أزمة الهجرة غير الشرعية في ليبيا

أزمة الهجرة غير الشرعية في ليبيا
الثلاثاء ٠٣ يوليو ٢٠١٨ - ١٠:٢٥ بتوقيت غرينتش

ظهرت على السطح في ليبيا خلال السنوات الماضية مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وبالأخص إلى السواحل الإيطالية، حيث تقدر السلطات في إيطاليا العدد المؤهل لمثل هذا النوع من الهجرة من الجماهيرية الليبية وحدها بـ1.5 مليون مهاجر، معظمهم من دول الشمال الأفريقي فضلا عن الدول الأفريقية الأخرى لاسيما من الصومال وإريتريا وتشاد وإثيوبيا.

الهجرة غير الشرعية وأسبابها

الهجرة غير الشرعية هي الطريقة التي يسلكها بعض الأشخاص للسفر من بلد لآخر بشكل غير قانونيّ أي دون أيّ التزام بقوانين أو أعراف البلد التي يريد المهاجر دخولها كتأشيرة الدخول التي تسمح له بدخول هذه البلد، ويلجأ العديد من الناس إليها وذلك لعدّة أسباب قد تكون أسباب قهريّة.

لا تقتصر الهجرة غير الشرعية على دخول البلد بشكل غير قانوني، فيمكن أن يدخل الشخص إلى دولة ما بواسطة التأشيرة لغرض الزيارة ومن ثم قيامه بالعمل في تلك البلد وعدم المغادرة بعد انتهاء فترة الفيزا، وهذا الأمر يختلف باختلاف مقاييس الدول وقوانينها.

هنالك الكثير من الأسباب التي تدفع الأشخاص للجوء إلى مثل هذا النوع من الهجرات، مثل وجود صراعات مسلّحة تجعل الأشخاص يهربون من الموت والدمار، التعرض للاضطهادات العرقية والإثنية والمتواجدة بكثرة في أفريقيا وبورما، الأسباب الاقتصادية كالبطالة وعدم المقدرة على توفير العيش الكريم، وهم في هذه الحالة غير معرّضين للموت أو العنف لكنهم يعانون من ضيق الحياة وعدم المقدرة على توفير احتياجاتهم الطبيعيّة.

مشكلة الهجرة غير الشرعية في ليبيا

ظهرت على السطح في ليبيا خلال السنوات الماضية مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وبالأخص إلى السواحل الإيطالية، حيث تقدر السلطات في إيطاليا العدد المؤهل لمثل هذا النوع من الهجرة من الجماهيرية الليبية وحدها بـ1.5 مليون مهاجر، معظمهم من دول الشمال الأفريقي فضلا عن الدول الأفريقية الأخرى لاسيما من الصومال وإريتريا وتشاد وإثيوبيا.

ويأتي معظم هؤلاء خاصة الأفارقة منهم بعد تجميعهم في أماكن التقاء داخل كل دولة على حدة، ثم تقوم عصابات التهريب بنقلهم عبر حافلات كبيرة إلى طرابلس وهناك ينتظرون عدة أسابيع إلى أن تنتهي عصابات التهريب من استكمال "تربيطاتها" مع بعض عناصر الشرطة وخفر السواحل مستخدمة في ذلك -كما يقول بعض المهاجرين- الرشوة.

وحينما يقترب موعد السفر يقسم المهاجرون إلى مجموعات يتراوح عدد كل منها ما بين 80 و100 ثم تنطلق بهم عصابات التهريب إلى مدينة زوارة الليبية التي تبعد عن سواحل إيطاليا بحوالي 150 ميلا بحريا يقطعونها في رحلة بحرية قد تستغرق يوما واحدا إذا كان الجو صحوا.

ومن زوارة تضع عصابات التهريب المهاجرين في قوارب مقابل مبلغ من المال يتراوح ما بين 900 إلى 1000 يورو، ثم يفاجأ الكثير من هؤلاء بأن حرس الحدود الإيطالية قد رصدهم بالرادارات وأجهزة الرصد الليلية المتطورة فيقعون بعد هذا العناء في قبضتهم ومن ثم يرسلونهم في الأغلب إلى معسكر للإيواء أقيم لهذا الغرض في جزيرة لامبدوزا جنوبي إيطاليا تمهيدا لترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.

من جانبها لم تنف السلطات الليبية وجود عصابات تهريب على أراضيها ولم تحاول أن تقلل من خطورتها، ودخلت وبأسلوب مباشر في الحديث عن الآليات الواجب اتباعها للقضاء على هذه الظاهرة أو على الأقل للتخفيف منها.

أزمة الهجرة غير الشرعية أمنية أو انسانية؟

وأرجع أحد خبراء الأمن الداخلي الليبي زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعتبرون ليبيا نقطة عبور لهم إلى طول الحدود البحرية والبرية والتي تبلغ في الأولى حوالي 1800 كلم وفي الثانية 6000 كلم، الأمر الذي يتعذر معه وضع حراسة فاعلة على طول هذه الحدود خاصة مع نقص التكنولوجيا العالية والمعدات المناسبة مثل الطائرات المروحية وأجهزة الرادار الساحلية والزوارق السريعة ومناظير الرؤية الليلية.

ولذا لم يكن مستغربا أن تبادر الحكومة الإيطالية يوم 3 يوليو/ تموز 2003 إلى توقيع مذكرة تفاهم مع ليبيا للحد من ظاهرة الهجرة وتقديم المعدات والمساعدات الفنية اللازمة لذلك.

ولا تقتصر وجهة النظر الليبية الرسمية على المنظور الأمني في معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية واستغلال أراضيها لهذا الغرض، ولكنها توسع من نظرتها للحل فتعتبرها مشكلة إنسانية واقتصادية تجب معالجتها وفق المنظور الإنساني الأشمل الذي من أبرز ملامحه خلق فرص عمل وضخ استثمارات في الدول الفقيرة من خلال تعاون دولي واسع.

ورغم وجاهة هذه النظرة فإن ما يتم على الأرض حتى الآن هو البعد الأمني فقط، ويأتي البعد التنموي في مستويات متدنية من الأهمية. ولعل ما أعلن عنه وزير الداخلية الإيطالي جوسيبي بيسانو أثناء زيارته ليبيا يوم 26 سبتمبر/ أيلول 2004 من رغبة بلاده في الاستفادة من ليبيا كمركز تجميع إقليمي لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا ما ينبئ عن ذلك، خاصة إذا وضع هذا التصريح جنبا إلى جنب مع ما أعلن في ختام تلك الزيارة عن حجم المعدات والمساعدات الفنية التي اتفق الطرفان على أن تزود بها روما طرابلس للتعامل مع ملف الهجرة والمتمثل في:

30 آلية عسكرية

طائرتين بمحركين

مروحية IB 412

طائرتي استطلاع بحري ITR 42

4 سفن بحرية يعمل على متنها أفراد من خفر السواحل والشرطة الليبية ويساعدهم 150 شرطيا إيطاليا.

وقد يؤشر كل ذلك على حقيقة بارزة تتمثل في أن حكومات الدول سواء المصدرة أو المستقبلة أو التي يتخذ المهاجرون غير الشرعيين أراضيها نقاط عبور، تلجأ دوما إلى الحل الأمني الذي يعتبر الأسهل لمثل هذه المشكلة المعقدة، وهو أمر لا ينذر فقط باستمرارية هذه الظاهرة وإنما بتفاقمها مستقبلا.