عيد المقاومة والتحرير..والانتصارات الطالوتية على الاوهام الجالوتية

عيد المقاومة والتحرير..والانتصارات الطالوتية على الاوهام الجالوتية
السبت ٢٦ مايو ٢٠١٨ - ١٠:٥٩ بتوقيت غرينتش

ذكروا ان المصلح الاكبر السيد جمال الدين الاسدابادي عندما شاهد الكثير من الاصلاحيين - ومنهم رجال دين - قد انبهروا بالغرب الى حد الانهيار والانبطاح والقول : لن تصلح احوال امتنا الا اذا تغربت.

 العالم-لبنان

نعم ورد ان السيد جمال الدين استخدم تعبيرا راقيا انذاك في تشبيه حالة الانهيار بما محصله : إن الذي ياتي الى الغرب بمثابة الداخل الى قصر واسع مخيف فإذا استجمع قواه وصرخ من اعماقه  فإنه سيشعر بأن هذا القصر ليس الا وهما قاتلا .

 فالذين انبهروا بالغرب لانهم لم يستجمعوا قواهم فقد اعتراهم الانهيار اما لو انهم استجمعوا قواهم كالسيد جمال الدين لاكتشفوا بأن كل ما أبهرهم مجرد وهم .

واذا رجعنا الى مصدر ومنبع افكار السيدجمال الدين الاسد ابادي اي القران المجيد نجد ان منبع دفع الوهم بقوة انفس متعلقة بالقدرة الالهية قد ورد في موارد عدة من القران المجيد منها قصة طالوت وجالوت وما جرى بينهما .

ففي قصة طالوت وجالوت نلاحظ ان احد اهم اسباب عدم القدرة على مواجهة جالوت هو وهم الخوف الذين كان يسكن نفوس وعقول الناس ، والله المتعال تكفل بهزيمة جالوت عبر عبده الاواب داود عليه السلام { وقتل داود جالوت } ، الا انه تعالى اراد ان تسير عملية هزيمة جالوت وجنوده من خلال السنن والاسباب التكوينية ، فلا بد من الامتحانات والاختبارات والاعمال الفعلية والوقوف على النفوس الشجاعة الواثقة والنفوس الضعيفة المتزلزلة ، واختار الله المتعال - لاحظ اختيار الله لا الناس -  لجبهة الحق قائدا وهو طالوت  يحمل ثنائية القيادة المطلوبة : القوة العقلية + القوة البدنية  {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ }. ففيهما  مع دعامة الايمان كل الكفاية .

 وكان طالوت رجلا طويلا ضخما ، ذكيا عالما مدبرا ، وكان يعيش مع ابيه في قرية نائية على احد الانهر ويرعى الماشية ويشتغل بالزراعة والتقى بالنبي شموئيل الذي كان نبي ذلك الزمان في قصة رائعة .

 لكن اصحاب الوهم اصروا على ثنائية[ النسب والمال]  بالقول : {قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ } .

المهم انطلق طالوت لمواجهة الوهم الجالوتي ، الا ان طالوت اصر على اجراء اختبار النهر في القصة المعروفة بالقران {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ } . هنا سقط الاكثر في الامتحان النهري  {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ}

 وللاسف حتى الجماعة التي نجحت في الاختبار النهري  عندما شاهدت جالوت وجنوده بعيونهم وقلوبهم التي طالما سكنها وهم الخوف من العدو {قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ } .

 المخلصون من قلة القلة الذين يعيشون في نفوسهم قوة اليقين بالجبروت الالهي قالوا  : {ِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}

وفي هذه المعمعة طلب جالوت المبارزة الفردية  فتصدى له النبي داود عليه السلام الذي كان شابا وقد خرج الى المعركة بصحبة اخوته وبحركة سريعة خفيفة رمى جالوت بحجرين من مقلاعه اصابا جبهته ورأسه فخر صريعا ، فانهزم على إثرها جيش جالوت .

في العالمين العربي والاسلامي وللاسف الشديد كان وهم الناس ان الصهاينة بعد النكبة والنكسة لن يهزموا وعاشوا على هذا الوهم طويلا ، وعندما انبرت مجموعات تحمل ثنائية القوة والعلم لقتال الصهاينة ، انكر الناس عليهم ذلك بدعوى ان هؤلاء ليسوا اثرياء لانهم كما في عهد طالوت كانوا يظنون ان المهمة ينبغي ان توكل لحكام النفط الاثرياء ، حتى ان احد الخليجيين سال احد الحجاج اللبنانيين من اي بلد انت ؟ قال : من جنوب لبنان المحتل . ولما علم الخليجي بان هناك بلدا عربيا محتلا استغرب ذلك وقال بتعجب واستغراب : وهل الملك يدري ؟؟

 نعم إن اسقاط الحالة الطالوتية على مجتمعنا العربي والاسلامي في مواجهة الصهاينة هو خير اسقاط ، فقد قتل الوهم كل النفوس ولم يبق الا فئة قليلة نجحت في كل الاختبارات النهرية والبحرية والجوع والالام والحرمان والقتل والجرح والحصار وخذلان القريب والبعيد ، وقامت هذه الفئة وعبر ثنائية الكفاءات البدنية والعلمية وبدعم من المدد الالهي بمقارعة الصهاينة حتى استطاعت هزيمة الصهاينة في ٢٥ ايار من عام ٢٠٠٠ ميلادي .

ان هذا الانتصار الذي نتج عنه تحرير معظم المناطق المحتلة من جنوب لبنان هو انتصار على الوهم قبل ان يكون انتصارا على الصهاينة. هو انتصار على عقلية الركون الى المال الخليجي العفن قبل ان يكون انتصار.

بقلم توفيق حسن علوية