التقارب السريع بين الصين والغرب

الثلاثاء ١١ يناير ٢٠١١ - ٠٧:١٩ بتوقيت غرينتش

تمثل الدخول المتقاربة والنمو المتباين القضية الاقتصادية الأساسية فى الوقت الحالى. إذ نشهد عكس ما كان يحدث فى القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، حيث كانت الدخول متباينة. ففى ذلك الوقت، حققت شعوب غرب أوروبا ومستعمراتها السابقة الناجحة تميزا كبيرا فى الدخل عن سائر البشر. والآن ينقلب الوضع فى زمن أقل بكثير من الذى استغرقه فى نشوئه. وهذا أمر لا مفر منه، بل إنه مرغوب فيه. لكنه يخلق كذلك تحديات عالمية ضخمة.

 تمثل الدخول المتقاربة والنمو المتباين القضية الاقتصادية الأساسية فى الوقت الحالى. إذ نشهد عكس ما كان يحدث فى القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، حيث كانت الدخول متباينة. ففى ذلك الوقت، حققت شعوب غرب أوروبا ومستعمراتها السابقة الناجحة تميزا كبيرا فى الدخل عن سائر البشر. والآن ينقلب الوضع فى زمن أقل بكثير من الذى استغرقه فى نشوئه. وهذا أمر لا مفر منه، بل إنه مرغوب فيه. لكنه يخلق كذلك تحديات عالمية ضخمة.

 

كتب كينيث بوميرانز، من جامعة كاليفورنيا ــ إيرفين، أحد الكتب المهمة عن «التباين الكبير» بين الصين والغرب. وقد أرجع تاريخ حدوث هذا التباين إلى أواخر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وهذه نقطة اختلف حولها الباحثون؛ إذ قال الراحل أنجوس ماديسون، عميد الباحثين الاقتصاديين، إنه بحلول عام 1820 كان نصيب الفرد من الناتج القومى فى إنجلترا يبلغ بالفعل ثلاثة أضعاف مستوى الدخل فى الصين، كما كان يبلغ ضعفه فى أميركا. إلا أنه فيما تلا ذلك لم يكن التباين الكبير موضع شك.

 

ففى منتصف القرن العشرين، انخفض نصيب الفرد من الاقتصاد الحقيقى (الذى يقاس بمعادلة القوة الشرائية) فى الصين والهند بنسبة 5% و7% ، على التوالى، عن نظيره فى أميركا. وفيما عدا ذلك لم يتغير الوضع كثيرا حتى عام 1980.

 

ثم هبطت بشدة ما كانت تعتبر ذات يوم مراكز التكنولوجيا فى العالم. إذ ينعكس الآن اتجاه هذا التباين. وهذه أكبر حقيقة لا جدال فيها فى عالمنا المعاصر إلى حد بعيد.

 

ووفقا للبيانات التى أوردها ماديسون، فى الفترة الفاصلة بين عامى 1980 و2008، ارتفع نصيب الفرد من الناتج القومى فى الصين مقارنة بنظيره فى أميركا من 6% إلى 22%، بينما ارتفع نصيب الفرد فى الهند من 5% إلى 10%. وتشير البيانات الواردة فى «قاعدة بيانات الاقتصاد الكلى» التابعة لمؤسسة كونفرانس بورد، والمحسوبة وفقا لأسس تختلف بعض الشىء، إلى ارتفاع النسبة من 3% إلى 19% فى الصين، ومن 3% إلى 7% فى الهند بين أواخر السبعينيات وعام 2009. وإذا كانت المقارنات غير مؤكدة فاتجاه التغيير النسبى مؤكد.

 

وكان التقارب السريع مع إنتاجية الاقتصادات الغربية المتقدمة أمرا له سوابقه فى الفترة التى تلت الحرب العالمية الثانية. إذ تصدرت اليابان، وتبعتها كوريا الجنوبية وبعض اقتصادات شرق آسيا، التى تعرف بالتنانين هونج كونج وسنغافورة وتايوان. وقد بدأت اليابان تصنيعها فعليا بنجاح ملحوظ فى القرن التاسع عشر. وبعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية، بدأت اليابان من جديد، وكان نصيب الفرد من الناتج القومى فيها خمس نصيبه فى أميركا، وهو الموقع التى تحتله اليوم الصين تقريبا، حتى وصلت إلى 70% فى بداية السبعينيات. ثم أحدثت طفرة باقترابها من 90% من مستوى نصيب الفرد فى أميركا عام 1990، عندما انفجرت الفقاعة الاقتصادية بها، لتبدأ الهبوط مرة أخرى. وبدأت كوريا الجنوبية من 10% من مستويات أميركا فى منتصف الستينيات، ووصلت إلى 50% تقريبا عام 1997، قبل الأزمة الآسيوية تماما، و64% فى عام 2009.

 

الجديد هذه المرة ليس التقارب وإنما السرعة. وإذا افترضنا إتباع الصين لمسار اليابان فى الخمسينيات والستينيات، فسوف يظل أمامها عشرون عاما من النمو السريع جدا كى تصل فى عام 2030 إلى حوالى 70% من نصيب الفرد فى ناتج الولايات المتحدة القومى. وعندئذ، لابد أن يكون اقتصادها من الضخامة بحيث يبلغ أقل قليلا من ثلاثة أضعاف أميركا وأكبر قليلا من اقتصادات أميركا وغرب أوروبا مجتمعة، مع تعادل القوة الشرائية. أما الهند فأقل من ذلك. فعند معدلات النمو الأخيرة، سيبلغ الاقتصاد الهندى 80% من الاقتصاد الأميركى عام 2030، رغم بقاء نصيب الفرد من إجمالى الناتج المحلى أقل من خمس مستوى أميركا.

 

تقف الصين اليوم حيث كانت اليابان عام 1950، من حيث النسبة إلى المستوى الأميركى حينها. لكن نصيب الفرد من الناتج فيها أعلى كثيرا بالمعايير المطلقة، لأن مستوى أميركا نفسه تضاعف ثلاث مرات. واليوم، يعادل نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى الصين تقريبا نظيره اليابانى فى منتصف الستينيات، ونظيره فى كوريا الجنوبية فى منتصف الثمانينيات. بينما فى الهند يعادل نصيب الفرد نظيره فى اليابان فى بداية الخمسينيات وكوريا الجنوبية فى بداية السبعينيات.

 

باختصار، يعكس التباين فى نسب النمو بين الاقتصادات الناشئة الناجحة، والاقتصادات ذات الدخل المرتفع، سرعة التقارب فى مستويات الدخل بينها. إذ يوجد تباين مذهل فى النمو. وقد ذكر بن برنانكى رئيس البنك الاحتياطى الفيدرالى الأميركى، فى خطاب مهم فى نوفمبر، أنه فى الربع الثانى من 2010 ارتفع الناتج الإجمالى الحقيقى فى الاقتصادات الناشئة بنسبة 41% عن نظيره فى بداية عام 2005. فلقد ارتفع فى الصين بنسبة 70%، وبنسبة 55% تقريبا فى الهند. لكن، فى الاقتصاديات المتقدمة، ارتفع الدخل الحقيقى بنسبة 5% فقط. وبالنسبة للبلدان الناشئة، لم يكن «الكساد العظيم» شديد الوطأة. بينما كان مفجعا بالنسبة للبلدان ذات الدخل المرتفع.

 

يعتبر هذا التقارب الكبير أحد ملامح تحول العالم. واليوم، يضم الغرب ــ الذى يعرف باعتباره يشمل غرب أوروبا و«فروعها الاستعمارية» (أميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا) ــ 11% من سكان العالم. بينما تضم الصين والهند 37%. ولن يستمر الوضع الحالى للمجموعة الأولى من البلدان. فهو ناتج عن التباين الكبير. وسوف ينتهى إلى التقارب الكبير.

 

يفترض هذا أن يتواصل التقارب، وإن لم يكن بنفس السرعة. وأفضل رد على من يشككون فى ذلك هو: ولم لا؟ فالسوق القوية والقوى التكنولوجية تنشر الذخيرة المعرفية فى أنحاء العالم. ولا شك فى أن الصينيين والهنود قادرون على تطبيقها. فهم منظمو أعمال بالقدر نفسه كالغربيين. ولأنهم الأكثر فقرا، فهم بالتأكيد أكثر حاجة إلى ذلك.

 

وحتى وقت قريب، كانت هناك عقبات أساسية سياسية واجتماعية ومتعلقة بالسياسات. ولم يكن هذا قائما منذ عدة عقود. فلماذا يعاود الظهور من جديد؟ صحيح أنه سوف تكون هناك حاجة إلى عديد من الإصلاحات إذا أريد لهذا النمو الاستمرار، لكن من المرجح أن يعمل النمو فى حد ذاته على تحول المجتمعات والسياسيات إلى الاتجاهات المطلوبة. وصحيح أنه قد لا يفوق نصيب الفرد من الناتج فى الصين ولا الهند نظيره فى أميركا؛ كما فشلت اليابان فى بلوغ ذلك. لكنهما اليوم قطعتا شوطا بعيدا. فما الذى يمنع من أن تكونا قادرتين على تحقيق نصف إنتاجية أميركا، على سبيل المثال؟ ويمثل هذا مستوى البرتغال. فهل تستطيع الصين أن تبارى البرتغال؟ بالتأكيد.

 

قد تتدخل الكوارث بطبيعة الحال. لكن المدهش أن الحربين العالميتين والكساد لم تؤديا حتى إلى اعتراض صعود البلدان الصناعية الأولى. وإذا نحينا الحرب النووية جانبًا، لا يبدو أن هناك ما يمنع صعود البلدان الناشئة الكبيرة، حتى وإن عطلها بعض الشىء. فالصين والهند من الضخامة بما يمكنهما من دفع النمو بواسطة أسواقهما المحلية، إذا ما تم تبنى اتجاهات حمائية. وهما فى الحقيقة من الاتساع بما يكفى لأن تدفعا النمو حتى فى البلدان الناشئة الأخرى أيضا.

 

فى العقود القليلة الماضية، تحول من كانوا ذات يوم أطرافا بالنسبة لأوروبا وأميركا وأصبحوا هم مركز اقتصاد العالم. وحاليا تعمل الاقتصادات التى صارت أطرافا على الظهور من جديد باعتبارها المركز. وهذا هو التحول الذى يجرى فى العالم بأسره.

*مارتن ولف