15/01/2011 مهندس / أسامه سليمان us_soliman@yahoo.com

السبت ١٥ يناير ٢٠١١ - ٠٨:٠٩ بتوقيت غرينتش

المصري أولاً يتغنى بعض من المصريين وخصوصاً من هم فى مواقع المسئولية والوظائف القيادية بأن كل القرارات والقوانين والتشريعات والإحتياطات و...

المصري أولاً

يتغنى بعض من المصريين وخصوصاً من هم فى مواقع المسئولية والوظائف القيادية بأن كل القرارات والقوانين والتشريعات والإحتياطات و... من أجل مصر أم الدنيا وللمصلحة العليا للوطن ولحماية الأمن القومى لمصر ، حتى الحزب الوطنى صاغ لنفسه شعارات كالفكر الجديد ، و من أجلك أنت ، وأخيراً علشان تتطمن على مستقبل أولادك وكأنهم بهذا أخرسوا الألسنة وكمموا الأفواه ولايجوز لأحد بعد ذلك الحديث عن أى شئ ناقداً أو متحفظاً أو متظاهراً وإلا كان يعمل ضد مصلحة مصر بل وخطراً على أمن مصر، وواقع الأمر أنهم أهانوا مصر وحطّوا من قدر مصر ومكانتها وتجرءوا وتبجحوا عليها .

والذى أود الحديث عنه أن مصر لاتكون أبداً ولا بأى حال قبل الإنسان المصرى كإنسان فهو إبن مصر وهو الذى يصنع مصر ويرفع من قدرها ويعلى من شأنها ؛ فالمصرى أولا .. فهل هذا ما يحدث الآن ؟!

ما أعنيه هو الحقوق والواجبات المتبادلة بين كل مواطن والدولة التى ينتمى إليها ، وأضرب لذلك الدستور المصرى مثلاً الذى ينظم العلاقة بين الطرفين أنه قام على تحقيق مبادئ ثلاثة ( الحرية ، العدالة ، المساواة ) فأين ذلك على أرض الواقع .. وهل يستطيع أى مواطن أياً كانت عقيدته أو إنتماءه ، غنياً أم فقيراً أن يجزم بتحقيق ولو قدر يسير من هذه المبادئ ؟!

إن تزوير الإنتخابات مثلاً من قبل النظام - والجميع يشهد بذلك بما فيهم رئيس الدولة- هى ضرب للدستور فى مبادئه الثلاثة مجتمعين عرض الحائط ، واستخفاف بالإنسان المصرى ينزع منه الإنتماء لمصر ويفقده الثقة والصدق فى من يحكمه ، وينأى به بعيداً عن الإيجابية والعمل بإتقان لمصلحة مصر .

إن الممارسات القمعية وتكذيب الحقائق فى حق الإنسان المصرى - كالتظاهر مثلاً فى يناير عام 1977 من أجل الخبز وضد غلاء الأسعار إتهمه رأس الدولة وقتها الراحل السادات بما سماه " إنتفاضة الحرامية " - جعلته ممتعضاً و ناقماً وشامتاً فى مؤسسات النظام وأزماته ؛ وليس أدل من فرحة بعضهم بحريق مجلس الشورى فى أغسطس عام 2008 .

فكيف نطلب منه أداء الواجب و إحترام الدستور وتنفيذ القانون .. والمثل الأعلى متمثلاً فى نظام الدولة لايؤدى الواجب و ينتهك الدستور و يهدر أحكام القضاء .

كيف نطلب من الإنسان المصرى ألا يسرق أو ينهب .. ويطالعنا الإعلام كل يوم بفضائح يرتكبها رجال النظام - مثلنا الأعلى - من سرقة ونهب لثروات وبنوك وأراضى مصر الوطن .

كيف نطلب من الإنسان المصرى أن يتضامن و يتعاون مع رجال الشرطة فى خدمة الوطن وحالات تعذيبه حتى الموت فى أقسام الشرطة وأمن الدولة تتزايد ، ونزع أى إعتراف من أى متهم مصرى تتم بكل الوسائل التى يعاقب عليها القانون وتتنافى مع أبسط حقوق الإنسان .

وهذه بعض أسماء الشهداء التى ستظل شاهدة على ظلم مرتكبيها وتهاون النظام معهم والتى سلط الإعلام عليها الأضواء وما خفى كان أعظم ( كمال السنانيرى فى 8 نوفمبر 1981 و عمره 63 سنة ، عبد الحارث مدنى المحامى فى 5 مايو 1994 و عمره 26 سنة ، مسعد قطب فى 3 نوفمبر و عمره 43 سنة ، خالد سعيد فى 7 يونيه 2010 وعمره 28 سنة ، سيد بلال فى 6 يناير 2011 وعمره 32 سنة ، وكثير كثير لم يذكرهم الإعلام ).

أى حديث أو تصريح أو تقرير تطالعنا به الصحف وشاشات التلفاز عن "التنمية و التطوير و حقوق الإنسان و الرخاء " بلا معنى وفاقداً للمصداقية - أياً كان المسئول المتحدث - لتنافيه الواقع وكونه منزوع الحقيقة ويكفينا النتائج التى أحرزوها " مواطن مطحون مقهور معلول مظلوم محبوس محدود أو معدوم الدخل " .

إلى متى الإستخفاف بالعقول والضحك على الذقون .. نعلم أنه لكل خطة أو موازنة أهداف ، ولكل هدف مستهدفات ولكل مستهدف معيار إنجاز و مظهر نجاح ، بالله عليكم فى أى وزارة أو مجال تفوقتم ، وأى من الأهداف حققتم ، وكل التصنيفات العالمية والمعايير الدولية والتقارير المحايدة تفضح كذبكم وتعرّى خداعكم وتنعتكم بالفشل والهزيمة ، ولو أنصفتكم لقالت أكثر ما قال مالك فى الخمر .

إن الإنسان المصرى الذى بنى الأهرامات منذ القدم وأسس الحضارة لآلاف السنين هو نفسه الذى شيد عمارات تنهار فى أولى سنوات عمرها ، وأتى بالكوريين ليشيدوا له فنادق الفورسيزون ، والفرنسيين لمترو الأنفاق والإنجليز للقناطر الخيرية .

الإنسان المصرى الذى حارب وانتصر على أعداءه طوال التاريخ وصولاً لانتصار أكتوبر 1973 هو الذى خضع لعدوه ورضخ لإتفاقية كامب ديفيد وباع له الغاز بأبخس الأثمان وبنى له الجدار العازل ، بل وخرج منه الجاسوس المصرى الذى يعمل ضد وطنه ولم نسمع عن كشف جاسوس إسرائيلى يعمل ضد وطنه .

الإنسان المصرى الذى كان أول سلة غذاء للعالم وبالذات فى القمح منذ سيدنا يوسف عليه السلام هو نفسه الذى يستورد أربعة أخماس غذائه ولايمكنه الإكتفاء ذاتياً ونحن فى 2010 .

الإنسان المصرى الذى داين العالم فى منتصف القرن العشرين وكان دولة دائنة لدول أخرى هو الآن الذى تجاوزت مديونياته الداخلية والخارجية تريليون جنيه.

الإنسان المصرى الذى عرف القراءة والكتابة منذ خمسة آلاف عام هو نفسه الذى تصل نسبة أميته إلى نصف تعداد السكان تقريباً .

الكثير عن تغير أحوال الإنسان المصرى حتى فى قدرته كشعب على التغيير نال ترتيباً متأخراً وهو 151 من إجمالى شعوب العالم فى مقابل الشعب الماليزى مثلاً الذى حصل على الترتيب الحادى عشر .

الأمر يحتاج إلى إنتفاضة مصرية تبدأ من داخل الإنسان المصرى أولاً ولايكفى اللوم على من يحكومننا ولو كانوا بالفعل هم العلة فى ما أحل بمصر ، لأنه كما تكونوا يولى عليكم ، ومن أعمالكم سلط عليكم ، وصدق الله العظيم " إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .

نعم إن غياب الضمير المصرى مسئولية نظام تعاقب علينا وأورثنا الكثير بفساده المالى والإدارى من أجل مصالحه (كالمحسوبية ، الإستغلال الوظيفى ، الرشوة ، الثروة مع السلطة من أجل الكسب السريع) ..

ومع ذلك لا نتجاهل أنفسنا .. فبأيدينا زورنا الإنتخابات ، وسمحنا بالغش فى الإمتحانات ، والتبديل فى أوراق إجابات طلاب لحساب طلاب آخرين ،وإمكانية الحصول على دبلومة التربية من خلال شراء نموذج الإجابة بخمسين جنيه فقط لاغير .. إلخ .

فلا نلومن إلا أنفسنا ، ولن ينفعنا الصمت والرضى بما يكال لنا كل يوم وكل ساعة ، والأمر جد خطير ويحتاج إلى نفض غبار النوم عنا ، و إصلاح أنفسنا ومن نرعاهم ، والتخلص مما ران على قلوبنا من خوف وجبن ورضى بذل العيش وحرمان من أبسط حقوق الإنسان الذى كرمه ربه ، فالإلحاح فى طلب الحقوق وانتزاعها بكل الوسائل التى كفلها الدستور ،أياً كانت التضحيات تقتل الشيطان الأخرس فى النفس الساكتة عن الحق .

هيا بنا إلى البناء وإن استغرق وقتاً فلا يأس مع الحياه ، ولا يفيد لعن الظلام فقم و أوقد شمعة ، وليسأل كل منا نفسه هل أخذ بالأسباب جميعها ،

إن كان عاطلا لايعمل .. تعلم أى صنعة ولايرضخ للحال الذى وضعنا فيه النظام فالهدف أن يكون قادراً على الكسب ولا ينتظر الوظيفة المناسبة ، وإنما يعمل حتى تأتى الوظيفة المناسبة .

إن كان طالباً طلب المعالى ، فجدّ واجتهد وأتقن وأحسن ، وبحث عمن يتدرب عنده حتى يصقل معلوماته النظرية ، ولا يضيع وقته فيما لا ينفع ، والله حسيبه .

إن كان أباً جعل من بيته جنة السعادة التى يرضى عنها ربه وأحسن تربية أبناءه على القيم والسلوكيات الحميدة التى تعيد لنا الإنسان المصرى الأصيل المؤمن المحب لوطنه ، فكلكم راع ومسئول .

هيا بنا نُرِىْ من أنفسنا قوة على الباطل ، وإصراراً على المطالبة بالحقوق ، فلا يضيع حق وراءه مطالب . ولابديل عن الإصلاح والتغيير للأفضل طالما كان فينا " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ، فالإنسان المصرى أولاً .