السعودية تلغي التوعية الإسلامية بالمدارس

السعودية تلغي التوعية الإسلامية بالمدارس
الجمعة ٢٠ يوليو ٢٠١٨ - ٠٦:٤٨ بتوقيت غرينتش

قررت الحكومة السعودية إلغاء برامج "التوعية الإسلامية" من جميع المدارس الحكومية، في خطوة مثيرة وغير مسبوقة. ونشرت صحف سعودية، تعميما صادرا عن وزارة التعليم يهيب بجميع المدارس بإلغاء برامج "فطن، وحصانة، والتوعية الإسلامية"، وإلغاء جميع اللجان المرتبطة بها. ووفقا للقرار، فإن جميع الأنشطة سيتم إحالتها إلى برنامج "الوعي الفكري" الذي أطلقته وزارة التعليم مؤخرا.

العالم - السعودية

في يوم 20 مارس/ آذار 2018، نقلت وكالات أنباء محلية ومواقع إلكترونية سعودية، حديثاً منسوباً إلى وزير التعليم السعودي يفيد فيه باتخاذ إجراءات ضد فكر الإخوان. وقتها، قال وزير التعليم الدكتور أحمد بن محمد العيسى، إن تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حول "غزو فكر جماعة الإخوان المسلمين لنظام التعليم في المملكة"، حقيقة لا تقبل النقاش.

على موقع الوزارة الرسمي، وَرَد عن العيسى أن بعض رموز الجماعة الذين هربوا من مصر في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، انخرطوا في التدريس في التعليم العام والجامعي السعودي، فتأثر بهم بعض المسؤولين والمشرفين والمعلمين الذين أسهموا في صياغة المناهج.

"الغيورون على الدين والوطن لم ينتبهوا إلى خطر الجماعة إلا في وقت متأخر؛ حيث بدأت الجهود ولا تزال لتخليص النظام التعليمي من شوائب منهج الجماعة"، هكذا قال العيسى، متجاهلاً أن حيناً من الدهر التفّت خلاله المناهج الدراسية بعباءة الإخوان.

وفي سبيل محاربة الفكر الذي سمّاه بـ"المتطرف"، استعرض العيسى جهود التعليم في إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوّها من الطابع الإخواني المحظور، ومنع الكتب المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين من جميع المدارس والجامعات، كذلك إبعاد كل من يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها من أي منصب إشرافي أو من التدريس، والتوعية بخطر فكر الجماعة من خلال الأنشطة الفكرية في الجامعات والمدارس.

إلغاء التوعية الإسلامية في المدارس

من منطلق حربها على فكر الإخوان المسلمين وللمؤسسة الدينية عموماً، ألغت الحكومة السعودية برامج "التوعية الإسلامية" المعمول بها منذ نحو نصف قرن، كما أوقفت وزارة الشؤون الإسلامية السعودية كافة الأنشطة الدعوية التي انطلقت مع بداية الإجازة الصيفية، في خطوة تظهر نفوذ التيار الليبرالي في المملكة.

وزارة التعليم أصدرت تعميماً بهذا الشأن قررت فيه إلغاء برامج "فطن" و"حصانة" و"التوعية"، وأيضاً إلغاء "جميع اللجان المرتبطة بها".

ووفقاً للقرار الذي نشرته الصحف السعودية، فإن جميع الأنشطة قد تقرر إحالتها إلى برنامج "الوعي الفكري" الذي أطلقته وزارة التعليم مؤخراً.

كان برنامج "التوعية الإسلامية" كمشروع، قد تأسس عام 1969. انتشر في كافة مدارس المملكة، وأشرف على نشاطات إسلامية ومراكز صيفية طيلة أعوام مضت.

وكانت تُخصص غالبية المدارس السعودية غرفةً للتوعية الإسلامية، يتجمع فيها طلبة مهتمون بالنشاطات الدعوية.

ثم بعد أن أكل عليها الدهر وشرب، اتُّهمت "التوعية الإسلامية" من قبل التيار الليبرالي في السنوات الماضية بتنشئة جيل "متطرّف"، وهو ما دفع للمطالبة بإلغائها.

 وفي سياق متصل، أوقفت وزارة الشؤون الإسلامية المناشط الدعوية كافة والمحاضرات والبرامج والدورات الصيفية.

جاءت تلك القرارات في وقت اعتقلت فيه السلطات السعودية الشيخ سِفر الحوالي وأبنائه، وذلك بعد أيام من انتشار كتاب نُسب إليه بعنوان "المسلمون والحضارة الغربية"، يتضمن نصائح للعائلة الحاكمة وهيئة كبار العلماء المقربة من السلطة.

السعودية والمؤسسة الدينية.. الدعم فالاجتثاث

لاحظ المراقبون كيف أنه بعد أقل من أسبوع، من المقابلة الصريحة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع المذيعة الأمريكية نورا أودونيل، في برنامج 60 دقيقة، والتي تعهَّد فيها بالقضاء الكامل على ما تبقى من فكر جماعة الإخوان المسلمين في مدارس السعودية، تحرَّكت وزارتا التعليم والشؤون الإسلامية بشكل سريع لتحويل تلك التعهدات إلى أفعال.

ابن سلمان أكد أن المدارس السعودية تعرّضت لغزو من عناصر الإخوان، وأن البعض منهم ما زال موجوداً فيها.

وكانت وزارة التعليم قد شرعت، قبل عدة سنوات، في إعادة صياغة مناهجها التعليمية لمحو أي تأثير لجماعة الإخوان المسلمين فيها، كما أنها تعمل على إبعاد كل مَن يتعاطف مع الجماعة، في أي منصب بالقطاع التعليمي، وخاصة في الجامعات ذات التوجه الديني.

وتنص خطة الوزارة الجديدة على تنقية المناهج التعليمية من الفكر الإخواني، عن طريق إعادة صياغتها بشكل كامل وإزالة الفكر المتطرف منها، واستبعاد كوادر الجماعة عن المؤسسات التعليمية، ووضع خطة لملاحقة فكر الجماعة في كافة الأماكن.

وكشفت مصادر في وزارة التعليم العالي عقب تصريحات ابن سلمان، أنها تعكف على مراجعة الكتب الموجودة في المكتبات الجامعية، لمصادرة الكتب المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتشددة.

وهكذا، تكون الحكومة السعودية قد تحوَّلت في سياستها تجاه المؤسسة الدينية من الدعم إلى الاجتثاث.

القصة منذ البداية

لم يكن التغيّر السعودي الجذري في التعاطي مع الإخوان، ومع المؤسسة الدينية السعودية عموماً، وليد اليوم. ففي مارس 2014، قطعت السعودية كل الحبال مع جماعة الإخوان، بعد أن صنفتها بشكل رسمي، وعبر مرسوم ملكي، جماعة إرهابية، وجرّمت التعامل معها.

كانت قد مرّت علاقة السعودية بالإخوان بالكثير من المحطات. ثمة ورقة بحثية كتبها الباحث السعودي عبدالله بن بجاد العتيبي، تقول إن الحركات والتيارات الإسلامية مرَّت بمحطات في علاقتها بالسلطة السعودية، وإنها شهدت خلافاً مبكراً عندما دعم الإخوان الثورة في اليمن عام 1948، في وقت عارضتها السعودية بشدة، فبدأ الملك عبدالعزيز يأخذ حذره من حسن البنا الذي توفي بعد ذلك بعام.

بعد ثورة يوليو 1952، حارب الرئيس المصري جمال عبدالناصر الإخوان المسلمين، واعتقلهم وأعدم قياداتهم، ففر كثيرون منهم إلى السعودية، في عهد الملك سعود، وبَنَت المملكة علاقات جيدة مع أفراد من الجماعة، وليس مع التنظيم ذاته، ثم في عام 1971، أقام الإخوان مؤتمراً في مكة في موسم الحج.

كما واجهت أفكار الإخوان وأفكار الإسلاميين عموماً منذ وقت طويل معارضةً في السعودية. يَعتبر رئيس تحرير صحيفة الشرق السابق قينان الغامدي، أن "السرورية" هي ذاتها جماعة الإخوان المسلمين، ولكن باسم مختلف، ولها الهدف ذاته. يقول: "تغلغل فكر الإخوان في التعليم بالسعودية بشكل عميق، منذ أربعين سنة، تحت اسم الفكر السروري الذي أسسه محمد سرور زين العابدين. هذا هو الفكر الذي انتشر انتشاراً هائلاً في السعودية، وهو امتداد للفكر الإخواني، بعد أن غُلّف بالمذهب السلفي السائد في السعودية. ولهذا تقبله الناس أكثر من الفكر الإخواني".

"محمد سرور انشق عن الإخوان وأسس تنظميه الخاص بثوب السلفية، وكان هدفه الوصول إلى السلطة بمختلف درجاتها، وصولاً إلى حكم البلاد من خلال عودة الخلافة. هذا هو هدفهم الأسمى"، حدَّ قول الغامدي.

ويمضي في حديثه: "كان من حيلهم التلبس بالسلفية في إطار حزبي يخدم أجندتهم ويوسع انتشارهم وهذا ما تحقق لهم فانتشروا انتشاراً حزبياً مغطى بغطاء السلفية التي ليس من أبجديتها التعامل الحزبي واستغلال العاطفة الدينية بل الاهتمام بالعلم الشرعي والمناصحة بالطرق الشرعية وليس مناصحة التهيج التي يستخدمونها في استغلال عاطفة الناس الدينية لتهييج المجتمع".

لقد بدأت المملكة السعودية جولة جديدة من مواجهة فكر المؤسسة الدينية على المستوى الفكري والثقافي، في الوقت الذي تُعتبر فيه السببَ المباشر في انتشاره من خلال احتضانه على مدى سنوات. فهل تستطيع المؤسسة السياسية إلغاء أو تقليص دور المؤسسة الدينية، ثم هل من الضروري أن يكون الانفتاح بمحاربة الطرف الآخر بدلاً من استيعابه؟

أسئلة بانتظار أن يجيب عنها المعنيون من خلال مواقف صادمة أثبتتها هذه المرحلة من الانفتاح السعودي التي انقسم حولها المواطنون ما بين مؤيدين لقرارات السلطات السعودية تجاه المؤسسة الدينية ومعارضين.