هل ينسحب الأميركان من سوريا؟

هل ينسحب الأميركان من سوريا؟
الجمعة ٢٠ أبريل ٢٠١٨ - ٠٦:٥٤ بتوقيت غرينتش

تتسارع الأحداث السورية والدولية منذ العدوان الثلاثي على سوريا والضربة الصاروخية التي وجّهتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة إلى مواقع بحثية سورية، رداً على هجوم كيمياوي مزعوم في دوما، وانتصاراً لـ”شرف” المجتمع الدولي؛ كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

العالم - مقالات وتحليلات

وبالرغم من الضربة، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مازال مُصراً على سحب الجنود الأميركيين من سوريا، ودعا الدول الحليفة إلى الحلول مكان القوات الأميركية لتأمين الأمن والاستقرار في المنطقة التي سينسحب منها الأميركيون. دعوة تصدّى لها وزير الخارجية السعودي وأعلن أن “التحالف الإسلامي” مستعدّ لإرسال هذه القوات..

في العدوان والإعلان عن الانسحاب تناقض كبير، ففي الأول مزيد من الانخراط في الحرب السورية، وفي الثاني انسحاب منها، فكيف سيكون المشهد في الفترة المقبلة؟

واقعياً، تشبه الدعوة إلى الحلفاء لتأمين جنود للحلول مكان الأميركيين، الدعوة التي وجّهها أوباما إلى الحلفاء لتدريب “جيش سوري” لكي يؤمّن الأراضي التي يتم السيطرة عليها، فتنطّحت كل من السعودية وتركيا لهذه المهمة. عجزت السعودية، فقامت تركيا باستضافة معسكرات تدريب أميركية لمعارضة “معتدلة” سرعان ما استسلم عناصرها لـ”جبهةالنصرة”وسلّموها أسلحتهم الأميركية، وانتهت الفكرة بدفع الملايين من الدولارات من جيوب الأميركيين من دون نتيجة ميدانية على الأرض.

إن تنطُّح السعودية لمهمة إرسال قوات عسكرية إلى سوريا لايعني أن بإمكانها فعل ذلك، وحتى إن دول التحالف الإسلامي التي تحدث عنها الجبير لا تبدو قادرة عملياً، فمصرغارقة في مشاكلها الأمنية الداخلية والإرهاب الممارَس ضد القوى الأمنية والأقباط هناك، بالإضافة إلى الخطر المتأتي من جهات عدّة وأهمها سيناء وليبيا، والحدود المتفلتة التي تحتاج إلى جهود الجيش المصري لضبطها ومنع انفلات الحدود بما يشكّل خطراًعلى الأمن القومي المصري.

أما السعودية فالمرتزقة الذين استقدمتهم من دول إسلامية فقيرة، وجيشها وقوتها العسكرية والمادية مستنزَفة في الحرب اليمنية التي لا تشي بنهاية قريبة، بالإضافة إلى الاختراق اليمني للحدود والصواريخ الباليستية التي تصيب عمق الأراضي السعودية وصولاً إلى الرياض.

وتبقى قطر التي لا تملك جيشاً كبيراً، وهي تعيش قلقاً أمنياً يتجلى بتهديد دول الحصار الدائم لها ،ولولا الحماية التركية والتدخُّل الأميركي لما استطاعت قطر أن تفلت من تدخُّل عسكري خليجي في إقليمها يطيح بالعائلة الحاكمة وينصّب حاكماً آخر مكان تميم بن حمد بن خليفة.

أما تركيا فهي الطرف الأقدر على القيام بالمهمة، وذلك لتواصُلها الجغرافي والحدود المشتركة التي تربطالأراضي التركية بالجزء الذي يسيطر عليها الأميركيون في سوريا، بالإضافة إلى قدرات الجيش التركي الكبيرة، والنفوذ التركي على مجموعات كبيرة من المسلحين في الداخل السوري، والذي يجعلهاتسلّم مهمة الأمن في الأرض التي احتلتها عبر درع الفراتوعملية غصن الزيتون إلى قوات محلية سورية، وإبقاء جيشها بعيداً عن المناطق السورية المأهولة.

لكن دون مشاركة تركيا في هذه المهمة عوائق، أبرزها أن المكوّن الكردي الذي يقوم بمهمة الأمن الداخلي في مناطق سيطرة الأميركيين، لن يقبل أن تتسلّم تركيا القواعد العسكرية الأميركية وتسيطر على الإقليم التابع لهم، بالإضافة إلى أن دعوة تركيا لتأمين الأمن والاستقرار في منطقة الشمال الشرقي السوري تبدوو كأنها دعوة الذئب لحراسة القطيع، ويعني بشكل أكيد أن الأميركيين قد تخلوا مرة أخرى عن حلفائهم، وتركوا الأكراد لمصيرهم في منطقة مغلقة يحيط بهم دول رافضة لأي فكرة استقلالية أوانفصالية.

انطلاقاً مما سبق، يمكن القول إن مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا وتسليم المنطقة إلى أحد الحلفاءتبدو صعبة ومتعذرة واقعياً، وهنا يكون أمام الأميركيين خيارات عدّة لمسألة انسحابهم في ما لو أصّرعليها الرئيس ترامب:

الخيارالأول: التخلي عن الأكراد وتسليم المواقع لتركيا، مع ما في ذلك من خلط موازين القوى، وتقوية أردوغان إلى حدّ ٍلايرغبها لأميركيون والأوروبيون، لكن قد يُضطرون لذلك.

الخيارالثاني: التفاهم مع روسيا، وتسليم المنطقة للجيش السوري باعتباره صاحب السيادة على الأرض، وفي هذا تراجع وخسارة معنوية كبيرة لقوى التحالف الدولي التي طالما صرّحت برغبتها بـ”التخلُّص”من الرئيس السوري بشار الأسد.

الخيارالثالث: سحب القوات الأميركية،على أن تقوم قوى التحالف الغربي بتأمين النقص في الجنود،ويبقى الوضع كما هوعليه، وهو أمر صعب أن يقبلهالغربيون بسهولة.

الخيارالرابع: إبقاءالقوات الأميركية وإبقاء الحال كما هو إلى أن يحين أوان الحل السياسي السوري، فيكون الوجود العسكري الأميركي ورقة ضغط على طاولة المفاوضات تضمن لهم تحقيق مصالحهم في سوريا، وتجبر القوى المتحاورة والدول الضامنة في أستانة على أخذ المصالح الأميركية بعين الاعتبار في أي حل سياسي سوري مستقبلي.

لا يمكن التكهن بالخيار المتبع، فالرئيس ترامب يصرّعلى إبراز صورة عن نفسه “الرجل الذي لايمكن التنبؤ بتصرفاته”، والتناقض الذي شهده السلوك الأميركي بين الدعوة إلى الانسحاب من سوريا، والقيام بضربة عسكرية في نفس الوقت،هو خير دليل على ذلك.

د. ليلى نقولا - الثبات

2-10