العمالة الأجنبية تغادر السعودية بمعدلات غير مسبوقة.. والسبب..

العمالة الأجنبية تغادر السعودية بمعدلات غير مسبوقة.. والسبب..
الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٨ - ٠٤:٢٧ بتوقيت غرينتش

لم يفاجئنا التقرير الذي نشرته صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية الشهيرة وحمل عنوانا مثيرا يقول أن “العمالة الأجنبية تغادر السعودية بمعدلات غير مسبوقة.

العالم - السعودية

ويعود سبب ذلك الى سياسات “السعودة” التي تتبعها السلطات، والرسوم العالية والمبالغ فيها التي تفرضها على الأجانب وأسرهم، والتباطؤ الاقتصادي، وغلاء المعيشة.

الإحصاءات الرسمية السعودية تقول ان 667 ألف عامل أجنبي غادروا المملكة العام الماضي فقط، ويؤكد الخبراء أن هذا العدد قد يتضاعف مرتين بنهاية العام الحالي 2018، فالدولة تفرض رسوما عالية على الأجانب، فبات على كل معيل أن يدفع 27 دولارا على أي فرد من أسْرته شهريا، سترتفع إلى 106 دولارات في عام 2020، هذا بالإضافة إلى رسوم الخروج والعودة التي تضاعفت ثلاث مرات، وكذلك رسوم تجديد الإقامة ورخصة القيادة، ورخصة السيارة، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وفرض ضرائب مستترة مثل ضريبة القيمة المضافة.

أحد العاملين الأردنيين في المملكة قال لـ”رأي اليوم” في اتصال هاتفي أنه رحل جميع أفراد أسرته إلى الأردن، وبقي وحده في الرياض، وربما يلحق بهم قريبا، لأنه لم يعد قادرا على دفع إيجار السكن ومواجهة غلاء المعيشة، ودفع حوالي 35 ألف ريال (عشرة آلاف دولار) سنويا لتجديد إقامته وأسرته، علاوة على الرسوم الأخرى، وأقساط أبنائه في المدارس الخاصة، والضمان الصحي، حيث تمنع السلطات السعودية معظم الأجانب من الدراسة في المدارس الحكومية والعلاج في مستشفيات الدولة المجانية.

العمالة الأجنبية لعبت دورا كبيرا في الاقتصاد السعودي طوال العقود الماضية، خاصة في قطاعات التعليم والبناء والصحة والمقاولات، والتكنولوجيا، ويشكل العمال الأجانب ثلث السكان البالغ تعدادهم 33 مليون نسمة، ويشغلون 80 بالمئة من وظائف القطاع الخاص.

رؤية 2030 التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي تركز في أبرز بنودها على تقليص العمالة الأجنبية، وفتح القطاع الخاص للسعوديين، وتوفير 1.2 مليون وظيفة لهم، على أمل تخفيض معدلات البطالة في صفوفهم من 13 بالمئة حاليا إلى حوالي 9 بالمئة في عام 2020، ولكن خبراء اقتصاديين غير متفائلين بقدرة السلطات على تحقيق هذه الاستراتيجية، فالدراسات المسحية تؤكد أن السعوديين لم يشغلوا الشواغر الناجمة عن مغادرة العمالة الأجنبية في القطاع الخاص، مضافا إلى ذلك أن رفع القيود عن مشاركة المرأة السعودية في الوظائف، سواء في القطاع العام أو الخاص، سترفع من معدلات البطالة في صفوف السعوديين على المدى القصير على الأقل.

53 بالمئة من الأجانب العاملين في السعودية يتقاضون رواتب شهرية في حدود 3000 ريال، أي ما يعادل حوالي 800 دولار، وهو دخل منخفض لا يمكن أن يوفر إقامة مريحة لهؤلاء وأسرهم، خاصة أن السلطة السعودية ما زالت تطبق “نظام الكفيل”، ولا تمنح هؤلاء الإقامة الدائمة، أو الحصول على الجنسية حتى لو أقام في البلاد ألف عام، وعاش عمر سيدنا آدم عليه السلام.

الأمير بن سلمان تحدث في أحد مقابلاته التلفزيونية قبل عامين عن إمكانية تطبيق النظام الأمريكي على العمالة الأجنبية، ومنح بعضهم الإقامة الدائمة، أو البطاقة الخضراء، الأمر الذي أثار موجة من التفاؤل في أوساط هؤلاء، خاصة الذين أقاموا في المملكة لأكثر من نصف قرن، ولكنه لم يعد يأتي على سيرة هذا الوعد مطلقا، ويبدو أنه تراجع عن الفكرة كليا.

الاقتصاد السعودي عاد إلى النمو مجددا، وبلغت نسبة النمو حوالي 2.4 في الربع الأول من هذا العام، بعد انكماش في العام الماضي بسبب انخفاض أسعار النفط، ولكن اعتقال حوالي 350 من كبار رجال الإعمال بتهم الفساد، واسترداد ما يقرب من مئة مليار دولار من أموالهم وأصولهم، هز الثقة بالاقتصاد السعودي، وقلص من حجم الاستثمارات، مثلما قال لنا خبير اقتصادي سعودي بارز يعيش في لندن.

صحيح أن هناك مؤشرات “حدثية” بتخفيض إجراءات “السعودة” التي اتبعتها الحكومة طوال السنوات الخمس الماضية وشددتها مؤخرا، مثل تخفيض القيود عن تولي العمالة الأجنبية وظائف في قطاعات جرى إغلاقها في وجههم وقصرها على السعوديين فقط، وصحيح أيضا أن بعض الخبراء السعوديين يقللون من آثار الهجرة المعاكسة للعمالة الأجنبية، ويقولون أنها مرحلة انتقالية، ومن الطبيعي أن تشهد بعض المصاعب لكن الأمور ستتحسن على المدى الطويل، ولكن الوقائع على الأرض مغايرة لذلك تماما.

العمالة الأجنبية كانت “ورقة من حدين”، الأول تحسين الأوضاع الاقتصادية في بلدان الأصل من خلال تحويلاتها المالية، وامتصاص البطالة فيها، ولكنها كانت ورقة ضغط سياسي في يد السلطات السعودية على حكومات الدول القادمة منها مثل الأردن ومصر ولبنان وفلسطين والسودان واليمن، فهذه الدول كانت تتحاشى إغضاب السعودية خوْفا على هذه العمالة واستمرارها باعتبارها دجاجة تبيض ذهبا اسمه التحويلات المالية.

الظاهرة الأبرز هذه الأيام لا تتمثل فقط في عودة هذه العمالة من السعودية ومعظم الدول الخليجية إلى بلدانها مجددا، وإنما الهجرة إلى دول أوروبية وأمريكية وكندية هي بحاجة إليها وخبراتها، ولهذا الطوابير تزداد طولا أمام السفارات والقنصليات الكندية والأمريكية والإسكندنافية في هذه الأيام.

المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى، باتباعها سياسات “نزقة” تجاه العمالة الأجنبية، والعربية منها خصيصا، وهي سياسات قد تعطي نتائج عكسية بالنظر إلى الظروف والتوترات التي تعيشها المنطقة حاليا، وأبرزها تصاعد احتمالات الحرب الأمريكية ضد إيران.

هذه العمالة يجب أن تكافؤ على كل ما قدمته من خدمات، حتى لو كانت مدفوعة، وهذا أمر لا يمكن إنكاره، لا أن يتم إجبارها على الرحيل من دول لم يعرفون وأطفالهم غيرها، ويرددون نشيدها الوطني كل صباح في المدارس، ويحييون علمها، ويطربون لأغاني محمد عبده، وأحلام، وطلال مداح، وعبادي الجوهر، وعبد الله أبا الخير.

* “رأي اليوم”