3/1/2011أ. عماد الحديديhadidi_imad@yahoo.com

الإثنين ٠٣ يناير ٢٠١١ - ٠٥:٤٥ بتوقيت غرينتش

محرقة العدوان الصهيوني و صمود المسيرة التعليمية في غزة شن العدو الصهيوني في مثل هذه الأيام حربا ضروسا على قطاع غزة فأسكنت المتحرك وحركت الساكن من البشر والشجر والحجر إلا العزيمة والتحدي والإرادة التي لم يستطيع بكل قنابله الفسفورية وصواريخه الحارقة وقذائفه المدمرة أن ينال منها، فما إن ظهر عليه التعب والأرق والخوف وبدا يتراجع متذرعا بذرائع واهية وبعد أن فقد كل وسائل الضغط العسكرية والسياسية والدبلوماسية أعلن انه سيوقف الحرب من طرف واحد، كانت التحركات المكوكية لوزارة التربية والتعليم العالي عبر الإدارة العامة للإرشاد والتربية الخاصة قبل الإعلان الرسمي عن وقف الحرب لتدارس ما يمكن عمله ل

محرقة العدوان الصهيوني و صمود المسيرة التعليمية في غزة

شن العدو الصهيوني في مثل هذه الأيام حربا ضروسا على قطاع غزة فأسكنت المتحرك وحركت الساكن من البشر والشجر والحجر إلا العزيمة والتحدي والإرادة التي لم يستطيع بكل قنابله الفسفورية وصواريخه الحارقة وقذائفه المدمرة أن ينال منها، فما إن ظهر عليه التعب والأرق والخوف وبدا يتراجع متذرعا بذرائع واهية وبعد أن فقد كل وسائل الضغط العسكرية والسياسية والدبلوماسية أعلن انه سيوقف الحرب من طرف واحد، كانت التحركات المكوكية لوزارة التربية والتعليم العالي عبر الإدارة العامة للإرشاد والتربية الخاصة قبل الإعلان الرسمي عن وقف الحرب لتدارس ما يمكن عمله لاستقبال طلبة المدارس الذين عاشوا أيام صعبة وتعرضوا لصدمات عصبية وأضرار نفسية وجسدية قد تؤثر عليهم في حاضرهم ومستقبلهم، ((فلقد قدمت المسيرة التعليمية وبإحصاءات رسمية من الحكومة ووكالة الغوث (256)شهيدا من الطلبة و (15) شهيدا من المعلمين و (922) جريحا من الطلبة منها (482) إعاقة ما بين حركية وبصرية وسمعية ونطق وأخرى) و(19) جريحا من المعلمين و(7) مدارس دمرت تدميرا كاملا ومعظم باقي المدارس تدميرا جزيئيا)) وبالفعل كان الاجتماع الأول مع الساعة الأولى لليوم الأول من الدوام الإداري الرسمي لموظفي الوزارة والذي تفاجأ به جميع العاملين الذين كانوا يتفقدون أحبابهم وأصحابهم وزملائهم بينما الإرشاد منعقد بكافة عناصره الذين حفظهم الله مما دفع وزير التربية والتعليم أن يتقدم لهم بالشكر والتقدير والإعجاب ومن ثم استجاب لكافة توصياتهم المتمثلة بجعل الأسبوع الأول من الدراسة أسبوعا للتفريغ الانفعالي للتخفيف عن الطلبة حدة الصدمة وليعبروا عما في داخلهم من مكبوتات وإلغاء امتحان الفصل الأول و اعتماد برنامج وطني إسعافي يحمل اسم (البرنامج الوطني للدعم النفسي الاجتماعي اثر المحرقة الصهيونية على قطاع غزة يناير 2009م) وتوزيعه على كافة المدارس، الذي استمر لمدة أسبوع كامل وتنوعت فقراته ما بين ترفيهية وإرشادية ورياضية ورسم حر وسيكودراما (التمثيل) والاستماع إلى قصص الطلبة من اجل التفريغ الانفعالي وإعادة المشاهد التي عايشها هؤلاء الطلبة في بيوتهم وأزقتهم وشوارعهم ومزارعهم وقراهم، بجانب عقد العديد من ورش العمل مع الطواقم التدريسية وأولياء الأمور وخاصة الأمهات وختم البرنامج بيوم مفتوح تخللته الألعاب والأناشيد والمسرحيات والكلمات والأكل والشرب والمعارض الرسومية التي أبدعها الطلبة بأيديهم وتوزيع الهدايا والنشرات التوعوية.

وقد تفاعل الطلبة مع جميع فعاليات البرنامج فرووا القصص بدموعهم البريئة والتي اختلطت بصوت نحيبهم وبكائهم وهم يعيدون مشاهد الخوف الشديد لحظة الموت من قصف الطائرات والدبابات ومشاهدة الشهداء والجرحى والمصابين و البيوت وهي تهدم على أصحابها، وعن فقدان الأهل والأقارب والأصدقاء وزملاء المدرسة والصف والمقعد، عن فقدانهم لمنازلهم وأمتعتهم وكراساتهم وأقلامهم وكتبهم، عن الخوف الشديد وعدم القدرة على النوم وعدم التركيز، التشتت، الخوف من الظلام، والخوف من الذهاب للمدرسة، كون الضربات الأولي كانت أمام أعينهم وقت تبادل مقاعد الدراسة بين الفترتين الصباحية والمسائية مما دفعهم يخرجون في الشوارع فيشاهدون القصف والدماء والشهداء ورسموا المشاهد الحية (قصف، شهداء، صواريخ، إسعافات، بكاء، أطفال حيارى، منازل مدمرة، مدارس مشتعلة وخاصة مدرسة الفاخورة، الزنانة،..) وكأنهم يعيشونها واقعا حيا، فعبروا عن مشاعرهم ومخاوفهم وأحاسيسهم، وكان من أهم نتائج هذا البرنامج بجانب تخفيف صدماتهم اكتشاف العديد من الحالات الصادمة التي تحتاج إلى تدخل إكلينيكي متخصص وبالفعل تم تحويلها إلى المؤسسات المتخصصة بالعلاج النفسي والاجتماعي، وكانت تجربة وزارة التربية والتعليم العالي قد حازت على أفضل التجارب المقدمة لورشة عمل أقيمت في الجامعة الإسلامية بغزة في 5-6/1/2010م من بين مشاركات عديدة حكومية ومؤسسات مجتمع مدني.

نسطر هذه الكلمات للتاريخ وللعالم الظالم الذي يقف مع الجلاد ضد المظلوم والذي لم يتحرك على مدار 23 يوما وهو يشاهد مشاهد قد غابت عن ذاكرته منذ العصور الوسطى البائدة التي أهينت بها كرامة الإنسان وإنسانيته، وليعلم العالم بان الشعب الفلسطيني حي كريم لا يمكن أن يفرط بأرضه ومقدساته وعرضه وثوابته مهما كانت عظم التضحيات ، ونسطرها تقديرا وعرفانا بالمرشد الفلسطيني الذي يعتبر صمام أمان المدرسة والمجتمع والقضية الفلسطينية.