فصائل الارهاب في سوريا: عداوة معمدة بالدم

فصائل الارهاب في سوريا: عداوة معمدة بالدم
الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٨ - ١٢:٤١ بتوقيت غرينتش

اتفاق وراء اتفاق، ومبادرة تلي مبادرة، فبيانات متضادة، يحمل كل طرف فيها الطرف الآخر المسؤولية عن فشل الاتفاقات. هذه هي حال الأوضاع بين كل من "هيئة تحرير الشام"( جبهة النصرة) و"جبهة تحرير سوريا" ( تجمع يشمل حركة احرار الشام وحركة نور الدين زنكي). فالاشتباكات بين الطرفين الإرهابيين انطلقت عند انتهاء مدة وقف اطلاق النار بينهما نهاية الشهر الماضي.

العالم - مقالات

جبهة "النصرة" التي كانت تشعر بفائض القوة في الكثير من الفترات الماضية، لا سيما بعد تشكيلها "لهيئة تحرير الشام" مع انضمام قيادات من "حركة احرار الشام" اليها، مضافاً الى "الزنكي" سارعت لقضم مناطق تسيطر عليها "احرار الشام"، اضافة الى انهاء وجود فصائل أخرى، لكن الشعور بفائض القوة هذه سرعان ما تبدد لأسباب عدة:

أولها: ما يتعلق بقدرة "احرار الشام" على استيعاب انشقاق القائد السابق لها (ابو هاشم الشيخ) وقيادته "لهيئة تحرير الشام"، اذ انه ما إن انتهى "مفعول" اختيار الشيخ للقيادة حتى سارع "الجولاني" لقيادة "الهيئة".

ثانيها: انفصال "حركة نور الدين زنكي" عن "هيئة تحرير الشام" والتي ما لبثت (الزنكي) أن دخلت في تشكيل فصيل جديد مع "حركة احرار الشام" تمثل فيما سمي "جبهة تحرير الشام".

ثالثها: ان انفصال "الزنكي" جاء بعد سلسلة هجمات شنتها "جبهة النصرة" عليها بهدف السيطرة على مراكزها وأسلحتها وعلى بعض المعابر التي تسيطر عليها "الزنكي" والتي تدر عليها الأموال. والواقع أن استهداف "جبهة النصرة" لمراكز "الزنكي" جاء بعد أن فشلت محاولات "النصرة" من "اذابة" الجسم العسكري والتنظيمي "للزنكي" في أعقاب تشكيل "هيئة تحرير الشام" وهذا ما كانت تراهن عليه "النصرة". الا أن نجاح "الزنكي" في الحفاظ على تشكيلاته ومناطق سيطرته دفع "بالنصرة" لمحاولة "الاجهاز" على "حركة الزنكي" مراهنة أن الصدام قد يؤدي الى حصول انشقاقات داخل الحركة، وهذا ما لم يحصل.

رابعها: ان التطورات الميدانية المتسارعة منذ معركة حلب الكبرى، وصولا الى الهزيمة النكراء في الغوطة الشرقية وما سبقها من معارك القلمون، وما رافقها من تطورات سياسية على مسار "تسويات استانا" جعلها تدرك ان "رأسها" لن يمضي الوقت الطويل قبل ان يصبح مطلوباً كشرط أساسي في أي تسوية.

خامسها: إن عملية "غصن الزيتون" في مناطق عفرين قد جعلت مناطق شمال حلب التي تسيطر عليها قوات "درع الفرات" تتصل جغرافيا مع مناطق "ريف حلب الغربي" حيث سيطرة "الزنكي. واذا ما عرفنا أن قوات "درع الفرات" فيها عناصر كثيرة ممن تعرضوا لقمع من جبهة "النصرة"، فمن الطبيعي أن  ترى "جبهة النصرة" في هذا الاتصال الجغرافي تعزيزاً لقدرات "الزنكي" وتقوية لها. لقد كان بإمكان "جبهة النصرة" ان تقضي على "الزنكي" الا أن هذه العملية كانت تحتاج الى بعض الوقت، لكن مسارعة "احرار الشام" لشن هجوم "استقطابي" مضاد حال دون ذلك.

لقد كانت "جبهة النصرة" تعتمد بشكل أساسي على فرط عقد أي تحالف لم تكن هي فيه، فتصفّي بعض الفصائل، فيما  تسعى لإدماج فصائل اخرى معها مراهنة على قوتها التنظيمية في مقابل الفصائل الاخرى، وهذا ما فعلته بالضبط "حركة احرار الشام". فما ان رأت الحركة الصدام الحاصل بين "النصرة" و"الزنكي" حتى سارعت الى محاولة "سقاية" عدوها اللدود من نفس "الكأس". وهكذا اندمجت "احرار الشام" مع "الزنكي" لتجد جبهة النصرة نفسها في مواجهة فصيلين بدل فصيل واحد.

لقد شعرت "جبهة النصرة" بعجز كبير أمام مشهد الميدان برمته، فالجبهة التي كانت دائما تلقي باللوم في الهزائم على غيرها، وجدت نفسها تنهزم أشد الانهزام أمام الجيش السوري في مناطق تسيطر عليها وحدها، فوجدت نفسها عاجزة عن تبرير الهزيمة الا في ان "استهدافها" من فصائل اخرى جعلها تشتت قواتها. والواقع ان الجبهة لطالما كانت في معاركها في تصفية الفصائل، على الدفع نحو عدم توحد هذه الفصائل. ويمكن ملاحظة شدة وقع توحد "الزنكي" و"احرار الشام" على "النصرة" من خلال بيانات الأخيرة المتتالية والتي كان آخرها البيان الصادر بتاريخ (15-4-2018) حيث ظهر واضحاً استياء "النصرة" من ربط كل من "الزنكي" و"احرار اشام" اتفاقهما مع "النصرة" باتفاق الطرف الآخر. ما يعني أن "النصرة" كانت تسعى لفصل "مسارات" التفاوض بين الطرفين ليسهل عليها الايقاع بينهما، وهذا ما فشلت فيه أيضا.

من الواضح، بحسب سير العمليات العسكرية بين الطرفين ان "النصرة" تسعى لانهاء تواجد "جبهة تحرير سوريا" في ريف ادلب" الجنوبي والجنوبي الغربي لتعويض خسائرها المتوقعة في أرياف حلب مما يرجح أن الساحة "الادلبية" مقبلة على تطورات عسكرية كبيرة لن تكون تركيا بمنأى عنها خصوصا اذا ما سيطرت "النصرة" على هذه المحافظة.

لقد برزت الاختلافات والعداوات بين الفصائل المسلحة في سوريا منذ انطلاق الأزمة السورية، وهذه الصدامات لم تكن أمراً غير متوقع، لكن كل ما يحصل أن هذه العداوات تزداد تعمداً بالدم. ولنا أن نتصور الحياة التي كانت تنتظر السوريين فيما لو قُدر لهذا "الارهاب" أن ينتصر وأن يحكم سوريا!!.

محمد محمود مرتضى / العهد

109-4