود قليلا الى الأسابيع القليلة الماضية، حيث شهد العالم تدهورا لافتا في العلاقات الغربية الروسية تخلله تبادل طرد الدبلوماسيين. لكن ذلك لم يمنع ترامب من تهنئة الرئيس فلاديمير بوتين بإعادة انتخابه. هذا يشير الى أمرين، أولهما أن الرئيس الأميركي لا يريد مواجهة مع روسيا، وثانيهما أنه يتمايز عن الكثير من الصقور الأميركيين الذين يسعون الى دفعه للقطيعة مع موسكو.

في المعلومات :

يتبين لنا مما حصل بين الغرب وروسيا الأمور التالية:

أولا: ان بريطانيا التي بادرت الى اتهام موسكو بتسميم الجاسوس الروسي على أرضها قبل استكمال أي تحقيق، نجحت في جذب الدول الاوروبية الى جانبها واستعادت علاقاتها القوية مع أميركا، ذلك انها بعد شبه العزلة التي عاشتها في أعقاب استفتاء خروجها من الاتحاد الاوروبي او ما عرف ب Brexit كانت بحاجة الى حركة خارجية قوية. تماما كما ان رئيسة الوزراء تيريزا ماي حسّنت من وضعها الحكومي الهش. ثم ان هذه الأزمة أعادت بعض القومية البريطانية والاوروبية في مواجهة النزعات الانفصالية التي ظهرت في الآونة الأخيرة من سكوتلندا الى إقليم الباسك الاسباني وتشجع على تعاون أطلسي جديد للاتفاق على سياسات أمنية ونقدية مقبلة تتعلق خصوصا بالتعاون الاستخباري.

ثانيا : ان اتهام موسكو بتسميم الجاسوس الروسي سمح للدول الغربية بالقيام بعملية تطهير واسعة للدبلوماسيين الروس بعد شكوك واتهامات كثيرة بتدخلهم في الانتخابات والسياسات الاوروبية.

ثالثا : ان ارتفاع لهجة الضغوط سبقت الانتخابات الروسية، وكان هدفها التأثير على هذه الانتخابات وعلى الدور الروسي في سوريا ومنطقة البلقان.

في النتائج:

• لم يتأثر بوتين بالحملة الغربية عليه. بل بالعكس ساهمت هذه الحملة في تعزيز الشعور القومي الروسي، وجاءت نتائج الانتخابات الرئاسية كبيرة الايجابية لسيد الكرملين.

• كثّف بوتين مساعداته الاستراتيجية لحلفائه في سوريا، أولا من خلال القصف الكثيف ثم التفاوض لإنهاء الحرب في الغوطة لصالح الدولة السورية. واستمر في مساعيه باتجاه دوما ولكن أيضا في تنسيقه مع تركيا وإيران عبر القمة الثلاثية التي جمعت الرؤوساء الثلاثة في تركيا قبل أيام.

• لا يستبعد الروس قيام ترامب وربما بعض الدول الاوروبية (فرنسا او بريطانيا مثلا) بقصف صاروخي مركز على مواقع للجيش السوري وحلفائه، لكنهم يعرفون كما حلفاؤهم أن القصف ما عاد قادرا على تغيير أي شيء، وقد يكون من باب رفع العتب ليس إلا …. فمثال ليبيا صار خلف ظهر الجميع وما عاد مقبولا مطلقا.

• ليس المقصود بالاتهامات والتهديدات والقصف المحتمل او غير المحتمل، اسقاط الرئيس بشار الأسد، وانما المقصود القول أولا بأنه من غير المقبول ان تربح روسيا وحلفاؤها الحرب في سوريا بلا ثمن، وثانيا فتح الطريق لمحاكمات دولية بتهمة جرائم الحرب بحق الرئيس الأسد وقيادات سورية وايرانية وربما روسية، بحيث لا يتم منح الشرعية الدولية مجددا للرئيس الأسد في المرحلة المقبلة، وذلك في سعي واضح لإقناعه بعدم ترشيح نفسه مجددا للانتخابات المقبلة التي قد تكون سابقة لأوانها أو تجري في موعدها.

• من المهم الانتباه أيضا الى أن ارتفاع لهجة الاتهام والتصعيد الأميركي والغربي ضد الأسد، جاء بعد تسريبات من ترامب تقول للسعودية ودول الخليج (الفارسي):” ان شئتم أن نبقى فعليكم أن تدفعوا ثمن بقائنا”. لعلّ هذا الجانب المالي حاضرٌ بقوة في الحسابات الأمنية والسياسية التي سنشهدها في الأيام القليلة المقبلة.

• لا شك أن كل هذا التصعيد من شأنه ايضا تكثيف الشحن العاطفي الغربي، لتأييد أميركا في مساعيها للتحلل من الاتفاق النووي مع إيران والذي ستتم إعادة مناقشته في أيار/ مايو المقبل … وقد يكون من أهدافه أيضا إضعاف كل الجبهات التي يمكن أن تقف ضد صفقة القرن العتيدة مع إسرائيل.

الخلاصة :

أن احتمال القصف الصاروخي ضد الجيش السوري وحلفائه واردٌ، لكنه لن يؤد الى حرب روسية أطلسية.

لا حرب واسعة في الأفق لكن المغامرات والمناوشات واردة، لا بل ضرورية قبل قرارات حاسمة. أما اذا كان ترامب وإسرائيل وبعض دول المنطقة قد اتفقوا على مواجهة إيران وحزب الله عبر سوريا، فهذا شأن آخر قابل لكل الاحتمالات، وانا شخصيا أستبعد ذلك، فلا أحد يستطيع تحمل أو توقّع ما قد يحصل. الحرب الواسعة ستكون مدمرة على الجميع، فالأسلحة الحديثة عند حزب الله والجيش السوري التي حصلا عليها في السنوات القليلة الماضية ليست أبدا كتلك التي كانت عندهم سابقا.

يبقى أن قرار الحرب الكبيرة أو الصفقة الكبيرة يبقى بيد روسيا وأميركا فقط … كل الباقي تفاصيل.

سامي كليب - شام تايمز

2-4