3/1/2011عادل الجوجريadelalgogary@hotmail.com

الإثنين ٠٣ يناير ٢٠١١ - ٠٥:٤٢ بتوقيت غرينتش

ماذا بعد جريمة كنيسة القديسين في الإسكندرية؟ رب ضارة نافعة وحادث التفجير الإجرامي لسيارة أمام كنيسة القديسين ليلة رأس السنة الميلادية 2011م والتي قتلت وأصابت المصريين جميعا من مختلف الأديان والفئات الاجتماعية ينبغي أن تكون فرصة لإعادة تأمل ماحدث في ضوء أن العدوان الإجرامي الذي نفذه إرهابيون ضد أخوة أقباط ليس لهم ذنب سبقه لم يأت من فراغ بل هو نتيجة سياسات داخلية أفرزت هذه النوعية من إرهاب الذي لم تشهده مصر من قبل . فقد سبق العدوان على كنيسة القديسين في الإسكندرية عدوان إرهابي مارسه النظام ضد الشعب عندما سرق جهارا نهارا حريته ، وزور الانتخابات وأطاح بالإخوان المسلمين وأحزاب وق

ماذا بعد جريمة كنيسة القديسين في الإسكندرية؟

رب ضارة نافعة وحادث التفجير الإجرامي لسيارة أمام كنيسة القديسين ليلة رأس السنة الميلادية 2011م والتي قتلت وأصابت المصريين جميعا من مختلف الأديان والفئات الاجتماعية ينبغي أن تكون فرصة لإعادة تأمل ماحدث في ضوء أن العدوان الإجرامي الذي نفذه إرهابيون ضد أخوة أقباط ليس لهم ذنب سبقه لم يأت من فراغ بل هو نتيجة سياسات داخلية أفرزت هذه النوعية من إرهاب الذي لم تشهده مصر من قبل .

فقد سبق العدوان على كنيسة القديسين في الإسكندرية عدوان إرهابي مارسه النظام ضد الشعب عندما سرق جهارا نهارا حريته ، وزور الانتخابات وأطاح بالإخوان المسلمين وأحزاب وقوى المعارضة واستفرد لوحده ب 95% من المقاعد وقد فاز الدكتور فتحي سرور برئاسة المجلس بواقع 505صوتا من اصل 506شاركوا في التصويت،وهي نسبة تكشف عن غيبوبة فكرية وعدم رشد سياسي ورغبة عارمة في الاحتكار هي جزء أصيل من نفسية رجال أعمال جدد يلعبون سياسة في ذقن مصر.

تلك المهزلة الانتخابية وغيرها من سياسات أدت إلى التالي:

أولا :نظام سياسي عتيق بلغ من العمر أرذله ومع ذلك يتمسك بالسلطة،ويعدل الدستور ويطيح بالإشراف القضائي ويمنع منظمات المجتمع المدني من التنفس،فيصادر الأمل أمام المصريين جميعا في التغيير السلمي وفي تبادل المراكز القيادية فليس هناك رئيس واحد هو حسني مبارك يتمسك بالكرسي بل هناك حسني مبارك في كل وزارة ومؤسسة تشريعية حتى صرنا محاصرين بشخصيات لم تتغير منذ ثلاثة عقود،ولايمكن أن يستمر الحال، وهناك عدة احتمالات: أما أن تحدث طفرة في وعي القائمين على النظام فيغيرون ويتغيرون وهذا احتمال ضعيف، لكنه قائم أو أن تحدث هبات شعبية وانتفاضات جماهيرية تساهم في تغيير النظام بقوة الناس ، أو أن نصل إلى البديل الصعب وهو العنف والتغيير بالقوة ،ونقول أنه البديل الصعب لأنه لن يهدد النظام ورجالاته فقط بل يهدد المجتمع كله وهذا ماحدث في كنيسة القديسين حيث قوى الظلام تطل في الظلام الدامس الذي فرضه النظام باحتكاره للسلطة ومصادرته لفرص التغيير الديمقراطي الهادئ.

ثانيا:مؤسسات تشريعية غريبة عن الواقع لجهة برلمان لايعبر عن الشعب المصري ولا يعكس حيوية المشهد السياسي المتنوع بين إخوان وناصريين ووفديين ومستقلين ،وكل هؤلاء غير ممثلين في البرلمان الغريب،ومن قبله جرت انتخابات مجلس الشورى التي لم يرها احد ولم تضبط السلطة وهي تجري انتخابات أصلا،فانتخابات الشورى كانت بروفة لما سيجرى من تزوير صارخ وفاضح في انتخابات مجلس الشعب والتي اشتكى منها رجال الحزب الوطني أنفسهم المرشحين " السادة حمدي السيد ومصطفى السعيد ومرتضى منصور" الذين تمت الإطاحة بهم لمصلحة جيل جديد بناء على رغبة لجنة السياسات والطامح الجديد في السلطة، من هنا جاء هذا البرلمان المدهش الذي أنتجه تحالف السلطة مع رجال الأعمال مايعيد إلى الأذهان عصر ملوك العثمانيين ، وأخرهم الملك فاروق الذين حكموا مصر بدون إرادة المصريين لمدة أربعة قرون.

تلك الانتخابات السوداء تركت حالة احتقان سياسي ستظل قائمة إن لم يبادر الحزب الحاكم إلى فتح حوار جاد مع الأحزاب والقوى السياسية والحركات الاحتجاجية لطرح مشروع قومي ينقذ البلاد من التيه الذي تسير فيه منذ رحيل الزعيم جمال عبد الناصر.

لقد فشلت معاهدة الصلح مع العدو في تحقيق سلام شامل وعادل وتحولت مصر من قائد للمقاومة للمشروع الصهيوني في المنطقة إلى تابع لواشنطن تحاصر وتمنع أي محاولة لمقاومة التمدد الصهيوني ومع ذلك استمر العدو في التجسس على مصر تأكدا منهم أن مرحلة حسني مبارك لن تستمر، وهو الذي قدم للصهاينة خدمات جليلة –على حد قول الصهاينة-وهم تمددوا في مصر وانفقوا ملايين الدولارات من اجل فتنة طائفية وتهديد اقتصاد مصر – حسب اعترافات عاموس يادلين رئيس الاستخبارات العسكرية ليس تحسبا من النظام الحالي وإنما خشبة نظام جديد يأتي على سدة الحكم في مصر فيعيد الصراع العربي-الصهيوني إلى سيرته الأولى ويهدد الكيان الصهيوني.

وتراجعت مصر إقليميا ودوليا إلا في خيال مصطفي الفقى وجهاد عوده ورفاقهما من منظري الحزب الحاكم الذين لازالوا يروجون لنفس السياسات العربية التي أدت إلى عزلة مصر حتى تفوقت عليها "في كل شئ دولة صغيرة في حجم قطر" وفي ظل تراجع مصر ودت واشنطن وتل أبيب الطريق مفتوحا لتنفيذ مخطط تفتيت الوطن العربي إلى 52دويلة بدءا من لبنان والعراق الى السودان واليمن ثم الجائزة الكبرى"مصر" وهذه المخططات تمشى على قدم وساق في المنطقة بينما حكامنا غافلون أو غارقون في تدبير تمديد السلطة للرئيس أو توريثها للابن.

ثالثا:هذا الضباب الاقتصادي الكثيف الذي يؤرق حياة المصريين ويحولهم من بين آدمين إلى تروس في آلة عمل قديمة لاتنتج مايكفي جميع الناس ومع ذلك ثمة من يحصلون على نصيب وافر من الكعكة وهم رجال الأعمال وكبار رجال الدولة والفهلوية الجدد بينما الأغلبية يعانون اقتصاديا،لذلك تحكي السلطة كثيرا عن معدلات للتنمية تصل إلى 8% وهو معدل مرتفع جدا بينما المصريون لايجدون شيئا في جيوبهم ولاحياتهم من هذه المعدلات بل يجدون الحصرم.

المهم أن هذا الضباب الكثيف هو الذي يوفر المناخ لعمليات إرهابية يمارسها النظام يوميا وباسم الشرعية الدستورية "المنتهكة" أويمارسها أعداء النظام بدعوى الغيرة على الدين حسبما زعم تنظيم القاعدة الذي يروج لفكرة انه يدافع عن مسلمات أسيرات في الكنيسة هن أصلا قبطيات أسلمن لسبب أو آخر،وهي مزاعم إن صدقت لاتسوغ ولاتشرع لجرائم قتل إرهابية على نحو ماجرى أمام كنيسة القديسين.

إن ماوقع من جرم في حق الشعب المصري يجبر النظام على احترام القوى السياسية والأحزاب والحركات الاحتجاجية وان يوفر آليات تجعل هذه القوى طرفا مشاركا وليس مناوئا للنظام ،وأن يبادر إلى إصلاحات ديمقراطية ودستورية جادة تمنح الفرصة المتكافئة لكل من يرى في نفسه القدرة على خدمة الشعب، وليس إغلاق الباب على مجموعة بعينها تتصور نفسها وصية على الشعب ومكلفة من الرب.

أن جريمة الإسكندرية تكشف عن استفادة العدو الصهيوني منها وأن تنظيم القاعدة وأولاده هم الذين نفذوها لكن النظام الحاكم شريك أساس فيها،فالمؤامرات الخارجية لايمكن أن تتحقق إلا إذا كانت البيئة الداخلية جاهزة،وإذا كانت هناك عوامل داخلية مساعدة على تحقيق أهداف الأعداء ولاشك إن سياسات النظام وفرت بيئة مناسبة جدا لعمليات إرهاب وتزوير وغش وصولا إلى سيارة مفخخة تستهدف وحدة الأمة.

والحل يكمن في اصطفاف وطني لبناء الدولة المدنية الحديثة بشرط أن نعيش في ظل دستور سليم وبرلمان غير مزيف واقتصاد يتسم بالعدالة في التوزيع والكفاءة في الإنتاج وبدون ذلك سوف يستمر نزيف الدم.