شيوخ السعودية و تبديل المواقف حسب رغبة ابن سلمان

شيوخ السعودية و تبديل المواقف حسب رغبة ابن سلمان
السبت ٠٧ يوليو ٢٠١٨ - ١٢:٢٧ بتوقيت غرينتش

تتلاعب الدولة السعودية بالخطاب الديني لإضفاء شرعية على سلطتها وتقويض الأصوات المستقلة التي قد تمارس ضغوطا على الدولة من أجل الإصلاح السياسي.

العالم - السعودية

وتكثر اليوم التساؤلات عن تلون “المؤسسة الدينية السعودية” عقب التغييرات التي يدخلها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على المجتمع المحافظ، إذ أنه على مدى عقود، نجحت تلك المؤسسة في الحفاظ على خطاب ديني متجانس، وقد عبر المثقفون والأكاديميون مرارا وتكرارا عن قلقهم من صرامة ذلك الخطاب، غير أن معظم العلماء المنتمين إلى السلطة، وحتى غير المنتمين لها، امتنعوا دائما عن الخوض في هذا النقاش.

وعن دور المؤسسة الدينية وتلونها وفق الاهواء السياسية في السعودية يتحدث معهد دول الخليج (الفارسي) في واشنطن، مبيناً أن هناك فئة من رجال الدين تبدلت آراؤها بشكل كبير بسبب ما سمي”إصلاحات”.

ولم يكن هناك الكثير من رجال الدين الذين حاولوا تغيير ذلك، مع النعم التي أغدقتها عليهم المؤسسة والجمهور المحافظ. ومع ذلك، لم تتجاوز موجة الإصلاحات الأخيرة المؤسسة الدينية حيث أتاحت فرصة للعلماء الرسميين لدعم خطط الإصلاح في البلاد”، مشيرا إلى خطوات بن سلمان شجعت على ظهور اتجاه جديد برز فيه ماسمي “الشيخ المستنير”، الذي يتحدى الفهم التقليدي للدين.

ويلفت تقرير المعهد إلى اتجاه “الشيوخ المستنيرين” بدأ عام 2009، عندما صرح أحمد الغامدي الرئيس السابق للجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة، أن الفصل بين الجنسين ليس له أساس في الإسلام. وفي بيان صدر عن الغامدي ناقش مبادىء أكثر إثارة للجدل، لأنه شكك في ممارسات جامدة تبررها المؤسسة، مثل غطاء الوجه، وحظر قيادة المرأة، وقد قوبلت آراؤه بانتقادات واسعة النطاق بين العلماء والمحافظين، مما أدى في النهاية إلى إقالته من منصبه.

بالتزامن مع آراء الغامدي بدأ الإمام السابق للمسجد الحرام في مكة، عادل الكلباني، بطرح آراء دينية مغايرة، إذ رأى أن الموسيقى لا ينبغي أن يتم تحريمها، مما أثار كبار العلماء الذين ضغطوا عليه لتغيير موقفه.

التقرير أشار إلى دور الداعية الذي عمل على مدى عقود في وزارة الشؤون الإسلامية، “سليمان الطريفي في معارضته لعلماء الدين الذين يبررون وينفذون تفسيرات جامدة من الإسلام، مثل المطالبة بالنقاب للنساء”، حيث يقول “إن الإسلام يدعم حقوق الإنسان، لكن المسلمين فشلوا في تطبيق ذلك، ويلقي باللوم في ذلك على عدم اهتمام الناس بجوهر الإسلام، مما يوحي بأن المسلمين لا يقتربون من الدين إلا من منظور ضيق يركز على أداء الواجبات”، وفق تعبيره.

عبدالعزيز الموسى، العضو السابق في المديرية العامة للإرشاد والمشورة في مكة، كان قد دعا إلى مشاركة أكبر للمرأة، وأبدى عدم اتفاقه مع الفصل بين الجنسين، يقول التقرير، مشيرا إلى أنه “غالبا ما يجادل معارضو ونقاد هؤلاء المشايخ أنهم غير مناسبين لشغل مناصب دينية”.

إلى ذلك، أوضح التقرير أن ما سمي بالإصلاحات ألغى دور “الشرطة الدينية، التي تقوم في كثير من الأحيان بدوريات في الشوارع تضايق النساء وأصحاب المتاجر والعمال، وتم إلقاء القبض على عشرات الأشخاص في عام 2017، بما في ذلك عدد من العلماء الذين يعتقد أنهم من منتقدي خطط الإصلاح، الأمر الذي أوجد بعض الضغوط على الآخرين للتأقلم”، وفق التقرير.

يعود التقرير إلى ديسمبر 2017، حين حل المعرض الأثري “طرق الجزيرة العربية”، والذي كان يقوم بجولة دولية منذ أعوام، وعرض المعرض قطعا أثرية محلية، بما في ذلك تماثيل الآلهة القديمة المزعومة، وحيث كان العلماء لعقود من الزمان ضد عرض التماثيل لارتباطها بالشرك، ولكن أثناء المعرض فوجئ العديد من المواطنين برؤية أعضاء من كبار العلماء يجوبون ممرات المتحف الوطني ويعبرون عن الإعجاب بالتماثيل والقطع الأثرية، وكان من بينهم سعد الشثري، وهو باحث انتقد أول جامعة مختلطة عام 2009، لكنه يبدو الآن أنه يتماشى مع مساعي السلطة في التغيير، يبين التقرير.

حملة ان سلمان المزعومة للإصلاح والتي ترافقت مع الاعتقالات، أجبرت كبار العلماء على الإنجراف نحو دعمها أو البقاء صامتين، إذ بدأ في فبراير الماضي، عبدالله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء، بالترويج بأن ارتداء النساء للعباءات ليس فرضا، وقال إن معظم النساء المسلمات في جميع أنحاء العالم لا يرتدينها.

قلل التقرير من أهمية فحوى آراء هؤلاء، مشيرا إلى أنهم “لم يقدموا الآراء المستنيرة في جميع الحالات، على العكس، قد لا يزال البعض منهم يؤمن بالممارسات أو التفسيرات الدينية التقليدية”، إلا أنهم يبدلون مواقفهم وآرائهم لتتماشى مع سياسات السلطة.

يخلص التقرير إلى أن “الآراء المتضاربة والمختلفة التي قدمها هؤلاء العلماء تساعد في هدم هالة “القداسة” التي تمتع بها بعضهم لأعوام. وأصبحت أهمية التفسير العلمي تقريبا بنفس أهمية النصوص الدينية نفسها، إن لم يكن أهم”، مشيرا إلى أن قداسة علماء الدين المفترضة فرضت عدم استجوابهم أو انتقادهم.
 

فتاوى برعاية الدولة في السعودية

وفي 21 آذار/مارس 2018، أُخلي سبيل الناشط مصطفى الحسن، بعد اعتقاله تعسّفياً منذ أيلول/سبتمبر 2017 إلى جانب العديد من المفكّرين والشخصيات العامة الذين طالبوا بالإصلاح الديني والسياسي. يبدو أن التوقيفات كانت تستهدف الأصوات الدينية المعتدلة التي تبنّت التغيير الديمقراطي والتي هدّدت بإنهاء احتكار الدولة للخطاب الديني، وهو احتكارٌ ترسّخ مع إصدار الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز آل سعود مرسوماً ملكياً في العام 2010 قضى بجعل هيئة كبار العلماء التي تحظى برعاية الدولة، الهيئة الوحيدة المخوَّلة بإصدار الفتاوى العامة.

وهكذا، عبر احتكار إصدار الفتاوى، ألغت الدولة – التي أرادت ظاهرياً حماية المجتمع السعودي من الفقهاء المتطرّفين أو غير المؤهّلين – "سوق الفتاوى الحرة" التي كانت تقدّم تفسيراتٍ متعددة وتترك للمواطنين تقييم كل واحدة منها وشرعيتها.

كذلك دشّن مرسوم 2010 هذه المرحلة الراهنة من سياسة الفتاوى المعتمدة من قبل الدولة السعودية، عبر فرض قيود على مضمون الفتاوى الصادرة عن الهيئة، وإملاء هذا المضمون بما يُساهم في تعزيز الأهداف التي تتوخّاها الدولة. وكان هذا الاحتكار للفتاوى واضحاً في شكل خاص في رد الفعل على مطالبة مناصري حقوق المرأة بحرية الحركة، وعلى حملة "اختيار لا إجبار" دعماً لحق المرأة في قيادة السيارة. فبعد الجهود التي بذلها نشطاء سعوديون على امتداد عقود، منحَ أمرٌ ملكي، في 26 أيلول/سبتمبر 2017، المرأة حق القيادة.

كانت العبارات التي صيغ بها المرسوم لافتة جداً: "نشير إلى ما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن قيادة المرأة للمركبة من أن الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة". يُشير المرسوم إلى فتوى غير منشورة أعدّتها هيئة كبار العلماء من أجل الغاية الواضحة المتمثّلة بمنح المرسوم أساساً قانونياً يُجيز للمرأة قيادة السيارة.

لا تجسّد هذه الفتوى غير المنشورة تغييراً صادقاً ومفاجئاً في الآراء، بل تُظهر تلاعب الدولة الفاضح بالمؤسسات الدينية. فعلى امتداد أكثر من ثلاثين عاماً، حذّرت الفتاوى الصادرة، برعاية الدولة، عن الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وهي لجنة فرعية تابعة لهيئة كبار العلماء – حذّرت حينئذٍ النساء من مغبّة قيادة السيارات، أو الاختلاط مع الرجال، أو الكشف عن وجوههن. ولم يكتفِ صالح الفوزان، وهو عضو نافذ في هيئة كبار العلماء، بالتحذير من قيادة المرأة للسيارة، بل حذّر أيضاً من مغبة قيادة النساء للدراجات النارية، وأشار رئيس هيئة كبار العلماء، عبد العزيز آل الشيخ، إلى أن مساوئ قيادة المرأة للسيارة تفوق بمراحل إيجابياتها. وقد تمكّنت الدولة تحديداً من تخطّي المعارضة الشديدة لقيادة المرأة للسيارة عبر توليد الانطباع بأن هؤلاء العلماء بدّلوا رأيهم فعلاً، ولم يسيروا خلف موقف الدولة المتغيِّر. وقد حرص المرسوم على عدم الإشارة إلى الفاعلين غير الحكوميين، والأهم من ذلك، عدم نَسب الفضل إلى النشطاء المدنيين والنسويين الذين ناضلوا طوال عقود من أجل حقوق المرأة. من خلال الإشارة إلى هيئة كبار العلماء والفتوى الصادرة عنها، أضفت الدولة شرعية دينية أكبر على المرسوم، وقدّمت التغيير بأنه بادرة سخاء ملكية.

في حالات أخرى، تتقبل الدولة أي فتاوى غريبة أو متشددة صادرة عن الهيئة لأنها تعتمد على كبار العلماء من أجل الحصول على الشرعية. في العام 2017، أصدر مفتي السعودية أكثر من ثماني فتاوى وبيانات حذّر فيها من مغبّة عصيان الحاكم الشرعي (أي الملك)، وتحدّث عن فضائل الولاء للحاكم الراهن – ما ساهم بصورة مطّردة في تعزيز السلطة الدينية للنظام الملكي.

في فتوى صادرة في آذار/مارس 2016، قال مفتي المملكة عبد العزيز آل الشيخ إن المؤمن ملزَم بأن يحبّ الحاكم ويدافع عنه، ويمتنع عن إهانته. جميع الفتاوى والبيانات الصادرة يمكن استعمالها بأوجه متعدّدة، وقادرة على التكيّف مع التغييرات في الهرم السياسي. فعندما عُيِّن مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد في آذار/مارس 2014، كانت إطاعة الحاكم تعني التعهّد بالولاء له، لكن اعتباراً من كانون الثاني/يناير 2015، باتت هذه الطاعة تعني التعهد بالولاء لمحمد بن نايف بصفته ولياً للعهد. واعتباراً من حزيران/يونيو 2017، أصبح محمد بن سلمان هو المقصود من هذه الفتاوى. على الرغم من هذه التغييرات السياسية خلال الأعوام القليلة الماضية، استطاعت هيئة كبار العلماء استخدام الآيات القرآنية والنصوص التقليدية نفسها في الفتاوى المنتظمة التي تشجّع على الولاء لولي العهد أو لأي أحد يخلفه.

لذلك يمنع احتكار الدولة للشريعة الإسلامية من صدور فتاوى عن المفتين المستقلين الذين يدعون إلى تفسير الإسلام بأسلوب أكثر اعتدالاً ومواءمة للديمقراطية. في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ألقي القبض على الباحث المستقل والقاضي السابق سليمان الرشودي، المؤسس المشارك لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، بعد نشره فتوى عن حق التجمع، وعن الأسس الإسلامية لحقوق الإنسان والحريات. كذلك اعتُقِل الباحث البارز والمفتي المستقل سلمان العودة في أيلول/سبتمبر 2017 في إطار حملة القمع واسعة النطاق التي تشنّها الدولة ضد المعارِضين. يُعرَف العودة في شكل خاص بتوقيعه عريضة طالبت في العام 2011 بإجراء انتخابات، وملاحقة قضايا الفساد، وحماية الحريات المدنية، والإفراج عن السجناء المحتجزين تعسّفياً ومن دون محاكمة، كما أنه ساهم في ترويج العريضة شعبياً. بيد أن هيئة كبار العلماء بذلت مجهوداً أكبر لتبرير الوضع القائم، بغض النظر عن المبادئ الدينية. غالباً ما كان دور الهيئة نقل رسائل الدولة في شكل فتاوى كلاسيكية، مثلاً بهدف حظر التظاهرات العامة و"الأحزاب السياسية المنحرفة" والتحذير منها كما في العام 2017،. بيد أن استخدام الدولة المتزايد للهيئة كأداة في يدها يتسبّب بإضعاف دور الهيئة وشرعيتها.

لو كان هدف الهيئة الحقيقي الحد من صدور فتاوى متشدّدة أو غير سليمة فقهياً، لكان يجدر بها أن تبدأ مع أحد أعضائها البارزين، صالح اللحيدان، الذي اشتهر بإصداره فتوى في العام 2008 دعا فيها إلى إنزال عقوبة الإعدام بمالكي القنوات التلفزيونية التي "تُفسِد المجتمع السعودي". وفي العام 2017، أعلن زميله في الهيئة صالح الفوزان أن كل من يشكّك في أن الشيعة كفّار هو نفسه كافر. وفي فتوى أشد غرابة، ادّعى الفوزان، في العام 2014، أن "البوفيه المفتوح" محرَّم في الإسلام. بما أن الدولة تعوِّل على مثل هذه الشخصيات الدينية وعلى خطابها لإضفاء شرعية على سلطتها، تقبل بهذا التشدّد طالما أنه لا يُهدّد بتقويض الولاء للحاكم. وهكذا فإن معركة الدولة ضد الفتاوى غير الصادرة عن جهات تابعة لها ليس الهدف منها مكافحة التطرف بقدر ما هو كبح الأصوات الإصلاحية المستقلة التي قد تمارس ضغوطاً على الدولة لتطبيق الإصلاح السياسي وتوسيع مساحة الحريات الفردية.

قد ينجح إحكام الخناق على الخطاب الإسلامي المعتدل والمستقل، في إسكات الأصوات الديمقراطية داخل الإسلام في السعودية، لكنه سيولّد أيضاً فراغاً يتقدّم لملئه الخطاب الأقل اعتدالاً الذي أظهرت الدولة تقبّلاً له.

هيئة كبار علماء السعودية.. فتاوى تحت الطلب

على مرّ العقود الثمانية الماضية من عمر السعودية، كانت هيئة كبار العلماء بالمملكة مصدراً مستقلاً لإصدار الفتوى بعيداً عن هوى مؤسسة الحكم وبما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، لكن هذا الحال تغيَّر رأساً على عقب خلال السنوات الثلاث الماضية.

فبعد صمتها عن إعادة فتح السينما، وترحيبها بقرار الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، بالسماح للمرأة بالقيادة، بعد أن كانت قد أشبعت الأمر بسلسلة فتاوى تؤكد تحريمها، تبرر اليوم قرار الحكومة السعودية زيادة الأسعار والتي أثارت جدلاً واسعاً، بأن "الله هو من يرفع الأسعار"، وتعدَّى الأمر سلسلة من الفتاوى التي تتعلق بحياة الناس الخاصة والتي كانت في السابق من المحرمات.

كما أن هيئة كبار العلماء أيدت ببيان لها، في نوفمبر الماضي، الاعتقالات التي طالت أمراء ووزراء ومسؤولين سابقين، وقالت إن محاربة الفساد لا تقل عن محاربة الإرهاب، وإن الحفاظ على الوطن يتطلب ذلك.

وقبل ذلك، تعدى الأمر الجانب الاجتماعي بدعم المواقف السياسية المتحولة للرياض، فعلى الرغم من تأكيدها وحدة الأمة ونبذ الخلافات على مر عقود، سارع المفتي العام للمملكة، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، بعد إعلان بلاده مقاطعة قطر وفرض حصار عليها، إلى تأييد الخطوة.

وأكد أن القرارات التي اتخذتها السعودية وعدد من الدول ضد قطر "أمور إجرائية، فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم"، مضيفاً أن هذه القرارات "مبنيَّة على الحكمة والبصيرة، وفيها فائدة للجميع".

 اختلاط عائلي "مباح"

ولعل آخر هذه الفتاوى المجتمعية ما صدر عن عضو هيئة كبار العلماء، المستشار في الديوان الملكي السعودي، الشيخ عبد الله المطلق، الذي أفتى بجواز الاختلاط العائلي بجلوس الإخوة مع زوجاتهم جميعاً، مشيراً إلى أنه لا بأس من الحديث والضحك "لكن من دون الخلوة"، ووجَّه انتقادات لاذعة لمن يتشدد في ذلك.

وقال "المطلق" في ردٍّ على سؤال بهذا الشأن: إنه "لا بأس في السلام على زوجة الأخ بالكلام، والسؤال عن أحوالها، ويجوز أن يجلس الإخوة مع زوجاتهم جميعاً يتناولون الشاي والقهوة، مع التستّر والحشمة والحجاب، ويتحدثون ويضحكون جميعاً، لكن من دون الخلوة".

وانتقد الشيخ "المطلق"، في برنامج "فتاوى على السعودية"، الاثنين (5 مارس 2018)، ما سماه "التشدّد والتزمّت، أو التساهل والتسيّب"، في التعامل الأسري مع زوجات الإخوة، مشيراً إلى أن "كليهما يتساوى في الخطأ".

وتناول أيضاً حال الناس بين التشدّد والتساهل فيما يتعلّق بالعلاقات الأسرية مع زوجات الإخوة.

وقال "المطلق": "لدينا قسم متشدّد، حتى إن زوجة أخيه لا يريد أن يسلّم عليها بالكلام، ولا يجلس وإياها وإخوانه في مجلس واحد"، وأضاف: "في المقابل، هناك قسم متسيّب ومتساهل؛ يجلسون ويأكلون جميعاً ويصافح زوجة أخيه باليد، وكلاهما خطأ".

"ربانية" في السياسة

أما الخطوة الحكومية الجديدة في الغلاء ورفع الأسعار، فاستخدمت توظيفاً جديداً للدين، في محاولة لإسباغ صفة "الربانية" على زيادة الأسعار بالسعودية. وبحسب مقطع فيديو مصور، فقد زعم الداعية خالد الفليج أن "الله هو الذي يرفع الأسعار، وهو الذي ينزلها سبحانه وتعالى"، مضيفاً: "نقول ذلك؛ لأن الله من أسمائه المسعّر، وهو الذي يسعّر، وإن الله هو الذي يرفع هذه القِيَم وهو الذي يخفضها".

الأمر لم يتوقف عند الفليج، فقد برر عضو هيئة كبار العلماء السعودية، الشيخ عبد الله المطلق، الضرائب التي أقرَّتها حكومة المملكة، باعتبارها "جائزة"، داعياً الدعاة وأئمة وخطباء المساجد لتبيان ذلك للناس.

وقال لإذاعة "نداء الإسلام": "لا بد من أن نردَّ على الجاهلين الذين لا يفرِّقون بين هذه الضرائب الجائزة والمكوس المحرَّمة، لقطع الطريق على الحاقدين والمتربصين الذين يسعون إلى زرع الفتنة والشقاق بين الدولة والمواطنين".

وطالب "المطلق"، المستشار في الديوان الملكي، "الدعاة وأئمة وخطباء المساجد بتبيان الوجه الشرعي فيما يتعلق بقرارات الدولة، ومنها تطبيق الضرائب التي أقرَّتها مقابل الخدمات التي تقدِّمها، وكأحد مصادر دخلها واقتصادها الوطني".

وأشار إلى أن "مثل هذه الأمور قد يتحدث فيها بعض الحاقدين لزرع البغضاء بين الدولة والمواطنين، أو بعض الجاهلين الذين لا يفرِّقون بين الضرائب هذه والمكوس التي ذمَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وأضاف، بحسب ما نقلته صحيفة "سبق" المحلية: "الحكومة التي تنظم الأمر، وتوظف رجال الأمن والقضاة، وتنشئ الطرقات، وتنظم البلديات وأمور التجارة، وتفتح مستشفيات الصحة، وتعمل هذه الأعمال وتأخذ من الناس ما يُعينها على هذه الخدمات؛ فهي ليست مكوساً وليست أشياء محرَّمة متى ما استُعملت فيها الخدمات النافعة"، متسائلاً: "من أين تأتي الدول بالميزانية؟ الآن الدولة في حاجة".

جاءت تلك الفتاوى بعد أن كان رفع الأسعار وفرض ضرائب على السلع والخدمات قد أثارا موجة غضب في الشارع السعودي مؤخراً، وهو ما استدعى المملكة لاستنفار مسؤوليها ووسائل إعلامها لامتصاص غضب الشارع.

وبناء على رؤية التحول 2030، سمحت المملكة بأمور اجتماعية كانت محرمة منذ تأسيس المملكة، ومنها السماح بافتتاح دور السينما، وحفلات الغناء العلنية، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، في حين استعانت بالمؤسسة الدينية لإصدار فتاوى جديدة تناقض مواقفها التقليدية، وتجيز هذه المحرمات الاجتماعية، تماشياً مع ما يوصف بمرحلة "الانفتاح".

دوام الحال من المحال

فعلى مدى عقود، كانت المؤسسة الدينية في السعودية صاحبة الحق بتفسير الإسلام، مدعومة من العائلة الحاكمة، ومستفيدة من ثروات النفط الهائلة لتركيز سيطرة السعودية ونشر مذهبها بعموم العالم.

ويعود تحالف رجال الدين والعائلة المالكة إلى تأسيس الأسرة السعودية في القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الحين حكمت العائلة بتوجيه من رجال الدين الذين منحوا حكم آل سعود الشرعية الدينية، واستمر التحالف من خلال تأسيس المملكة السعودية في عام 1932، حيث تشكلت الدولة السعودية بصيغتها الإسلامية الصارمة.

إلا أن الوضع بدأ يتغير بسرعة مع وصول ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي يسعى لكبح جماح السلطة الدينية بالسعودية، في إطار حملة كبيرة يشنها من أجل ترسيخ قوته ونفوذه.

وأظهر بن سلمان، منذ بزوغ نجمه، لا مبالاة بقرارات المؤسسة الدينية التقليدية، وصدم بإجراءاتها؛ فبعد تقليصه صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف، أنشأ هيئة أخرى للترفيه سمحت بالموسيقى والعروض الغنائية والحفلات، كما سيتم السماح للنساء بالدخول إلى الملاعب، التي كانت محظورة عليهن.

وجرد الأمير الشاب الشرطة الدينية، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من صلاحياتها، وأعلن بنفسه نيته العودة بالسعودية إلى "الإسلام الوسطي"، حسب ما سماه.

وأيد العديد من الشباب السعوديين إصلاحات بن سلمان؛ بحثاً عن حياة بعيدة عن الضوابط الصارمة التي كانت تفرضها هيئة الأمر بالمعروف؛ لكن هذا التحول الكبير -كما يرى سعوديون على وسائل التواصل الاجتماعي- سيكون تحدياً خطيراً في مجتمع محافظ اعتاد الالتزام الشديد بتعاليم الإسلام، وهو ما قد ينقلب عكسياً على السلطة.