لماذا كلفوا رجال مخابرات للتحقيق بملف الحريري؟

الخميس ٠٦ يناير ٢٠١١ - ١١:٤٦ بتوقيت غرينتش

أسئلة كثيرة يثيرها إصرار القيّمين على المحكمة الدولية بالاعتماد على رجال المخابرات في التحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، وتزداد الريبة والأسئلة خصوصاً بعد تجربة الثنائي ديتليف ميليس وغيرهارد ليمان، اللذان اشتهرا بعلاقتهم بـ"الموساد" الاسرائيلي وخدمة أهدافه من جهة واحترفا مبدأ "المداورة والمناورة" في مجال عقد الصفقات والبيع والشراء في ملفات التحقيق بالجرائم التي تولوها من جهة أخرى وآخرها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.فالكثير من المختصين الألمان كانوا قد شككوا بنزاهة ميليس وليمان عند تسلمهم مهام التحقيق الدولي في قضية اغتيال الحريري، وأشاروا إلى عملهم المثير للشكوك في قضية

أسئلة كثيرة يثيرها إصرار القيّمين على المحكمة الدولية بالاعتماد على رجال المخابرات في التحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، وتزداد الريبة والأسئلة خصوصاً بعد تجربة الثنائي ديتليف ميليس وغيرهارد ليمان، اللذان اشتهرا بعلاقتهم بـ"الموساد" الاسرائيلي وخدمة أهدافه من جهة واحترفا مبدأ "المداورة والمناورة" في مجال عقد الصفقات والبيع والشراء في ملفات التحقيق بالجرائم التي تولوها من جهة أخرى وآخرها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

فالكثير من المختصين الألمان كانوا قد شككوا بنزاهة ميليس وليمان عند تسلمهم مهام التحقيق الدولي في قضية اغتيال الحريري، وأشاروا إلى عملهم المثير للشكوك في قضية تفجير مقهى لابيل الألماني، مما جعل مصداقيتهما محط تساؤل وشكوك، وطرح للأسئلة حول المغزى والهدف من تكليفهم بالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري؟!.

وفي هذا السياق، فقد كثرت الألقاب التي وصّف بها الرجلان، ففيما لقب ميليس بـ"الثعلب الحذق الماكر والصبور"، اعتبر آخرون ومنهم الدكتور سعيد دودين الألماني من أصل عربي، والذي يقيم في ألمانيا، ‏ويدرس في جامعاتها، أن "الخطير ليس ميليس، بل رجل المخابرات الألمانية نائب رئيس لجنة التحقيق غيرهارد ليمان"، كاشفاً أن الأخير قام منذ عام 1979، ببناء شبكة جواسيس لاختراق المنظمات الفلسطينية ونسّق مع المخابرات ‏البريطانية بتجنيد أحد المخبرين العراقيين".

من جهته، كشف أحد المواقع الاخبارية في كندا (موقع أخبار مونتريال) سابقاً بأن غيرهارد ليمان كان على علاقة بالأجهزة الأمنية التابعة لرفيق الحريري منذ بداية التسعينات وأنه قدم إلى لبنان وإستعان بالمستشار الأمني والسياسي للرئيس الراحل رفيق الحريري جوني عبدو، لافتاً الى أنه يتمتع بعلاقات قوية مع المخابرات الأميركية المركزية "السي أي أيه".

وأضاف الموقع أن "ليمان الذي تعرفه بعض الأوساط في تيار المستقبل منذ ما قبل إغتيال الحريري كصحافي كان قد إستفاد من رجال رفيق الحريري خصوصاً الصحافيين لبناء شبكاته الأمنية في لبنان"، موضحاً أنه "ممن يعرفونه جيداً قبل العام ألفين السيدان فارس خشان وجورج بكاسيني الذين جنّدهما ليمان بالتعاون مع رجال الحريري لصالح الألمان".

بدورها، كشفت صحيفة "يونغي فيلت" الألمانية أن ليمان تعاون مع الاستخبارات الأميركية في أفغانستان، تحت اسم مستعار هو "سام"، وأشرف على التحقيق مع السجين الألماني خالد المصري (من أصل لبناني) في معتقل أميركي في أفغانستان؟!.

وأضافت الصحيفة بأن معلومات خطيرة كانت تملكها صحيفة "نيويورك تايمز" حول الدور الذي لعبه ضابط الاستخبارات الألماني غيرهارد ليمان في التعاون مع الاستخبارات الأميركية، وكانت هذه المعلومات معدّة للنشر، إلا أنها تمنعت عن نشرها بناء على طلب خاص من الاستخبارات الألمانية.

وفيما أشارت الصحيفة الى أن الكاتب الالماني "أوليفر شروم" وضع كتاباً عن الحياة المهنية لليمان وصفه فيه بـ "جيمس بوند الألماني"، تحدثت عن دوره في ملاحقة المنظمات الفلسطينية ولا سيما المناضل الشهير "كارلوس". ومضت الصحيفة في شرح مسرح نشاط ليمان الاستخباري لتشير الى أن "مسرح عمله يمتد من قبرص إلى سوريا ويشمل بناء شبكات تجسس ضد حزب الله وحركة "أمل" والمنظمات الفلسطينية.

وفي سياق متصل بالتحقيقات في قضية اغتيال الحريري، كان تقرير ألماني أعده الكاتب الالماني "يورغن كاين كولبيل" ونشرته مجلة "غيهايم" الألمانية المتخصصة بالشؤون الأمنية قد خلص الى أن الألمانيان رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق في اغتيال الرئيس الحريري ديتليف ميليس ومساعده غيرهارد ليمان هما مزوران تلاعبا بالتحقيقات وبنيا اتهاماتهما لسوريا والضباط الأربعة على إفادات شهود زور تم شراؤها دون وجود أدلة ثابتة.

وفي اسهابها بشرح ما وصفته بـ"الصفقة غير الأخلاقية"، أوضحت المجلة بأن ليمان كان قد طلب من المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد نقل رسالة شفهية الى الرئيس السوري بشار الأسد، لاختيار ضحية سورية كبيرة تعترف بأنها ارتكبت عملية الاغتيال من دون علم النظام السوري. وهو ما أكده اللواء السيد نفسه في وقت لاحق.

وأوضح الكاتب الألماني أن "الثعلب الألماني ديتليف ميليس" و"صائد الإرهابيين" غيرهارد ليمان، كانا مدهوشين من سرعة البحث، التي حققها الشرطي "ثيو كوجك"، في مسلسل "لولي لوتشندن" الأميركي، لذلك أسعدا الإدارة في واشنطن والدمى المؤيدة لأميركا في لبنان، بوضع ثمانية أشخاص في السجن، ليصبحا نجمين على مدى أشهر في برامج "توب تين" في الإعلام العالمي".

من جهتها، كشفت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية مؤخراً بأن "المحقق الدولي اللاحق لميليس سيرج براميرتس لم يكن يثق بثنائي المفبركين غيرهارد ليمان ووسام الحسن الذي كان مسؤولاً عن أمن الحريري وتغيّب عن موكبه لأسباب غامضة"، وأشارت الصحيفة الى أن براميرتس لم يأخذ بفرضية فرع المعلومات التي توصّل اليها عام 2006 لناحية الاشتباه بأفراد من حزب الله في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وفي تقرير للصحافي الفرنسي جورج مالبرونو نشر على الموقع الإلكتروني لـ "لو فيغارو" الفرنسية، أوضح الكاتب أن "براميرتس بدأ التحقيق من النقطة الصفر، ولم يكن يثق بما حققه سلفه ديتليف ميليس".

هذه المعلومات والمعطيات بمجملها تقاطعت مع ما كشفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤخراً، حينما وصف نائب رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق غيرهارد ليمان بالـ "فاسد والرخيص"، لافتاً الى أن الأخير قام بتسريب التحقيقات وباع وثائقها بـ 50 أو 70 ألف دولار، متسائلاً "أين جدية التحقيقات؟". وكاشفاً أنه عُرض عليه الحصول على كل وثائق التحقيق الدولي مقابل مليون دولار من خلال وسطاء لكنه رفض ذلك.

 

قنديل : اختيار ميليس وليمان للتحقيق أريد منه تنفيذ انقلاب مدّبر مسبقاُ في لبنان

 

وتعليقاُ على هذا الموضوع، ولدى سؤاله حول مسألة توظيف أشخاص ذوي ارتباطات بأجهزة مخابرات عالمية في التحقيق الدولي والمحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الرئيس الحريري، قال عضو المجلس الوطني للاعلام غالب قنديل، في حديث لموقع "المنار" الألكتروني إنه "عندما أقر تشكيل لجنة التحقيق الدولية كان المقصود من ذلك من قبل إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش أن تمهّد الطريق لتنفيذ انقلاب أمني وسياسي في لبنان يستهدف سوريا والمقاومة، وبالتحديد المنظومة التي هزمت "اسرائيل" عام 2000 "، لافتاً الى أن اختيار أشخاص مثل ديتليف ميليس وغيرهارد ليمان وغيرهم للتحقيق في قضية اغتيال الحريري لا بد من تسليط الضوء عليه من بوابة تعيينهم الذي يتم من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وجهاز الأمانة العامة، خاصة أن الجهاز الأخير هو طراز من الأشخاص الذين يتم اختيارهم بشكل مباشر من قبل أجهزة المخابرات الأميركية سواء عبر تجنيدهم مسبقاً أو إخضاعهم خلال ممارستهم لوظائفهم تحت وطأة الضغوط التي تمارس عليهم. واذ أشار قنديل الى أن تيري رود لارسن (مبعوث الأمين العام للامم المتحدة لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1559 ) هو "مسطرة تاريخية" في هذا الإطار لجهة دوره وارتباطاته الاستخباراتية لا سيما مع العدو الصهيوني، لفت الى أن دور ميليس وليمان معروف في المخابرات الألمانية، خصوصاً وأن الجميع يعلم بأن المخابرات الألمانية هي الوكيل الرسمي لـ "الموساد" الإسرائيلي في القارة الأوروبية وهو ما يؤكده الكثير من الخبراء مراراً وتكراراً.

وخلص عضو المجلس الوطني للإعلام الكاتب والصحفي غالب قنديل الى القول بأن "اختيار هذين الشخصين ديتليف ميليس وغيرهارد ليمان للتحقيق في قضية اغتيال الحريري أريد من خلاله تنفيذ انقلاب سياسي وأمني مدّبر مسبقاً في لبنان"، موضحاً بأن "المهمة الاستطلاعية التي قامت بها لجنة تقصي الحقائق التي أرسلها الأمين العام للامم المتحدة برئاسة بيتر فيتزجيرالد للتحقيق في أسباب وظروف ونتائج الاغتيال كانت تهدف الى طرد المؤسسات الرسمية من التحقيق عبر القول بعدم كفاءة القضاء والأجهزة الأمنية اللبنانية للقيام بالتحقيق في الجريمة".

 

*الاعلامي رفيق نصر الله : من يعمل بجهاز استخبارات عالمي لن يكون محايداً

 

من جهته، رئيس "المركز الدولي للإعلام والدراسات في لبنان" الاعلامي رفيق نصر الله الذي وصف المحكمة الدولية بأنها أداة لتحقيق أهداف أساسية للإدارة الأميركية، لفت في حديث لموقع "المنار" الألكتروني الى أنه من مراجعة ملفات من تم تعيينهم بمفاصل المحكمة والتحقيق الدولي بداء من ديتليف ميليس وغيرهارد ليمان وغيرهم، نجد أنهم جميعاً ممن لهم علاقات بالاستخبارات الالمانية والفرنسية البريطانية والأميركية وغيرها، وهذا ما يعطي انطباعاً بأن هؤلاء لا يمكن أن يعملوا إلا انطلاقاً من خطط المواقع التي انطلقوا منها.

وفيما لفت نصر الله الى أن مفاصل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مشبوهة وأدواتها ليست بعيدة عن الشبهة، أكد أن من يعمل بجهاز استخبارات عالمي لن يكون محايداً، بدليل أن الولايات المتحدة الأميركية نفسها التي تشرف على إدارة المحكمة ضغطت لعدم مشاركة محققين وقضاة من الصين وجنوب شرق آسيا والهند وافريقيا وأميركا اللاتينية في التحقيق الدولي بقضية اغتيال الحريري، وركزت على دور في التحقيق لأشخاص مرتبطين بأجهزة مخابرات دولية على علاقة وثيقة معها ما يترك علامات استفهام كثيرة حول جدية التحقيق في القضية ونزاهته.

وخلص الإعلامي المخضرم رفيق نصر الله أيضاً الى أن المحقق البريطاني مايكل تايلور الذي يشغل حالياً منصب رئيس مكتب المحققين لدى المحقق الدولي دانيال بلمار لن يشذ عن هذه القاعدة، خصوصاً وأنه كان مديراً سابقا للمخابرات البريطانية، موضحاً انه لن يختلف عن الألمانيان ميليس وليمان. وفيما سأل لماذا تعيين محقق بريطاني في هذا المنصب؟!، استنتج بأن كل الآداء في مسار المحكمة والتحقيق الدولي خلال السنوات الماضية أعطى صورة واضحة بأن أهداف المحكمة هي محاولة توجيه الاتهام نحو المقاومة وإبعاد الشبهات عن "إسرائيل" من خلال السعي لتوفير بيئة وظروف مؤاتية لإيهام الرأي العام بأن ما يقومون به على صعيد المحكمة والتحقيق صائب وصحيح.

 

انطلاقا من كل ما تقدّم يتضح لنا بأن من يقف خلف إنشاء المحكمة الدولية مهّد كل السبل حتى تكون الطريق سالكة أمامه من أجل تحقيق كافة أهدافه، فاستقدم الى مفاصل التحقيق والمحكمة أشخاص ذوي ارتباطات وثيقة بأجهزة استخبارات عالمية مناهضة لسوريا وللمقاومة ومؤيدة لـ "إسرائيل"، وكان كافياً له أن يوحي لأولئك باتجاه بوصلة مصالحه وأهدافه السياسية ليقوموا بدورهم بما في ذلك من تركيب سيناريوهات إلباس التهمة تارة لسوريا وتارة لغيرها، ولعل ذلك ما يفسّر بقوة عدم الموافقة طوال المرحلة السابقة على إنشاء هيئات قضائية تعمل على مراقبة مستقلة لعمل لجنة التحقيق.‏

علي عوباني