9/1/2011 تيسير محيسن press40@gmail.com

الأحد ٠٩ يناير ٢٠١١ - ٠٦:١٩ بتوقيت غرينتش

أوباما وإستراتيجية الوقت المستقطع! من الواضح أن إدارة أوباما تمنح جميع الأطراف وقتاً إضافياً مستقطعاً. السؤال ليس فقط لماذا أجلّت هذه الإدارة لحظة الحسم، وإنما كيف سيتصرف كل طرف خلال هذا الوقت بما يعزز مواقفه ويدعم فرصه في تحقيق أهدافه؟ من نافل القول، أن التأجيل يأتي في سياق الانحياز الأمريكي وبما يخدم الرؤية الأمريكية تحديداً وبالتالي إسرائيل.

أوباما وإستراتيجية الوقت المستقطع!

 

 

من الواضح أن إدارة أوباما تمنح جميع الأطراف وقتاً إضافياً مستقطعاً. السؤال ليس فقط لماذا أجلّت هذه الإدارة لحظة الحسم، وإنما كيف سيتصرف كل طرف خلال هذا الوقت بما يعزز مواقفه ويدعم فرصه في تحقيق أهدافه؟

 

من نافل القول، أن التأجيل يأتي في سياق الانحياز الأمريكي وبما يخدم الرؤية الأمريكية تحديداً وبالتالي إسرائيل. في خطوة ذكية يقف وراءها دينيس روس، حلت الإدارة الأمريكية معضلة التفاوض المباشر المشروط بتجميد الاستيطان فلسطينياً، والمشروط باستمراره إسرائيلياً، بأن أعطت كل طرف ما أراد: فهي لن تجبر الفلسطينيين على العودة للتفاوض المباشر طالما لم يوقف الإسرائيليون الاستيطان، كما لن تجبر الإسرائيليين على تجميد الاستيطان طالما أن الأمر لا يقتضي وجودهم على طاولة مفاوضات وجهاً لوجه مع الفلسطينيين.

 

النوايا واضحة وجلية لدى هذه الإدارة، التي تعرف على ما يبدو ماذا تريد، وكيف تزيل العقبات من طريقها نحو تحقيق ما تريد. ترغب الإدارة في وقت إضافي يتيح لها هامش أوسع من المناورة وتهدئة "اللعب" في المنطقة؛ وليس أفضل من منح كل طرف ما يعتقد أنه فرصة جديدة، وأنه يمكن أن يحقق في نهاية المطاف شيئاً مما يسعى إلى تحقيقه.

 

ستواصل إسرائيل سياسة فرض الأمر الواقع؛ التهويد والضم والاستيطان وتقويض ما تبقى من قوة الطرف الفلسطيني بشتى السبل والوسائل. و ستواصل سوريا الاعتقاد بأنها، يمكن أن تحصل على الجولان في نهاية المطاف عبر مفاوضات ترعاها واشنطن، والأمر ذاته بالنسبة للإيرانيين والأتراك والعرب المعتدلين. ولأن الفلسطيني، كما يعتقد البعض، هو الحلقة الأضعف، فثمة رهان على أنه الطرف الوحيد الذي لن يستفيد حقاً من هذا الوقت المستقطع.

 

التفاوض المتوازي ليس إستراتيجية تفاوضية جديدة يراد بها حل ما فشلت المفاوضات المباشرة وغير المباشرة في حله. إنها تعبير سياسي مريح يخفي ويضمر الوجهة الحقيقية للسياسة الأمريكية في المنطقة خلال عام 2011، فرض حالة من الاسترخاء، إعادة ترتيب بعض أوراق القوة وتجميعها، إعطاء الفرصة لخلق وقائع جديدة في جنوب السودان على سبيل المثال وربما استنزاف قوة بعض الأطراف الإقليمية الأخرى. وفلسطينياً، يمكن تفسيرها ليس من زاوية قطع الطريق على خيارات التصعيد التي تحدث عنها الرئيس أبو مازن، وإنما من زاوية إنقاذ السياسة الفلسطينية الرسمية من "الشطط" الذي عبرت عنه هذه الخيارات تحت تأثير ضغط الشارع الفلسطيني والتبجح الإسرائيلي غير المسبوق. أمريكا تنقذ حلفاءها وتنقذ إستراتيجيتها في ذات الوقت، ربما بتغيير هذه الإستراتيجية من "دفع الأوضاع نحو نقطة الحسم" إلى "تحقيق النتائج بالنقاط والتراكم".

 

وإذا كان الفلسطيني المغبون، والمتضرر الوحيد من هذا التأجيل والتسويف، غير قادر على تغيير اتجاه الريح، فبمقدوره، على الأقل، محاولة تبديل الأشرعة. قد لا يجدي نفعاً معاندة هذه الإستراتيجية مباشرة، فثمة دول تعدل من سياساتها ومواقفها طبقاً لما تعلن عنه واشنطن، وأحياناً طبقاً لما يُعتقد أنه رغبة واشنطن. ولكن هذا لا يعني قطعاً الانصياع للإرادة الظالمة والاستسلام لرغبات "مهندسي" سياسة البيت الأبيض وطموحاتهم. نقول في مثلنا الدارج، ربّ ضارة نافعة، ويقول الصينيون أن الأزمة تنطوي بالضرورة على فرصة وليس فقط على التهديد.

 

نحن بحاجة إلى تعديل أشرعة الوحدة والاستقواء بالذات والاستثمار في عوامل القوة الكامنة لدينا، ونحن بحاجة إلى تعديل إستراتيجيات مشاغلته لعدونا بالاستثمار في نقاط ضعف هذا العدو وقد برزت في الآونة الأخيرة على أسطع ما تكون. وإذا كان الرهان على قدرة الأطراف على خلق وقائعها على الأرض، فبمقدور الفلسطيني أن يخلق، هو الآخر، وقائعه على الأرض؛ الاستثمار في الصمود بمختلف أبعاده، والاستثمار في بناء المؤسسات، الاستثمار في الإرادة الدولية لحسم قضية الدولة وحدودها، الاستثمار في تعزيز الشرعيات المثلومة بسبب الانقسام، وأخيراً الاستثمار في توسيع جبهة التصادم مع الاحتلال بما يساهم في تعريته وإضعافه أخلاقياً على المستوى الدولي.

 

ومع كل ذلك، يجدر الانتباه إلى أن التحركات الأخيرة لرسل الإدارة ومبعوثيها، وخصوصاً دينيس روس، قد يكون غرضها إشاعة وهم الاسترخاء بما يسمح لهذه الإدارة، بالتنسيق الكامل مع إسرائيل، بأن تحسم أمرها فيما لم تحسمه حتى الآن. وهو ما يعني إغلاق البوابة الفلسطينية مؤقتاً وفتح بوابات أخرى، كالبوابة اللبنانية على سبيل المثال، أو أية بوابة تسمح بمرور وتمرير الإستراتيجية الأمريكية الساعية إلى ترتيب أوضاع المنطقة بما يخدم مصالحها وبما يحقق لإسرائيل بعض ما تسعى إلى تحقيقه في هذا الزمن الرديء. وفي كل الأحوال، ليس أمام الفلسطيني سوى الاستثمار فيما أسلفنا: الوحدة، الصمود، الجدارة المؤسساتية ومنازلة الاحتلال بما يستحق وبما يرد كيده إلى نحره.