10/1/2010 علي عبدالعال aliabdelal75@gmail.com

الإثنين ١٠ يناير ٢٠١١ - ١٠:١٨ بتوقيت غرينتش

السلفيون والموقف من التصعيد أمام الدولة لم يصدر أي فعل احتجاجي من قبل "الدعوة السلفية" في الإسكندرية على موت (السيد بلال) الذي اتهمت أسرته مباحث أمن الدولة بتعذيبه حتى الموت بعد احتجازه على خلفية تفجير كنيسة "القديسين" ومعه ما يقارب من 300 سلفي آخر. بل ونفى السلفيون ما تناقلته بعض الصحف بشأن اعتزامهم تنظيم وقفة احتجاجية على خلفية الواقعة.

السلفيون والموقف من التصعيد أمام الدولة

لم يصدر أي فعل احتجاجي من قبل "الدعوة السلفية" في الإسكندرية على موت (السيد بلال) الذي اتهمت أسرته مباحث أمن الدولة بتعذيبه حتى الموت بعد احتجازه على خلفية تفجير كنيسة "القديسين" ومعه ما يقارب من 300 سلفي آخر.

بل ونفى السلفيون ما تناقلته بعض الصحف بشأن اعتزامهم تنظيم وقفة احتجاجية على خلفية الواقعة. كما اكتفوا إعلاميا بأن صدروا موقع "صوت السلف" الموقع شبه الرسمي للدعوة السلفية في الإسكندرية (بنر) تضمن عبارات ("اللهم تقبل موتانا في الشهداء"، "اللهم أنتقم من الظالمين"، "اللهم إنا مغلوبون فانتصر").

وأثار هذا التوجه أكثر من تساؤل حول الموقف السلفي الذي يبدو غير منسجما إذا ما قورن بحالات احتجاجية باتت متزايدة في الشارع المصري ودائما ما تنظمها قوى معارضة دفاعا عما تتبناه من قضايا، كان آخرها احتجاجات الأقباط على خلفية حادثة الكنيسة والتي عمت كثير من المدن.

وكانت "الدعوة السلفية" قد أدانت التفجير الذي وقع ليلية رأس السنة الميلادية، واعتبرته ـ في بيان رسمي غير مسبوق ـ "مفتاح شر على البلاد والعباد". مؤكدة أن "المنهج الإسلامي الذي تتبناه - والقائم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة- يرفض هذه الأساليب" التي تخدم فقط أهداف من لا يريدون بمصر خيرًا.

ومنذ نشأت دعوتهم أوائل سبعينيات القرن الماضي والسلفيون يتعرضون لمضايقات أمنية بسبب انتشارهم في الإسكندرية، وتمدد دعوتهم إلى غيرها من المحافظات والأقاليم. وقد تنوعت هذه المضايقات بين الاعتقال، والمنع من الكتابة، والخطابة، ومصادرة الكتب، وإغلاق مواقع الإنترنت التابعة لهم.

فبالرغم من موقفهم المعلن برفض العنف والتنديد به، كما لم يثبت أنهم شاركوا في أي من عملياته التي مرت على المجتمع المصري خلال العقود الماضية، إلا أنه وفي العام 1994 جرى حل "المجلس التنفيذي"، الذي كان يشرف على ترتيب عملهم الدعوي والإغاثي، وتم مصادرة "معهد إعداد الدعاة" وإغلاق مجلة "صوت الدعوة" التابعة لهم، كما جرى اعتقال عدد كبير من دعاتهم وشيوخهم.

إلا أن السلفيين وبالرغم من كل ذلك ظلوا حرصين على عدم التصعيد السياسي والإعلامي أمام أجهزة الدولة انطلاقا من منهجهم الفكري السلمي.

ولم يقفوا يومًا في وجه السلطات الأمنية مصطدمين بهم "وإن ضيقت عليهم السلطات"، على حد قول علاء الدين عبد الهادي في مقاله (السلفيون وحفظ الأوطان).

يضيف: ولم يشتبكوا معهم أو يناوشوهم، إذ يرونهم (يقصد أجهزة الأمن) محل دعوة كغيرهم من المسلمين، ولم يتحدوهم ليعلنوا حالة من الفوضى المتعمدة، ولم يلقوا عليهم يومًا قنابل المولوتوف ولا أدموهم بالحجارة، ولا واجهوهم بالأسلحة البيضاء والعصي وقضبان الحديد. في إشارة إلى ما يصدر عن غيرهم من القوى والجماعات.

إلى أن ينتهي للقول: ذلك كله وغيره "كثير لم يفعله السلفيون؛ ليس ضعفًا منهم أو غفلة عن هذه الأساليب الرخيصة، ولكن لقوة لديهم يستمدونها من الشرع، وليقظة لديهم تدلهم على عدم مشروعية كل هذه الأعمال التخريبية وخطرها على أوطانهم ودعوتهم".

إذ يستند هذا الموقف السلفي إلى رؤية شرعية، يوجزها الداعية الشيخ ياسر برهامي بقوله: إن "الدعوة السلفية تعد جزءا من واقع مليء بالحسابات المعقدة، ونحن نجتهد قدر الطاقة في فعل ما فيه جلب المصلحة ودرء المفسدة دون تعجل ودون أن نستجلب على أنفسنا أو على دعوتنا البلاء، بل شعارنا "والله لا يعطوننا خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبناهم إليها"".

وخلال تعليقه على حادثة تفجير الكنيسة، انتقد د.محمد إسماعيل المقدم، منهج بعض القوى الغربية التي تشجع على ما تصفه بـ "الفوضى البناءة" داخل المجتمعات للوصول إلى غايات محددة، قائلا: "إن الفوضى عندنا دائما هدامة" لأن ثمن الفوضى في المجتمعات الإسلامية يأتي دائما على حساب "الدعوة إلى الله"، مؤكدا على الرؤية السلفية التي ترى في "الاستقرار" وعدم الانزلاق إلى مصب الفتن مما "يفيد الدعوة".

وهو نفس المعنى الذي تضمنه بيان الشيخ أبو إسحاق الحويني، واعتبر فيه الهدف من تفجير الكنيسة "إشعال نار الفتنة" في البلاد، بإشاعة "الفوضى الخلاقة" لأن "الفتنة إذا وقعت واتصل شرها بالعوام فلن يستطيع إطفاءها كل عقلاء الدنيا"، وهو ما يستلزم ـ برأيه ـ توعية الجماهير بالأحكام الشرعية ونشر العلم الصحيح بينهم. وهو ما تقوم عليه الدعوة السلفية.

لكن هذا التوجه السلفي لم يمنع محللين من التحذير من أن حملة الإجراءات الصارمة التي تقوم بها أجهزة الدولة ضد الأصوات الإسلامية المعتدلة ربما تدفعها إلى انتهاج وسائل أخرى.

محذرين من أن الضغط الأمني العنيف الذي يجري بحق السلفيين بعيدا عن القانون قد يأتي بمردود لا تحمد عقباه. ففي مداخلة مع قناة "الجزيرة" رأى الدكتور كمال حبيب ـ الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ـ أن ذلك "قد يفتح بابا من الشر نحن في غنى عنه".

ودعم هذا الرأي تعليقات صدرت عن بعض الشباب السلفيين في إطار نقاش بينهم حول ما تعرض له الشاب "السيد بلال". فقد كتب أحدهم على موقع التعارف الاجتماعي "فيس بوك" بلهجة عامية يقول: "لحد أمتى (حتى متى) هنفضل مستضعفين ...؟؟؟؟ سيد بلال ده (هذا) كان ممكن يبقي أنا أو أنت أو أي حد وفي غيره كتير جاي ...... ليه محدش (لا أحد) بيعملنا أي حساب مع أننا جماعة لها ثقلها ومنهجها معروف".

وخلال النقاش نفسه الذي شارك فيه عدد كبير من الشباب السلفي، قال آخر بنفس اللهجة: "ما هو أصل إحنا الحيطة المايلة (الحائط المائل) إحنا اللي ما لناش ثمن، إحنا اللي اعتقلنا تطهير للمجتمع، إحنا اللي موتنا تقدم وحياتنا رجعية".

وكانت هذه ردود، علقا بها على تساؤلات طرحها أحدهم الذي أطلق على نفسه "أبو الفرج المصري" وكان منها :"إذا كان الجاني في تفجير الكنيسة مجهولا حتى الآن؛ فهل سيُعاقب الجاني في جريمة السيد بلال" وهو الذي يفترض أن يكون معروفا بمجرد انتهاء التحقيقات.

فقد أمرت النيابة العامة المصرية بعرض جثة بلال على الطبيب الشرعي، بعدما قال شقيقه إبراهيم: "إن الجثة كانت عليها علامات تعذيب وآثار حرق". وعلى إثر ذلك قدمت الأسرة بلاغًا للنيابة العامة، متهمة جهاز أمن الدولة بتعذيبه حتى الموت.

كما اتهم عدد من المنظمات الحقوقية الشرطة باستخدام أساليب "وحشية" ضد المعتقلين، وذهبت إلى أن قوات الأمن تعمل دون عقاب ويساعدها في ذلك قانون الطواريء المطبق منذ عشرات السنين. وقال مركز "ضحايا" لحقوق الإنسان في بيان له: إن الأجهزة الأمنية دفنت الجثة ليلاً "رغمًا عن أهله" الذين رفضوا دفنه. وطالب المركز بسرعة الكشف عن وقائع هذا الحادث المروع واستخراج الجثة وإعادة تشريحها لمعرفة السبب الرئيسى للوفاة".