11/1/2011 محمود عبد الرحيم Email:mabdelreheem@hotmail.com

الثلاثاء ١١ يناير ٢٠١١ - ١٠:٠٠ بتوقيت غرينتش

فقه الأولويات الغائب عن النظام العربي من المؤسف أن تنشغل رئاسة القمة العربية الحالية ليبيا هذه الأيام بعقد اجتماع وزاري لما يسمى بتطوير منظومة العمل المشترك، أو بالأحرى بتغيير مسمى الجامعة إلى اتحاد واستحداث آليات جديدة، تقليدا لهيكلية الاتحاد الاتحاد الافريقي، وتترك جوهر الأمور، من قبيل الضربات العنيفة الموجهة للنظام العربي، التى تزيد من عجزه على التعاطي مع التحديات، أو حماية الأمن القومي العربي الذي صار في مهب الريح. ومن المؤسف أيضا أن تنشغل مصر قلب العروبة عن القضايا القومية التى تمس مصالحها بشكل مباشر، وتركز على مساعدة رئيس حكومة الكيان الصهيوني على عبور أ

فقه الأولويات الغائب عن النظام العربي

 

من المؤسف أن تنشغل رئاسة القمة العربية الحالية ليبيا هذه الأيام بعقد اجتماع وزاري لما يسمى بتطوير منظومة العمل المشترك، أو بالأحرى بتغيير مسمى الجامعة إلى اتحاد واستحداث آليات جديدة، تقليدا لهيكلية الاتحاد الاتحاد الافريقي، وتترك جوهر الأمور، من قبيل الضربات العنيفة الموجهة للنظام العربي، التى تزيد من عجزه على التعاطي مع التحديات، أو حماية الأمن القومي العربي الذي صار في مهب الريح.

ومن المؤسف أيضا أن تنشغل مصر قلب العروبة عن القضايا القومية التى تمس مصالحها بشكل مباشر، وتركز على مساعدة رئيس حكومة الكيان الصهيوني على عبور أزماته الداخلية، وتوفير مجال حركة له اقليميا ودوليا، واستقباله تحت ذريعة بحث تحريك عملية السلام، في وقت يعترف القاصي والداني بما فيهم شركاء نتانياهو في الحكم أنه نسف العملية السلمية، وأن أجواء الحرب العدوانية تلوح في غزة، وسط تصعيد يومي بالمداهمات والإغتيالات، وفيما مصر ذاتها تعيش أجواء توترات طائفية، جراء العملية الإرهابية التى حدثت مؤخرا في الاسكندرية، وترجح التقديرات تورط الموساد فيها، وذلك بعد أسابيع قليلة من الكشف عن خلية تجسس إسرائيلية، على نحو يؤكد أن هذا الكيان مازال يعتبر مصر عدوا وتحديا، يجب إضعافه بكل السبل، حسب التصريحات المتواترة لمسئولي الاستخبارات الإسرائيلية، فيما النظام المصري لا يزال على غفلته يسير وراء حساباته المغلوطة، ولا يتعامل مع الكيان الصهيوني بنفس المنطق، و يرى فيه صديقا، وليس عدوا، ويستقبل بحفاوة كبار مجرميه كلما أرادوا القيام بمناورات سياسية أو الإقدام على مغامرة عسكرية، حتى لو كانت الظروف غير مواتية أو تعرض نظام مبارك نفسه لإنتقادات من هنا وهناك، وتم وضع علامات إستفهام إزاء هذه العلاقة الحميمة مع مجرمي الحرب الاسرائيليين.

ودائما الحجة المعلنة غير المقنعة "تحريك عملية السلام" رغم أن العملية اُجهضت من سنوات، ووصلت إلى نقطة اللاعودة في مفاوضات"كامب ديفيد الثانية" التى انتهت بعقاب عرفات وحصاره حتى وفاته الغامضة، ورغم أن السلام، وفق التقديرات المنطقية، لم ولن يأتي، في ظل معطيات تنذر بإدامة الصراع وليس حله.

والسؤال الملح هنا، أيهما يستحق الأولوية في أجندة رئاسة القمة، وأجندة الدولة العربية الكبرى مصر، المنوط بها قيادة النظام العربي في هذه اللحظات الحرجة وإخراجه من مأزقه الراهن..هل بحث تغيير مسمى الجامعة العربية، واستحداث مؤسسات وآليات شكلية لن تقدم ولا تؤخر أو تمثل قيمة على الأرض للنظام العربي لمجرد ارضاء القذافي صاحب الاقتراحات المثيرة للجدل، فيما الإرادة السياسية غائبة والتبعية لواشنطن قائمة، والخلافات العربية البينية لا تنتهي؟

و على الجانب الآخر،هل الأولوية في هذا التوقيت لإستقبال رئيس حكومة كيان معاد لمصر وللعرب كلهم، لإيهام العالم أن ثمة تحركات على صعيد عملية السلام وقبول عربي بالمواقف والتصرفات الاسرائيلية وتنسيق سياسي وأمني، أم أن الأولوية كانت يجب أن تخصص لملف السودان المُقدم على التقسيم والدخول في نفق مظلم، وربما حرب جديدة، بعد تأسيس دولة في جنوبه موالية لأمريكا وإسرائيل، تمثل نموذجا محرضا لبقية المتمردين في الشرق وفي الغرب ليحذو حذو الجنوبيين ويسعون للانفصال؟ على نحو يؤشر لضياع السودان، بعد ضياع الصومال الذي سقط من أجندة الجميع منذ تسعينات القرن الماضي، والعراق الذي يبيعون لنا وهم أنه وُلد من جديد و يسير على طريق البناء والاستقرار والديمقراطية، فيما أشلاء ودماء العراقيين لاتزال تتناثر، والاحتلال الأمريكي والتواجد الاسرائيلي النشط باقيان على الأرض العراقية؟ والاكراد يلوحون بالانفصال؟

ثم ماذا عن الملف الفلسطيني، الذي تم الاكتفاء بالوقوف عند مرحلة التجميد الراهنة للمفاوضات، وانتظار تكثيف الضغوط الصهيوأمريكية لإعادة هذه العملية المشبوهة إلى الدوران في الفراغ مرة أخرى، ألم يكن لزاما على النظام العربي وأقطابه البحث في الخيارات الأخرى، لمواجهة المشروع الصهيوني، بالترافق مع تقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية وانجاز المصالحة الوطنية التي عبثت فيها أطراف عربية إلى جانب واشنطن وتل أبيب؟

وماذا عن الموقف العربي حال شن اسرائيل حربا جديدة على غزة، وتصعيد التوتر في لبنان عبر الضغوط الدولية فيما يسمى"محاكمة قتلة الحريري" لدرجة قد تنذر بحرب أهلية، قد تستغلها حكومة نتانياهو لتوجيه ضربة عدوانية، لإستهداف حزب الله اللبناني ، بالإضافة إلى محاولة النيل من حركة المقاومة الفلسطينية حماس، والثأر من كل منهما بعد إفشال مخططات حربي 2006، و2008 ، التى كان يتم الرهان عليها في رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة بتوازنات تتماشي مع المصلحة الصهيوأمريكية، وخلق ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.؟

ألا تستدعي كل هذه الملفات الساخنة تحركا عاجلا ، وبحثا جديا؟، وألا تستحق أولوية قصوى، كونها تمس جوهر الأمن القومي العربي، ومصير المنطقة كلها؟

أم أن قدر هذه المنطقة هو التهاون، ثم البكاء على الاطلال كما هو الحال الآن في السودان الذي تركنا نظامه يتفاوض وحده تحت وقع الضغوط الدولية حتى تم قبول فخ الاستفتاء على مصير الجنوب، والاستهتار بسيناريو الانفصال تحت شعار ساذج رفعه المسئولون العرب "جعل الوحدة خيارا جاذبا"، الذي تحته تم تمرير المؤامرة، حتى بات فصل الجنوب أمرا واقعا، سلم به الجميع في استسلام مخز، بما فيهم الرئيس السوداني عمر البشير الذي قام بزيارة الجنوب ربما تكون الأخيرة، حيث تحدث حديثا متهافتا عن الوحدة في غير مكانها وغير توقيتها، وعن استعداده للاعتراف بالانفصال، وسط إشارات أمريكية لم تنتظر، ألقى بها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي جون كيري، حول تصعيد ملف أقليم دارفور، الذي ينتظر دوره في التقسيم.

 

ما يجب أن يستوعبه القادة العرب أن فقه الأولويات يجب أن يكون له حضوره في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة العربية، كما ينبغي إدراك أن الملفات العربية متشابكة ولا يمكن الفصل بينها، وأن التهديدات القائمة جنوبا أو شمالا، شرقا أو غربا، تستهدف الكل.

وحسم المواقف ومواجهة التحديات صار أمرا ملحا، لا يجوز التهرب من استحقاقاته، أما منطق العبث و التراخي، والرهانات الفردية السائد فلم يعد يجدي نفعا، فالكل في قارب واحد، إذا غرق غرق الجميع، وإذا نجا نجا الجميع.

*كاتب صحفي مصري