إسرائيل تسيطر على الوضع الداخلي المصري

السبت ١٥ يناير ٢٠١١ - ٠٧:١٨ بتوقيت غرينتش

منذ ما يقرب العقد من الزمان لم يعد ممكنا فهم السياسة المصرية، أي سياسة نظام النظام المصري، تجاه إسرائيل، انطلاقا من تحليل عادي. فقد وصلت هذه السياسة إلى حد الاستخذاء فعلا. وكان لقاء النظام المصري بتنياهو بعد تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية آخر دليل على أنه لم يعد ممكنا فهم هذه السياسة انطلاقا من هذا التحليل. فالمنطق السليم، منطق العلاقات الدولية، لا يتيح تبرير مثل هذا اللقاء. إذ ما الذي يدفع برئيس دولة تعيش لحظة اضطراب كبرى إلى تخصيص جزء من وقته لاستقبال نتنياهو المكروه من الجميع؟ ومن أجل ماذا يستقبله؟

منذ ما يقرب العقد من الزمان لم يعد ممكنا فهم السياسة المصرية، أي سياسة نظام النظام المصري، تجاه إسرائيل، انطلاقا من تحليل عادي. فقد وصلت هذه السياسة إلى حد الاستخذاء فعلا. وكان لقاء النظام المصري بتنياهو بعد تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية آخر دليل على أنه لم يعد ممكنا فهم هذه السياسة انطلاقا من هذا التحليل. فالمنطق السليم، منطق العلاقات الدولية، لا يتيح تبرير مثل هذا اللقاء. إذ ما الذي يدفع برئيس دولة تعيش لحظة اضطراب كبرى إلى تخصيص جزء من وقته لاستقبال نتنياهو المكروه من الجميع؟ ومن أجل ماذا يستقبله؟

 

بذا، ربما كان على المرء أن يعيد قراءة تصريحات عاموس يدلين، رئيس الاستخبارات العسكرية، من جديد كي يفهم هذه السياسة: "في مصر نجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني النظام المصري في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر". وهكذا، فهو يعلن وبوضوح أن إسرائيل قد اخترقت الوضع المصري، حد أنها باتت قادرة على شل الوضع المصري، عبر إثارة الاضطرابات والفتن، وخاصة الفتنة الطائفية، متى أرادت.

 

بناء على هذه التصريحات يمكن للمرء أن يتوصل إلى أن تفجير الكنيسة وما بعده هو الذي أجبر النظام المصري على لقاء نتنياهو. بل لعل النقطة الأساسية على جدول أعمال اللقاء كانت هي التفجير وتداعياته. فالنظام المصري يدرك، ليس عبر الافتراض والتحليل مثلنا ولكن عبر الحقائق التي يملكها، أن إسرائيل هي الطرف القادر على إشعال فتنة مثل فتنة كنيسة القديسين. لذا يجب مناقشة أمر الفتنة الطائفية مع نتنياهو لا غيره.

 

عليه، يمكن للمرء أن يفترض أن النظام المصري قد استقبل نتنياهو المكروه من أجل واحد من احتمالات ثلاثة كي يفهم منه: - أن يطمئن منه إلى أن إسرائيل ليست هي من أشعل الفتيل، - أو أن يطمئن منه أنها لن تتدخل لتوسيع الفتنة إذا كانت نارها قد اشتعلت تلقائيا، - أو أن يسأله: ماذا تريدون منا مقابل إطفاء الحريق الطائفي؟

 

ولعل تصريحات يدلين أن تفسر مغزى تصريحات مصطفي الفقي، مستشار النظام المصري السابق، التي أعلن فيها أن رئيس مصر القادم بحاجة إلى قبول أمريكي وموافقة إسرائيلية. فهي إن لم ترض عن الرئيس القادم، فسوف تنفجر مصر بالاضطرابات والفتن الداخلية في وجهه. إذ لا يمكن أن يكون لإسرائيل صوت في اختيار رئيس مصر القادم من دون أن يكون لها قد كبير من السيطرة على الوضع الداخلي المصري.

 

هنا، إذن، مربط الفرس. فلكي يعم الهدوء الداخلي في مصر يجب إرضاء إسرائيل دوما. ويجب إرضاؤها في الموضوع الفلسطيني خاصة، لكن في غيره أيضا. ومع انفصال جنوب السودان، الذي سيتحول فورا إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية، سوف تمسك إسرائيل بمياه النيل رسميا. وهذا يعني أن خناق مصر سيكون بيديها نهائيا.

 

إذن، فما هو متضمن في تصريحات يادين هو وحده الذي يستطيع أن يفسر السياسة المصرية، سياسة النظام المصري ونظامه، تجاه إسرائيل. فلا يمكن تفسير هذه السياسة انطلاقا من المنطق العادي. المنطق العادي، منطق دولة في مقابل دولة، لا يتقبل السياسة الحالية كما نراها.

 

لقد تحققت نبوءة الشاعر أحمد فؤاد نجم الخائفة: "يا خوفي ترجع سينا وتضيع مصر".. لقد ضاعت مصر حقا... ضاعت، ومن أراد أن يبكي فليبكِ...

*زكريا محمد