هكذا تخطط دولة الاحتلال لإفشال المصالحة

هكذا تخطط دولة الاحتلال لإفشال المصالحة
الأربعاء ١١ مايو ٢٠١١ - ٠٨:٢١ بتوقيت غرينتش

11/5/2011 صالح النعامي www.naamy.net

 

لقد وقع إعلان الإتفاق بين حماس وفتح على الكيان الصهيوني  وقع الصدمة والذهول، حيث أدرك صناع القرار في تل أبيب أن تطبيق الاتفاق بنجاح بشكل يؤدي إلى إنهاء حالة الإنقسام يؤذن بخسارة دولة الاحتلال كل المكتسبات الإستراتيجية التي حققتها خلال الأعوام الخمسة التي تلت الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جاءت بحركة حماس إلى الحكم، وما تلاه ذلك من صدامات أدت إلى الانقسام الفلسطيني. فقد مكن الانقسام دولة الاحتلال من تحقيق المكاسب التالية:

1-    سمحت حالة الانقسام لدولة الاحتلال من سلب الفلسطينيين الإنجاز الوحيد الذي ضمنته إتفاقيات أوسلو، وهو الحفاظ على الوحدة السياسية  للضفة الغربية وقطاع غزة، حيث كرس الانقسام الفصل بين هاتين البقعتين، حيث مكن هذا الواقع الاحتلال الاسرائيلي من الانفراد بالضفة الغربية عبر الاستيطان والتهويد المتواصل والمنهجي. وقد أسهم انشغال القيادات الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع بمواجهة التحديات الناجمة عن الانقسام في مواصلة مشاريع التهويد والاستيطان في ظل أقل مستوى من الممانعة الفلسطينية الحقيقية، والرقابة الدولية.

 

2-    استخدمت دولة الاحتلال الانقسام كذريعة لتنكرها للوفاء بمتطلبات عملية التسوية والمفاوضات مع السلطة عبر القول إنه لا يمكنها التوقيع على إتفاق تسوية مع أبو مازن، يتضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة على اعتبار أنه لا يمثل الشعب الفلسطيني.

 

3-    وظفت دولة الاحتلال حالة العداء الشديد لدى حركة فتح وقادتها في أعقاب الحسم العسكري في غزة أوساط عام 2007 لدفع التعاون الأمني بين أجهزة السلطة الأمنية ودولة الاحتلال إلى مستويات غير مسبوقة، بشكل أسهم إلى حد كبير من تحسين البيئة الأمنية داخل الدويلة العبرية وفي المستوطنات،مما أدى بدوره إلى تعاظم نسبة اليهود الذين يتجهون للإقامة في المستوطنات بفضل الشعور المتعاظم بالأمن. وحتى قادة المستوطنين فقد أقروا بدور أجهزة الأمن التابعة للسلطة في تعاظم المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية.

 

4-    مكن الانقسام الدويلة العبرية من فرض الحصار على قطاع غزة مستفيدة من تواطؤ الكثير من الأطراف، وضمنها السلطة الفلسطينية.

 

5-    تدرك دولة الاحتلال أن المصالحة ستزيد من رقعة التأييد الدولي للتحرك الفلسطيني الهادف إلى حشد أكبر دعم دولي لإعلان الدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم، على اعتبار أن المصالحة ستظهر الفلسطينيين كموحدين.

 

6-     ستعزز المصالحة إلى حد كبير من فرص الاستجابة الجماهيرية للدعوات التي يطلقها الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة للشروع في انتفاضة ثالثة لكنس الاحتلال ومظاهره، وهي تعي إن هذا هو أسوأ توقيت يمكن أن تندلع فيه الانتفاضة، لأنها تدرك إنها ستحظى بدعم جماهيري عربي هائل تحركه الثورات العربية المجيدة، وسيدفع النظام العربي الرسمي إلى ردود فعل قوية ضد الكيان الصهيوني.

 

ماكينزمات التحرك الصهيونية 

إزاء خسارة الكيان الصهيوني المتوقعة لمكاسبها التي جنتها من الانقسام، فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي، وستعمل على احباط تطبيق اتفاق المصالحة بكل ما أوتيت من قوة. وستلجأ دولة الاحتلال لاستخدام كل الأدوات الممكنة لإفشال الاتفاق عبر الخطوات التالية:

 

الضغوط السياسية

 

يتضح من الحملة الدعائية الصهيونية المركزة والمكثفة التي أعقبت الإعلان عن اتفاق المصالحة أن تل أبيب ستحرص في المرحلة القادمة على محاول نزع الشرعية عن الحكومة الانتقالية التي سيشكلها الفلسطينيون، كما ينص اتفاق المصالحة، حيث ستثير دولة الاحتلال شروط اللجنة الرباعية، المتمثلة في ضرورة اعتراف الحكومة بدولة الاحتلال والاتفاقيات الموقعة بين الكيان الصهيوني والسلطة، ونبذ المقاومة بوصفها " إرهاباً ". وستدعو دولة الاحتلال الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي للحكم على الحكومة الجديدة بقدر التزامها بمواصلة التعاون الأمني وتعقب المقاومة. فعلى سبيل المثال اعتبر ليبرمان إن قيام السلطة الفلسطينية بإطلاق سراح عناصر حركة حماس من سجونها مجرد " تآمر " على المس بأمن الكيان الصهيوني  "، مع العلم أن معظم قادة وعناصر حماس في سجون السلطة تم اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية بعيد إفراج الجيش الصهيوني عنهم، أي إن دولة الاحتلال أفرجت عنهم إما بعد انتهاء فترة محكومياتهم، أو بعد أن تبين لها أنه لا يوجد ما تدينه بهم. وتتوقع الدويلة العبرية أن يتفهم العالم موقفها هذا. ومن نافلة القول إن دولة الاحتلال ستحاول وضع أعضاء الحكومة الانتقالية تحت المجهر، وستحاول استغلال كل ما يربط وزراء الحكومة بحركة حماس من أجل العمل على شيطنة الحكومة بأسرها. وسيطالب الصهاينة العالم بفرض مقاطعة سياسية على قيادة السلطة ممثلة في رئيسها .

 

الضغوط الاقتصادية

 

ستسعى دولة الاحتلال  أن تثبت للفلسطينيين سيما في الضفة الغربية أن أوضاعهم لن تزداد إلا سوءً في ظل المصالحة، حيث ستحاول اقناع الدول المانحة بالتوقف عن تقديم الدعم المالي للسلطة، بحيث تصبح السلطة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين، مما يؤدي إلى تردي الأوضاع المعيشية في الضفة. وقد أعلنت دولة الاحتلال إنها تدرس التوقف عن المشاركة في اجتماعات الدول المانحة لتعطيل تحويل الأموال لخزانة السلطة. وفي المقابل تهدد دولة الاحتلال بالتوقف عن تحويل عوائد الضرائب التي تجنيها عن البضائع المستوردة للمناطق الفلسطينية لخزانة السلطة، مع العلم إن الحديث يدور عن عشرات الملايين من الدولارات في الشهر الواحد. وستعمل الدويلة العبرية على التأثير بشكل غير مباشر على الأوضاع الاقتصادية عبر فرض قيود على حرية الحركة في الضفة الغربية لضرب عمل المرافق الاقتصادية وتراجع معدلات النمو، إلى جانب المس بالعمل في الكثير  من المشاريع الإنشائية ومشاريع البنى التحتية التي شرع فيها في كثير من مناطق الضفة الغربية، وذلك للوصول إلى نفس الهدف.

 

الضغوط الشخصية

 

لن تتردد الدويلة العبرية في ممارسة الضغوط الشخصية على قيادات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، عبر حرمانهم من المزايا الشخصية التي منحت لهم بفعل مشاركتهم في الحرب على المقاومة الفلسطينية. وقد هدد ليبرمان عباس بأن " يحبسه " في الضفة الغربية وألا يسمح له بمغادرتها مطلقاً، علاوة على التهديد بسحب بطاقات ال " VIP "، التي منحتها دولة الاحتلال لكبار مسؤولي السلطة وقادة أجهزتها الأمنية، والتي تضمن لهم حرية الحركة داخل الضفة وعبر الحدود. وتطمح دولة الاحتلال أن تثمر التهديدات قبل وضعها موضع التهديد لأنها تدرس حجم إسهام الأجهزة الأمنية في الحفاظ على الأمن الصهيونة في الضفة الغربية وداخل الدويلة الاحتلال نفسها، من هنا فإنها ستكون أكثر حذراً في تطبيقها.

 

الضغوط الأمنية

 

لن تتردد الدولة الاحتلال في استخدام الحلول العسكرية لإحباط المصالحة، سيما عبر توظيف أي عمليات إطلاق صواريخ تتم من قطاع غزة تجاه الدوية العبرية ، حيث إنها ستطالب العالم بالتعاطي مع هذه الحوادث كإختبارات للحكومة الفلسطينية الانتقالية وذلك لاستدعاء الضغوط الدولية ولنسف شرعيتها مبكراً. ومن الواضح إن هناك فيض من الوسائل التي ستحاول دولة الاحتلال عبرها جر الفلسطينيين لهذا المربع. فدولة الاحتلال ستراهن على سلوك بعض المجموعات غير المضبوطة في قطاع غزة والتي تحرص على إطلاق الصواريخ في أكثر الأوقات حرجاً للساحة الفلسطينية. وفي حال لم يكن هناك من يوفر الذرائع لدولة الاحتلال، فإنها ستلجأ إلى استفزاز الفصائل الفلسطينية عبر القيام بعمليات اغتيال بزعم توفر معلومات استخبارية مفبركة حول نية الفصائل القيام بهذا العمل أو ذاك لكي تستدرج الفصائل لردود فعل، وبالتالي يتسنى لها حشد دعم دولي لمواقفها ضد الحكومة الجديدة.

 

آليات التحرك الفلسطيني المضاد

 

إزاء كل ما تقدم، فإن الفلسطينيين مطالبون بالعمل بكل قوة على إنجاح اتفاق المصالحة بوصفه فرصة تاريخية لطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني. وعليه فإنه يتوجب عدم ترك المجال لصهاينة لإفشال المصالحة، وذلك عبر ضبط عمليات المقاومة لكي لا توظف ضد الفلسطينيين، ويتوجب أيضاً عدم السماح للأطراف الداخلية التي ستضرر مصالحها من المصالحة أن تتواطأ مع الاحتلال لإفشاله. في نفس الوقت يتوجب التحلي بالحكمة في التعاطي مع تذرع دولة الاحتلال بشروط الرباعية، بحيث يجب التسليم بإدارة منظمة التحرير للمفاوضات في ظل التمسك بالحد الأدنى من القواسم المشتركة فلسطينياً، وهي القواسم التي لا تقبل بها الدويلة العبرية أصلاً، وفي المقابل مطالبة دولة الاحتلال بما يجمع عليه العالم في الشأن الفلسطيني، حتى  يتم تعميق عزلتها الدولية واحباط قدرتها على التشويش على مشروع المصالحة. في نفس الوقت يتوجب على كل الفرقاء في الساحة الفلسطينيةعلى حشد أكبر الطاقات للشروع في انتفاضة فلسطينية ثالثة بهدف طرد الاحتلال من الأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات، وأن تحظى هذه الانتفاضة بدعم كل القيادات الفلسطينية بدون استثناء. فهذا ما سيشل الدويلة العبرية ويقلص من قدرتها على افشال مشروع المصالحة.

 

كلمات دليلية :