إنكفاء الاحتلال من فرض التسويات الى البحث عن حدود آمنة

إنكفاء الاحتلال من فرض التسويات الى البحث عن حدود آمنة
الأحد ٠٥ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٣:٠٨ بتوقيت غرينتش

بات كيان الاحتلال اليوم لا يطلب اتفاقيات تسوية او حكومات مساومة كما كان يحلم بعد تسوية كامب ديفيد، بعد التقهقهر الذي اصابه امام محور المقاومة في اكثر من جبهة. وهذا الكيان اصبح لا يروم سوى تهدئة وخطوط فصل آمنة تحفظ بيته الزجاجي الصغير من جبهات قد تفتح في أية لحظة اذا اقتضى الامر.

العالم - قضية اليوم

كان كيان الاحتلال الصهيوني يحاول ان يفرض معادلة "الأرض مقابل السلام" بعد نكسة عام 1967 وما نتج عنها من احتلاله اراض عربية من فلسطين والاردن ومصر وسوريا ولبنان. وتمكن هذا الكيان بدعم واغراءات مالية من الولايات المتحدة ان يقايض ما احتله من اراض من مصر والاردن بمعاهدات تسوية مع البلدين لكنه لم ينجح ابدا في التطبيع مع البلدين ولا زال الشعبان المصري والاردني يرفضان اي تطبيع مع الاحتلال ويعتبران القضية الفلسطينية قضيتهم المركزية وكيان الاحتلال هو عدوهم الاول.

وحاول هذا الكيان ان يلعب اللعبة نفسها مع الدول الاخرى اي لبنان وسوريا وفلسطين لكنه فشل فشلا ذريعا. فلبنان استعاد ارضه كاملة تقريبا ما عدا جزءا صغيرا من مزارع شبعا دون ان يعطيه اي تسوية او مساومة. ودخل الاحتلال في اكثرمن حرب شاملة لكن بسالة المقاومة وبدعم الجيش والشعب في لبنان احبطت مطامحه وجعلته ينكفئ من البحث عن معاهدة تسوية الى البحث عن حدود آمنة ولو بشكل مؤقت وهش وبات يحاصر نفسه بقرارات تهدئة بعد ان كُسرت خرافة الجيش الذي لا يقهر على يد المقاومة اللبنانية.

والامر نفسه تكرر لاكثر من مرة مع قطاع غزة ورغم الحروب التدميرية المحمية سياسيا وعسكريا واعلاميا من قبل الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، لكن المقاومة الاسلامية لم تستسلم ولم تقبل بالتسوية اوالمساومة بل فرضت معادلتها على كيان الاحتلال ومرة أخرى تقهقهر الاحتلال الى البحث عن تهدئة توفر له حدود آمنة مع القطاع فيما احاط نفسه بجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية لعله يكون بمنأى عن العمليات الفدائية للمقاومة الفلسطينية التي تستهدفه في العمق.

وفي حروب ما بعد معاهدات التسوية مع مصر والاردن، والتي ألحقت بكيان الاحتلال هزائم متلاحقة وحطمت فرضية الجيش الذي لا يهزم، كانت المقاومة الفلسطينية ونظيرتها اللبنانية تحظيان بدعم معلن وواضح واكيد من قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية ومن الجمهورية العربية السورية الامر الذي عرض البلدين الى كثير من الضغوط وحتى العقوبات والتهديدات لكن محور المقاومة كان في كل موقعة يسجل انتصارا بعد انتصار بينما يقوم كيان الاحتلال بلعق جراحه وبدراسة خسائره وخيباته لعله يأخذ الدروس والعبر.

ومع بداية الازمة في سورية في عام 2011، وتطور الاحتجاجات المطلبية المحدودة الى اعمال مسلحة دخلت فيها دول مختلفة وجماعات ارهابية اجتمعت اراداتها على الانتقام من محور المقاومة بضرب الحكومة السورية ما كان من كيان الاحتلال الصهيوني إلا ان ينضم الى هذا المؤامرة الكونية فوفر ملاذا آمنا لجماعات مسلحة بينها جماعات مرتبطة بالقاعدة ومن بعد بداعش واخذ يُمني نفسه بتسويات وتفاهمات مع هذه الجماعات وبمناطق آمنة داخل الاراضي السورية او فرض وقائع جديدة على الارض.

التماسك الذي ابداه محور المقاومة في الدفاع عن سورية حكومة وشعبا وارضا رغم كل الصعوبات والتحديات والتضحيات، حقق من جديد انتصارا كاسحا بطرد الارهاب واعادة الامن والاستقرار والوصول الى جميع الحدود السورية الفلسطينية رغم كل ما تردد عن خطوط حمر رسمتها الولايات المتحدة امام تقدم الجيش السوري، وما كان من خيار امام كيان الاحتلال الا ان يتوسل من جديد بالعودة الى اتفاق عام 1974 لفك الاشتباك ولكن مع جيش اقوى واكثر خبرة وتجربة ودون اتفاقيات تسوية او مساومة.

وبهذا مرة اخرى يخسر كيان الاحتلال رهانه بضرب محور المقاومة او اضعافه او ارباكه ويتراجع من وهم فرض اتفاقيات تسوية او حكومات مساومة ويقبل صاغرا بواقع يقول: فقط لا تضربوني. وأما ما يلوكه الاعلام العبري وبعض العربي الموالي للمحور السعودي الاماراتي عن إبعاد الوجود الايراني عن الحدود السورية الفلسطينية ومحاولة عرضه كمكسب لكيان الاحتلال فيتطلب مقالة اخرى لكن الخلاصة ان الوجود الايراني في سورية كان لافشال مؤامرة كونية ابطالها الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر وادواتها القاعدة وداعش ومن دار في فلكهما وقد حقق نجاحا استراتيجيا باهرا في ذلك وكل ما عدا ذلك يدخل في التفاصيل التكتيكية وكيان الاحتلال يعرف اكثر من غيره ان بيته الزجاجي اصبح تحت مرمى على الاقل ثلاث جبهات قابلة للاشعال.

احمد المقدادي