إدارة السعودية للحرمين.. انتقادات تجتاح العالم الإسلامي

إدارة السعودية للحرمين.. انتقادات تجتاح العالم الإسلامي
الأربعاء ٠٤ يوليو ٢٠١٨ - ٠٥:١١ بتوقيت غرينتش

عاماً بعد آخر، تواجه السعودية اعتراضات من قِبل دول عربية وإسلامية حول تفرُّدها بإدارة مناسك الحج والعمرة، لا سيما مع تكرار وقوع كوارث ناتجة عن سوء التنظيم تتسبب في وفاة أشخاص، فضلاً عن اتهامات من قِبل دول عديدة بتسييس الحج.

العالم - السعودية

ويتسم تعاطي النظام السعودي مع مسألة الحج بمزاجية واضحة وذلك في إطار ممارسة بعض الضغوطات على بعض الدول والحكومات التي تربطها مصالح وعلاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية مع الرياض وفي كل عام تعلو الأصوات المنتقدة والمتهمة للنظام السعودي نظراً لقيامه بتسييس الحج قبل موسمه أو بالتقصير في إدارة شؤون الحج وعدم الاهتمام بتأمين سلامة الحجاج على الوجه الأكمل.

وهذه الاتهامات والانتقادات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بوجود أزمة حقيقية يحاول النظام السعودي تجاهلها أو نفيها على أقل تقدير وهنا تؤكد العديد من التقارير الإخبارية بأن الحكومة السعودية تقوم برفع حصّة الحجاج للعديد من الدول التي تقوم بدورها باتخاذ بعض المواقف السياسية المساندة للرياض على الساحة الإقليمية والعالمية ولذا ومع اقتراب موسم الحج في كل عام، تعلو الأصوات في العديد من بلدان العالم الإسلامي والعربي للمطالبة بفصل الحج عن السياسية وعدم استخدام السعودية لهذه الشعيرة الدينية في إطار مشاريعها السياسية.

إنشاء هيئة دولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين

وكانت أحدث الخطوات المتخذة من قِبل دول إسلامية، والتي تؤكد عدم ثقة هذه الدول بإدارة الرياض للمناسك الإسلامية؛ إذ أُعلن في ماليزيا في يناير الماضي إنشاء هيئة دولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين والمشاعر المقدسة، وضمن ذلك المواقع التاريخية الإسلامية.

والهيئة، تسعى إلى وقف أعمال طمس الهوية الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة بالتوسع العمراني" الذي تقوم به المملكة و منع استفراد السعودية بإدارة المشاعر المقدسة بصورة تؤثر في سلامة الحجاج والمعتمرين، وضمان عدم إغلاق المشاعر أمام الزوار لأسباب غير مقنعة والتأكد من أن المملكة توزع حصص الحج والعمرة على الدول الإسلامية بصورة عادلة، وأنها لا تُسيِّس العبادات الدينية.

وقالت الهيئة إنها ستقوم بتحقيقات دورية في استخدام السعودية الأراضي المقدسة على مدى 100 عام لأغراض سياسية، ورصد الانتهاكات الميدانية، وتقديم النصح للمملكة.

وعلى مدى سنين طويلة، تقع حوادث -وُصفت بالكوارث- في مواسم الحج؛ سببها -بحسب مختصين- سوء إدارة تفويج الحجيج، آخرها ما شهده عام 2015 بوفاة 108 حجاج في حادث سقوط أكبر رافعة بالمسجد الحرام قبل بداية شعائر الحج وإصابة 238 آخرين. وبعدها بأيام قليلة، أوقع تدافعٌ 769 قتيلاً وجرح 934 بين الحجاج.

والنظام السعودي وكعادته يرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً ويقول بأنها ستبقى الوحيدة المختصة بتنظيم الحج، دون أي تدخلات خارجية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولكن بعض الدول الإسلامية والعربية رفضت هذا التعنت السعودي وقدمت الكثير من البيانات والتقارير التي تثبت وتؤكد وجود خلل جذري في أسلوب الإدارة وما يتعلّق بسلامة الحجاج.

استخدام اموال الحج في العدوان على دول اسلامية

وفي 27‏/06‏/2018 قامت نقابة الأئمة في تونس بتوجه دعوه إلى مفتي الديار التونسي لإصدار فتوى تبطل الحج لهذه السنة وقالت إن السعودية تستخدم اموال الحج في العدوان على دول اسلامية مثل سوريا واليمن وهذا مخالف للشريعة الاسلامية، داعية إلى ضرورة دفع السعودية لمراجعة هذه السياسات.

وحول هذا السياق أكد "فاضل عاشور" نقيب نقابة الأئمة، قائلاً: "إن هذه الدعوة ليس لها أي خلفية سياسية بل تهدف إلى لفت الانتباه للضرر الحاصل مما تسببه الأموال التي تذهب للنظام السعودي والتي لا تُستغل لدعم الفقراء والمحتاجين المسلمين في العالم بل على العكس لقتلهم وتشريدهم كما هو الحال الآن في اليمن".

 مشاعر المسلمين ورقة ضغط سياسية

العديد من المنظمات الحقوقية الدولية استنكرت في أوقات سابقة، تلاعب السلطات السعودية بحرية ممارسة الشعائر الدينية وتوظيفها فريضة الحج لتحقيق أجندات سياسية.

استخدام السعودية مشاعر المسلمين من جهة سياسية للضغط على دول؛ سعياً لتنفيذ رغباتها، تهمة طالت الرياض من قِبل عدة دول، وتجسدت بشكل واضح مع إيران ثم مع الجارة قطر.

وفي حين حُرم الحجيج الإيرانيون من أداء مناسك الحج بموسم 2016، اتفق الطرفان السعودي والإيراني على استئناف حج الإيرانيين في موسم 2017.

وتتهم إيران باستمرار، السعودية بوقوع كوارث في مواسم الحج، فضلاً عن فرضها شروطاً مشددة على الحجاج والمعتمرين، وتُشدِّد على أن تُدار هذه المناسك التي تشهد حضور أعداد كبيرة من مسلمي مختلف دول العالم، من قِبل جهات إسلامية متعددة.

الحجاج القطريون وللمرة الأولى، شهدوا موسم حج صعباً؛ وذلك بعد نشوب الأزمة الخليجية، في 5 يونيو 2017؛ على أثر قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، بدعوى "دعمها للإرهاب"، والذي تنفيه الدوحة.

اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، رفعت في يوليو 2018، شكوى إلى المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعنيِّ بحرية الدين والعقيدة، بشأن التضييقات السعودية على حجاجها ومعتمريها.

وأبدت قطر قلقها الشديد "إزاء تسييس الشعائر الدينية، واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، في انتهاك صارخ لجميع المواثيق والأعراف الدولية، التي تنص على حرية ممارسة الشعائر الدينية"، حسبما جاء في بيان لها.

وأوضحت اللجنة أن "السعودية، منذ بدء الحصار في الخامس من يونيو الماضي، اتخذت حزمة من الإجراءات والتدابير، من شأنها إعاقة سفر المواطنين القطريين لأداء شعائر الحج والعمرة".

وقالت: إن "السعودية سمحت للقطريين بالدخول إلى أراضيها عبر مَنفذَين جويين فقط، وتنطبق هذه القرارات على المواطنين القطريين المقيمين خارج قطر، حيث يتعين عليهم العودة إلى الدوحة ثم الدخول إلى الأراضي السعودية لأداء الشعائر الدينية عبر المَنفذين المحددين".

ليست فقط إيران وقطر، من وُضعت أمام مواطنيهما عراقيل أداء مناسك الحج والعمرة؛ بل شملت أيضاً مواطني اليمن وسوريا وفلسطين وليبيا.

ففي اليمن، وبسبب الخلافات والحرب بالبلاد ومشاركة السعودية فيها، واحتدام المعارك على الأصعدة كافة، فرضت الرياض مجموعة من القيود على حجاج اليمن، ومنعت إعطاء تصاريح لهم لأداء مناسك الحج.

وهذا ما دفع الفصائل كافة في اليمن لاتهام السعودية بمنع الحجاج اليمنيين من أداء فريضة الحج.

وفي الإطار نفسه صرّحت الحكومة السورية بأنَ السلطات السعودية تواصل فرض قيودٍ على المواطنين السوريين وتمنعهم من أداء فريضة الحج وذلك بسبب عدم وجود أي علاقات دبلوماسية بين الرياض ودمشق، ومنذ العام 2012، طلبت السعودية من جميع السوريين المتطلعين لأداء فريضة الحج الحصول على تأشيرات دخول من سفارتها الموجودة في بلدان أخرى غير سوريا.

أما الفلسطينيون، فقد أصدرت السلطات السعودية، في 2016، قراراً يحظر على المقيمين منهم بالدول العربية تأدية مناسك الحج والعمرة، مبرِّرة القرار بأنه صدر لمنع دخول عناصر "إرهابية" إلى المملكة.

وحرمت السعودية الليبيين من أداء شعيرة الحج ما لم يكونوا حاصلين على جواز السفر الإلكتروني.

وقالت وزارة الأوقاف الليبية إنها خاطبت وزارة الحج السعودية وطلبت منها إعفاء الحجاج الليبيين من هذا الشرط، إلا أنها ردَّت بالرفض، معلِّلة ذلك بأن القرار مطبَّق على كل الحجاج، وأشارت تقارير إعلامية إلى أن السلطات السعودية اعتقلت معتمرين ليبيين وسلَّمتهم إلى قوات حفتر، ويقبعون في سجن قرنادة.

من جهتها أبدت الحكومة الماليزية رفضها التام لأي محاولة لتسييس فريضة الحج وأعربت بأنه لا ينبغي أن تلعب السياسة دوراً في تشويه المسؤوليات الدينية تجاه الأمة الإسلامية.

وفي الهند خرج الآلاف من المسلمين في مظاهرة ضد النظام السعودي الذي حرم الكثير من المسلمين من أداء شعائر الحج ورفع المحتجون لافتات مناهضة للسعودية تطالب بعدم تسييس الحج وعدم ربط الخلافات السياسية مع الدول بأداء مناسك الحج والعمرة، كما طالب المحتجون بتحرير المشاعر الإسلامية من الإدارة السعودية.

وفي إندونيسيا نظمت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة الحج وقفة احتجاجية بمشاركة عدد من المؤسسات المحلية والعالمية واتحادات طلبة الجامعات الإندونيسية ولقد طالب المتظاهرين السلطات السعودية بإشراك الدول والمؤسسات الإسلامية في إدارة الحرمين الشريفين ودعوا إلى عدم استخدام فريضة الحج كورقة سياسية لممارسة الضغوطات على بعض الدول الإسلامية والعربية.

وفي سياق متصل قال عضو الرابطة المحمدية للعلماء المسلمين في المغرب الشيخ "عبد الحافظ صادق": إن استغلال السعودية للحج للضغط على الدول الإسلامية والعربية لتبنّي سياساتها أو حتى لرشوة أشخاص سياسيين وإعلاميين ودبلوماسيين ليكونوا أبواقاً لها، يدافعون عن مصالحها وخصوماتها مع الدول الإسلامية الأخرى أمر مرفوض شرعاً وقانوناً.

ولفت إلى أن هذا السلوك البشع قد لمسه العالم أجمع خلال موسم الحج الماضي عندما قامت الحكومة السعودية بمنع الأشقاء القطريين من أداء فريضة الحج لأسباب سياسية وأشار الشيخ "صادق" إلى أن ما حصل مع قطر ليس بالأمر الجديد، بل تكرّر سابقاً مع إيران وقبلها مع سوريا واليمن، فضلاً عن دول أخرى.

من جانبه، أعتبر الناشط الحقوق السعودي "يحيي عسيري"، أن هذا التوظيف الكامل للحج واستغلاله سياسياً واقتصادياً هو استغلال واستخدام لبيت الله الحرام وليس خدمة له ولضيوف الرحمن ولفت قائلاً: إن ما يحدث الآن هو محاولة لترسيخ وتقوية دعائم السلطة التي تستبد بالإدارة والقرار وحتى بالتفسير الديني للدين الإسلامي الحنيف وتستبد بكل ما يجري على هذه الأرض حتى المقدسات، التي أصبحت مثل الرهن الموجود تحت السلطة السعودية.

استغلال شعائر المسلمين للربح

تتسبب شعيرتا الحج والعمرة في إدخال عوائد مالية عالية للسعودية، سواء للحكومة أو للقطاع الخاص؛ إذ يفد الملايين من الحجاج والمعتمرين من مختلف دول العالم.

ورغم العوائد المرتفعة هذه، فإن السعودية تبنَّت رأي مجلس الشورى الذي أقر في 26 ديسمبر 2017، فرض رسوم على القادمين للعمرة للمرة الثانية.

وينص القرار السعودي، الذي أُقر في 2016، على أن كل من أدى العمرة خلال السنوات الثلاث السابقة، سيُلزَم بدفع رسوم التأشيرة الجديدة، البالغة 2000 ريال سعودي (نحو 533 دولاراً).

وفي تونس حددت وزارة الشؤون الدينية تسعيرة الحج بنحو 11.700 دينار تونسي (4450 دولارا) دون احتساب مصاريف الحجاج هناك.

القرار السعودي، واجه رفضاً واستياءً واسعين من قبل مواطني عدة بلدان إسلامية؛ يرون القرار حاجزاً يمنع أعداداً كبيرة من المسلمين من أداء مناسكهم.

وقد وجد دعوة المقاطعة استجابة قوية من عديد التونسيين الذين عبروا عن مساندتهم لإلغاء موسم الحج بمواقع التواصل وعلى وسائل الإعلام، مشيرة إلى أن ذلك يعكس حالة من السخط الشعبي على سياسات السعودية في شنها حروبا بالمنطقة.

وقال "فاضل عاشور" نقيب نقابة الأئمة في تونس خلال برنامج "ضيف وحوار" علی قناة العالم : كان هدفنا من هذا الاقتراح، حماية المقدسات من كل المتاجرين، فالحج مؤتمر عالمي يجب ان تتضافر كل الجهود فيه للارتقاء بشعوبنا الاسلامية وهذا لم يحصل علی مدی سنين طوال.

وأكد ان السعودية خرجت عن المألوف حيث مارست الحرب ضد جيرانها في الاشهر الحرم وصمتت أمام ما حدث في فلسطين من اتخاذ القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي.

وطالب عاشور تغيير الميقات الی القدس الشريف ثم التوجه من هناك الی مكة، مطالباً باشراف أممي علی هذه المراسم الدينية.

وتعويضا عن مقاطعة الحج، دعا عاشور التونسيين إلى زيارة مدينة القيروان وسط البلاد، التي تعتبر واحدة من أقدم العواصم العربية الإسلامية، لكنها تسجل سنويا أعلى معدلات حالات الانتحار والبطالة وتحتاج لهبة التونسيين لمساعدتها كغيرها من المناطق المحرومة.

وبعد خيبة الأمل التي مني بها الملف المغربي لتنظيم كأس العالم 2026، وخذلان بعض الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، عبرت مجموعة من الفنانين والممثلين المغاربة عن استيائهم من الأمر ودعوا إلى مقاطعة الحج وصرف مال الحج في أعمال الخير لصالح الفقراء، وذلك بعدما منحت السعودية صوتها للملف الثلاثي الأمريكي.

ونظراً لكل هذه الانتقادات الموجّهة للنظام السعودي، فإنه ينبغي على الدول الإسلامية والعربية الوقوف في صف واحد لمنع حكومة الرياض من تسييس الحج وتوظيف هذه المشاعر المقدسة في خلافاتها السياسية التي توسعت وطالت الكثير من الدول العربية واستغلتها في ابتزاز الأنظمة الإسلامية والشعوب لتحقيق أهدافها السياسية.