ميركل.. من الدعم الكامل للاتفاق النووي إلى الدّفاع المشروط!

ميركل.. من الدعم الكامل للاتفاق النووي إلى الدّفاع المشروط!
الأحد ٢٩ أبريل ٢٠١٨ - ٠١:١٤ بتوقيت غرينتش

أطلقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال مؤتمرها الصّحافي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تصريحات جدليّة وملفتة للانتباه فيما خص إيران والاتفاق النووي.

العالم - مقالات وتحليلات 

وبحسب وكالة تسنيم الدّوليّة للأنباء أن الزّيارة الأخيرة للمستشار الألمانية أنجيلا ميركل إلى الولايات المتحدة ولقائها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت محط أنظار الكثير من المحللين الدّوليين.

وأتت زيارة ميركل إلى واشنطن بعد إعلان الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد لقائه الأخير مع ترامب، بأن جهود فرنسا لإقناع أميركا بالبقاء في الاتفاق النووي قد باءت بالفشل.

وأطلقت ميركل خلال مؤتمرها الصّحافي المشترك مع ترامب عدّة تصريحات جدلية وملفتة للانتباه فيما خص إيران والاتفاق النووي وقالت:

"هذا الاتفاق النووي على الرّغم من فائدته، إلّا أنّه لم يوفّر إمكانيّة الإشراف على البرنامج الصّاروخي الإيراني ولم يحدّ من تحرّكات إيران الإقليمية. يجب انتظار القرار الذي ستتخذه أمريكا حول الاتفاق النووي. نحن نعتقد أن الاتفاق النووي هو خطوة أولى من اجل منع إيران من الحصول على سلاح ذري. وكذلك نعتقد أن إيران لديها نشاطات "مخرّبة" أخرى. أوروبا إلى جانب الولايات المتّحدة ونعلم ان إيران تسعى لنشر نفوذها في الشّرق الأوسط، سوريا ولبنان ويجب أن نواجه هذا النّفوذ"

وما نستطيع استخلاصه من مواقف المستشارة الألمانية، هي أنها كالرئيس الفرنسي أعطت الضوء الأخضر لدونالد ترامب من أجل الخروج من الاتفاق النووي. وبعبارة أفضل، فقد ربطت أنجيلا ميركل قبولها للاتفاق النووي واستمراره بالحدّ من النّفوذ الإقليمي لإيران وتقييد قدراتها الصّاروخيّة. ومن جهة أخرى، فقد ظهر بشكل واضح روح "العدائية لإيران" المشتركة بين تصريحات ماكرون وميركل؛ حيث أن هذين السياسيين الغربيين يحاولان عبر هذه اللعبة النّفسية أن يبرروا خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.

لكن ماذا قالت ميركل عن الاتفاق النووي في العام 2015؟

المستشارة الألمانية وفي صيف العام 2015 وتحديدا بعد شهرين من توقيع الاتفاق النووي في فيينا؛ كتبت مقالًا مشتكًا مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "ديفيد ماكرون" والرئّيس الفرنسي السّابق "فرنسوا هولاند" اعتبرت فيه أن الاتفاق النووي يحقق مطالب الترويكا الأوروبيّة بشكل كامل. وجاء في هذا المقال الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست:

"البرنامج النووي الإيراني هو تهديد جدّي ليس فقط لجيران إيران و"إسرائيل"، بل هو تهديد لدولنا أيضًا. السّباق النووي في الشرق الأوسط سوف يضيف عنصرًا خطرًا لمنطقة غير مستقرّة. يجب أن نقوم بواجبنا تجاه هذا التهديد. لقد شكّلت المحادثات الطويلة وعديمة الجدوى أرضيّة لانعدام الأمل. ومع هذا، فقد أدّت محادثات متواصلة لمدّة عامين إلى اتفاق يزيل كل الحظر الاقتصادي عن إيران. نحن ندعم هذا الاتفاق بكل جوانبه لأنّه يؤمّن مطالبنا"

بعد بدء مرحلة تنفيذ الاتفاق النووي، أعلنت الحكومة الألمانية ظاهريًّا دعمها الكامل للاتفاق النووي عدّة مرّات. إلّا أن برلين وكسائر اللاعبين الأوروبيين لم تتقدّم بأي خطوات مؤثّرة من أجل حل الموضوعات التي تتعلّق بتطبيع العلاقات المصرفية بين أوروبا وإيران. ومن جهة أخرى فإنه من المُلفت خلال سلسلة المحادثات التي أجرتها اللجنة المشتركة لتنفيذ الاتفاق النووي برئاسة مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي "فدريكا موغريني" وحضور المسؤولين الألمانيين والفرنسيين والبريطانيين أنّ هذه اللجنة قد منعت التوصّل لأي نتيجة فيما خص الشّكاوى الإيرانية التي تتعلق بالنقوض الامريكية (إدارات أوباما وترامب) في فترات ما بعد الاتفاق النووي.

صفقة برلين – واشنطن حول الاتفاق النووي

ألمانيا هي الدّولة الأخيرة من مثلث الترويكا الأوروبية التي وافقت على "تغيير الاتفاق النووي" وفقا لمصالح ومطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. خلال صيفية العام الماضي، توكّل الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية مهمة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اجل إقناع ميركل والحكومة الألمانية بضرورة تغيير رأيها فيما خص الاتفاق النووي. وقد نجحت لندن وباريس سريعا في التّوصل إلى نتيجة في مهمتهما المشتركة.

وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة، قام الديبلوماسيّون الألمان إلى جانب نظرائهم الفرنسيين والبريطانيين بإجراء محادثات ضاغطة مع الديبلوماسيين الأمريكيين حول ثلاثة محاور أساسية وهي: "الحد من القدرات الصّاروخية الايرانية"، "فرض عمليات التّفتيش الواسعة على المنشآت العسكرية الايرانية" و" دائمية القيود المفروضة على النّشاطات النووية الايرانية". وخلال شباط الماضي، أطلق وزير الخارجية الألمانية في ذلك الوقت "زيغمار غابريل" تصريحات إدانة للقدرات الصّاروخية الإيرانية، وقال: "على الرّغم من الدعم المستمر للاتحاد الأوروبي حول الاتفاق النووي مع إيران، فإن الحكومات الأوروبية مستعدّة للتعاون مع أمريكا فيما خص سياسات إيران "المزعزعة للاستقرار" في المنطقة".

إما إلغاء الاتفاق النووي أو تغييره

وكنتيجة للمواقف الألمانية، يُمكن اعتبار أن مصطلح "دعم الاتفاق النووي" المطاط الذي استخدمته الحكومة الألمانية لم يكن يوما يعني قبول هذه الاتفاقية النووية. وعلى ما يبدو فإن الحكومة الألمانية والمستشارة الألمانية قد توصّلت إلى اتفاق منذ فترة مع الولايات المتحدة قيما خص تغيير الاتفاق النووي. والمواقف الأخيرة لميركل التي اطلقتها من الولايات المتحدة الامريكية تدل أنها مستعدة بكل سهولة للتّخلص من الاتفاق النووي ضمن صفقة سياسية مع واشنطن تضع فيها إيران أمام طريقين: غما إلغاء الاتفاق النووي او تغيير هذا الاتفاق.

خيانة برلين النووية

ونتيجة لما تقدّم، يظهر أن ذنب أنجيلا ميركل والمسؤولين الأوروبيين فيما خص الاتفاق النووي لا يقلّ خطورة عن ذنوب ترامب وجون بولتون. فمواقف ميركل و "موافقتها المشروطة للاتفاق النووي" هي مصداق واضح عن الخيانة النووية لبرلين. هذه الخيانة، التي كانت على مدى الأشهر الماضية سريّة وضمن إطار المحادثات السّرية للديبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين، ها هي اليوم تصبح أكثر وضوحا مع اقتراب موعد الثاني عشر من شهر أيّار.

من الواضح أن الاتحاد الأوروبي وخصوصا الترويكا الأوروبية لا يستطيع أن يستمر، في الفترة المستقبلية ومع احتمال خروج ترامب من الاتفاق النووي، كالأشهر الماضية بلعب دور "اللاعب الحنون" حول الاتفاق النووي لأن دول الاتحاد الأوروبية ولا سيّما الترويكا الأوروبية ساهمت بهذا الواقع الحالي وأكملوا لعبة ال "puzzle" التي وُضعت من قبل البيت الأبيض.

FAD-2