منح الجنسية المصرية للأجانب مقابل وديعة.. هل يحق للصهاينة الحصول عليها؟!

منح الجنسية المصرية للأجانب مقابل وديعة.. هل يحق للصهاينة الحصول عليها؟!
الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٨ - ٠٧:١٢ بتوقيت غرينتش

وافق مجلس النواب المصري (البرلمان) خلال جلسته العامة الأحد على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب في مصر والخروج منها، يسمح للأجنبي المقيم داخل الأراضي المصرية مقابل وديعة لمدة 5 سنوات بالحصول على الجنسية المصرية.

العالم - مصر

رئيس المجلس علي عبد العال اقترح خلال مناقشة المشروع ألا تقل قيمة الوديعة للحصول على الجنسية عن 390 ألف دولار (7 ملايين جنيه مصري) على الأقل، وقد وافق المجلس على هذا المقترح بنسبة الأغلبية، ليسدل الستار بصورة كبيرة على هذا القانون الذي ظل محل شد وجذب بين مختلف القوى السياسية والمجتمعية طيلة الأشهر الماضية.

حالة من الجدل أثارها القانون بعد تعديلاته التي تم الموافقة عليها، إذ انقسم الشارع المصري إلى فريقين، أحدهما يعتبر ذلك خيانة وتهديدًا للأمن القومي، فيما يراها آخرون خطوة منطقية وتقليد متبع في العديد من الدول الباحثة عن خلق مناخ استثماري مطمئن للمستثمرين.

تقدير لدور الأجانب في دعم الاقتصاد

"الأجانب الذين يودعون وديعة نقدية".. هذا هو المصطلح المتفق عليه لتسمية فئة الأجانب الذين سيقرر منحهم الجنسية مقابل تلك الوديعة، حسبما جاء في مشروع القانون الذي يفسره القائمون عليه بأنه جاء انطلاقًا من السياسة التي تنتهجها الدولة في تشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشروعات الاقتصادية.

الحكومة التي تقدمت بهذا المشروع لمجلس النواب ترى في تلك التعديلات المقرة أمس تيسيرًا على الأجانب ذوي الارتباط الطويل والقوي بمصر، ومن ثم العمل على خلق جو من الثقة والاستقرار ليطمئن المستثمرون على أموالهم ومشروعاتهم وتحقيقًا للاستقرار العائلي لهم.

وعليه فإن الأجنبي الذي سيودع وديعة نقدية (7 ملايين جنيه أو ما يعادلها بالعملة الأجنبية) في أحد البنوك المصرية لمدة 5 سنوات على الأقل يسمح لهم بعد ذلك بالحصول على الجنسية المصرية، فيما اعتبر آخرون مشروع القانون بأنه تقدير من الدولة المصرية لدور الأجانب والعرب في المساهمة في تنشيط الإستثمار ودعم الاقتصاد الوطني.

ليس للاستثمار وحده

يبدو أن مبررات الحكومة وتكتلها داخل البرلمان للتعديلات التي أجرتها على القانون لم تكن مقنعة للجميع بالشكل الكافي، إذ شهدت الجلسة سجالًا حادًا بين النواب، المؤيد للمشروع والمعارض، وإن كان الرأي في النهاية كان لصالح الكتلة الأكثر عددًا والداعمة لتوجهات الحكومة.

النائب هيثم الحريري أشار أن القانون ليس للاستثمار وحده كما تقول الحكومة، فالمستثمر الجاد ليس في حاجة للحصول على الجنسية في الوقت الذي تقدم فيه الدولة كل التسهيلات أمام الاستثمار الأجنبي، قائلاً: "شعرت بالخزي والعار لتقديم الحكومة مشروع القانون، وموافقة الأغلبية عليه جعلت من الجنسية المصرية سلعة تباع وتشترى في مقابل جنيهات".

كما هاجم رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان المدير السابق للاستخبارات الحربية السابق كمال عامر، بعد زعمه أن القانون لا يستهدف بيع الجنسية المصرية، بالقول: "ليست للبيع، وماذا يعني الحصول عليها من خلال وديعة مدتها 5 سنوات؟"، متابعًا "من آن لآخر يستخدم البعض الإستثمار كأداة لتمرير بعض القرارات، وسبق أن وافقنا على قانون الإستثمار وبه العديد من التسهيلات بالمخالفة، ولكن استخدام بيع الجنسية تحت مسمى الاستثمار غير مقبول".

وأضاف: "من يريد التجنس بالجنسية المصرية؟ من يقبل بالحصول على جنسية في دولة لا تعليم فيها أو صحة، أو أي شيء فيها؟!"، مؤكدًا أن الأوضاع في بلاده غير محفزة على الإطلاق، سواء للاستثمار أم الإقامة، وهو ما أثار غضب رئيس البرلمان الموالي للحكومة علي عبد العال الذي قال للنائب: "حديثك غير مقبول، ومصر بلد جاذبة للاستثمار".

أثارت تصريحات الحريري غضب رئيس المجلس الذي طالب بحذف كلمته من مضبطة الجلسة، فيما قال المستشار عمر مروان وزير شؤون مجلس النواب إنه يرفض ما جاء على لسان النائب، مشيرًا إلى أن مصر جاذبة لكل الجنسيات، والمادة التي اعترض عليها النائب والمتعلقة بمدة السماح بمنح الجنسية للمستثمرين موجودة في القانون الحاليّ وليست جديدة.

وأضاف مروان أن كل ما في الأمر أن الحكومة رأت تقليص مدة منح الجنسية للمستثمرين الجادين من 10 سنوات إلى 5 سنوات، لافتًا إلى أن القانون وضع عددًا من القواعد للحاصلين على الجنسية لممارسة حقوقهم، فلا يستطيع ممارسة حقوقه السياسية قبل مرور 5 سنوات، ولا يترشح لأي انتخابات قبل مرور 10 سنوات من تاريخ منحه الجنسية.

غير دستوري

منذ طرح تلك التعديلات قبل عدة أشهر موجة من الغضب خيمت على الأوساط الحقوقية والقانونية والأمنية المصرية، رفضًا لهذا المشروع الذي يضرب بالدستور عرض الحائط ويعرض أمن مصر القومي للخطر، فضلًا عن الرسائل السلبية التي يتضمنها بشأن السمعة والكرامة المصرية.

المحامي سمير صبري المقرب من الحكومة المصرية علق على هذا المشروع بأنه "خيانة"، قائلًا: "غير دستوري جملة وتفصيلًا"، مشيرًا إلى أنه حال إقراره سيفتح طريق التخابر على الدولة المصرية، مستبعدًا موافقة البرلمان عليه، واصفًا موافقة المجلس إن حدثت بأنه ينفذ كلام الحكومة ولا يمثل الشعب.

من جانبه أشار ضياء الدين الجارحي رئيس مركز عدالة للحريات أن بيع الجنسية المصرية تمهيد لبيع الدولة بأكملها، لافتًا إلى تعارض المشروع مع القانون والدستور، واصفًا هذه القضية بأنها بوابة لدخول المتآمرين إلى مفاصل الدولة وخرابها، مستدلًا بشركات الاستثمار متعددة الجنسيات التي استولت على أراضى الدولة دون وجه حق.

ماذا عن الاحتلال "الإسرائيلي"؟

التساؤل الأول الذي فرض نفسه عند إعلان الموافقة المبدئية على المشروع: ما مصير الإسرائيليين واليهود من الحصول على الجنسية المصرية؟ خاصة أن بعضهم مقيم في بعض المدن المصرية على رأسها مدينة شرم الشيخ لسنوات طويلة، ومن ثم بات له الحق في الحصول على الجنسية إذا ما أودع قيمة الوديعة المطلوبة.

القانون لم يتطرق لا من قريب أو بعيد لمنع بعض الجنسيات من الحصول على الجنسية المصرية، ومن هنا بات الباب مفتوحًا للجميع بما فيهم الإسرائيليين، فقط على المتقدم للحصول عليها أن يكون مقيمًا 5 سنوات ويودع وديعة في البنك، وهو ما ذهب بالبعض إلى مسارات أخرى تتحدث عن اختراق للسيادة وترجمة عملية لصفقة القرن، وإن ظلت هذه المسارات ليست أكثر من تخوفات في أذهان البعض دون وجود أي مؤشرات تقود إليها على أرض الواقع.

وفي المقابل كشف آخرون أن الوديعة والإقامة 5 سنوات ليسوا جواز السفر الوحيد لمنح الجنسية المصرية، إذ إن هذا يتوقف على موافقة وزير الداخلية وجهات الأمن الوطني التي تحدد وبصورة نهائية لمن تعطي الجنسية ولمن تمنع، وهو الشرط يراه البعض ضمانًا لحرمان بعض الجنسيات التي عليها بعض علامات الاستفهام.

تهديد للأمن القومي

خبراء الأمن في مصر عبروا عن تخوفهم من إقرار هذا المشروع، مؤكدين رفضهم لبيع الجنسية المصرية مقابل وديعة مالية، لافتين إلى أن الجنسية المصرية غالية وعريقة وليست للبيع، وأن مثل هذه القوانين خطر على الأمن القومي المصري ولا تصح.

مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد نور يرى أنه إن كانت الحكومة تبحث عن زيادة في دخلها القومي وسد العجز في موازنته، فلا يكون ذلك عبر عرض الجنسية للبيع، مشيرًا أن هناك العديد من الطرق كزيادة الاستثمار وتأجير الأراضي وزيادة رسوم الإقامات، معلقًا على القانون "تموت الحرة ولا تأكل بثديها".

نور في تصريحات له أشار أن منح الجنسية في مختلف دول العالم لا يتم إلا في حالتين لا ثالث لهما، الأولى: الدول صغيرة السكان التي تحتاج إلى تعداد سكاني كبير فتهب جنسيتها للكثير من الحالات، كأن يولد أي طفل فوق أراضيها من جنسيات أخرى وهكذا.

أما الحالة الثانية فحين تتزوج الأم من رجل أجنبي عنها، وهنا يمنح الأبناء جنسية والدتهم حتى لو كان الأب لا يحملها، وإن كانت هناك بعض الدول تعطي جنسيتها لبعض الأشخاص تقديرًا لمواقف محددة تراها الدولة تستحق إعطاءهم لأجلها جنسيتها.

وأضاف: "منح الجنسية مدخل للتجسس وتهديد للأمن القومي، كما أن منحها للأجانب قد يطمس الهوية المصرية للمصريين ويؤثر على ثقافتنا وعادتنا"، مستشهدًا بتأثر الكثير من المصريين بعادات وتقاليد الخليجيين بعد اكتشاف البترول وهرولة الملايين للعمل والإقامة هناك، وكيف تبدلت ثقافة المصريين متأثرة بما عليه في تلك الدول.

ازدواجية

بينما تفكر الحكومة المصرية في منح جنسيتها للأجانب نظير وديعة نقدية، تفرض ذات الحكومة قيودًا على منح الجنسية لأبناء الأمهات المصريات المتزوجات من أجانب، بحيث صار حصول الابن من الزوجة المصرية على جنسية بلدها حلمًا بعيد المنال.

ولطالما توجهت مئات المصريات المتزوجات من أجانب بطلبات لمنح أبنائهن الجنسية المصرية لكن تقابل طلباتهن بالرفض تارة والتسويف تارة أخرى، وخلق العراقيل والشروط العاجزة مرة ثالثة، وهي القضية التي أثارت ضجة طيلة السنوات الماضية دون أن يبت فيها بشكل كامل حتى الآن.

الملفت للنظر كذلك أنه في الوقت الذي تفتح فيه الدولة المصرية نوافذها لمنح الأجانب جنسيتها إذ بها تغلق الباب أمام أبنائها وتهدد بسحب جنسيتهم، فيما قد يخلق جيلًا من الـ"بدون" داخل الأراضي المصرية، ففي سبتمبر 2017 أقرت الحكومة المصرية حزمة من التعديلات على قانون سحب الجنسية من مواطنيها، بعد إضافة مواد وصفها سياسيون وحقوقيون بـ"الفضفاضة" تستهدف المعارضين لنظام السيسي، لا سيما فيما يتعلق بعدد من الحالات التي أُدرجت مؤخرًا، على رأسها صدور حكم بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة بالخارج أو الداخل.

غضب على السوشيال

عبر مئات المصريين عن استنكارهم وغضبهم للتعديلات التي تضمنها مشروع قانون منح الجنسية المصرية للأجانب، حيث اعتبرها البعض استكمالًا لسياسة الدولة في بيع أي شيء مقابل الحصول على المال، فيما رآها آخرون امتهانًا لكرامة المصريين وتشويه لسمعة الدولة الأقدم في المنطقة.

مي عزام علقت على المشروع بقولها: "وديعة لا تزيد على 340 ألف دولار لمدة 5 سنين لا غير تمكّن أي أجنبي من الحصول على الجنسية المصرية، أي مستثمر جاد ومحترم لا يحتاج الجنسية المصرية للاستثمار في مصر، اللي محتاجها هيبقوا نوعية تانية أخشى أن تكون  خطر على مصر، هنعرض إيه تانى للبيع بعد الأرض والجنسية"؟

بينما أشار الكاتب الصحفي نزار قنديل، إلى أن إعلان قانون "بيع الجنسية المصرية" مرتبط بترتيبات صفقة القرن وتوطين الفلسطينيين، فيما علق المحامي المقرب من نظام السيسي خالد أبو بكر قائلًا: "لم أكن أتمني أن أرى يومًا تباع فيه الجنسية المصرية لمن يدفع.. قرار عار على البرلمان".

وبينما يشتعل السجال بين الداعمين للمشروع كونه خطوة نحو طمأنة المستثمرين ورد الجميل لهم، والرافضين الواصفين له بـ"الخيانة الكبرى" والباب الذي يهدد الأمن القومي المصري، يواصل البرلمان والحكومة ومن فوقهما النظام بأكمله سياسته الرامية إلى الحصول على أكبر قدر من رؤوس الأموال، دون اعتبار لتداعيات تلك السياسة على مستقبل مصر والمصريين، فبالأمس كانت الأرض واليوم الجنسية.