الأدوار المشبوهة لمنظمات "الغونغوز" في البحرين

الأدوار المشبوهة لمنظمات
الأحد ٠٥ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٦:١٠ بتوقيت غرينتش

تعتمد السلطات البحرينية سياسة خنق مؤسسات المجتمع المدني والإجهاز على المنظمات الحقوقية المستقلة، وذلك عبر سن تشريعات محلية تقوّض نشاط هذه المنظمات، أو الملاحقات القضائية والأمنية كما حدث لرئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب وللحقوقية البارزة ابتسام الصائغ.

العالم - البحرین

وبالموازاة مع ذلك؛ يبرز دور منظمات "الغونغوز" (GONGOS) التي تعرّف عادة بأنها منظمات غير حكومية تمولها وتديرها الحكومات، وهي تبدو كأنها مؤسسات مجتمع مدني غير حكومية، ولكنها أنشئت من قبل حكومات غير ديمقراطية للتشويش على المنظمات غير الحكومية الفاعلة، والتي تسعى إلى تعزيز الحريات العامة والديمقراطية في بلدانها حسبما افاد موقع الجزيرة.

وفي هذا الإطار؛ تؤدي منظمات "الغونغوز" الممولة من الحكومة البحرينية أدوارا متعددة في تشويه صورة الواقع الحقوقي في البحرين، وهي تعمل ضمن إطار مجتمع مدني وهمي تم تشكيله لمواجهة العمل الحقوقي المستقل داخليا وخارجيا.

فمن أهداف إنشاء "الغونغوز" البحرينية: تضليل الرأي العام، وتشويش الرؤية لدى المنظمات الدولية بشأن ما يجري في البحرين، عبر فبركة الأحداث الحقوقية لاتهام المعارضة بارتكاب انتهاكات، وتشويه سمعة الناشطين أو المؤسسات الحقوقية المحلية، ومحاولة اختراقها لتقييد عملها.

"من أهداف إنشاء "الغونغوز" البحرينية: تضليل الرأي العام، وتشويش الرؤية لدى المنظمات الدولية بشأن ما يجري في البحرين، عبر فبركة الأحداث الحقوقية لاتهام المعارضة بارتكاب انتهاكات، وتشويه سمعة الناشطين أو المؤسسات الحقوقية المحلية، ورصد نشاط المؤسسات الحقوقية المحلية، وإصدار بيانات وتقارير مضادة للوقائع الحقوقية عبر مراسلة البعثات الدبلوماسية والإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة، وإطلاق مواقف إعلامية تمتدح السجل الحقوقي للسلطة"

وكذلك رصد نشاط المؤسسات الحقوقية المحلية، وإصدار بيانات وتقارير مضادة للوقائع الحقوقية عبر مراسلة البعثات الدبلوماسية والإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة، وإطلاق مواقف إعلامية تمتدح السجل الحقوقي للسلطة، بالإضافة إلى كتابة تقارير تجسسية خاصة ترسل إلى وزارة الداخلية أو وزير المتابعة في الديوان الملكي (مراسلات فيصل فولاذ وأحمد عطية الله آل خليفة مثالا).

هذا إضافة إلى اتخاذ شكاوى الضحايا مادة للابتزاز لدى الأجهزة الأمنية، وتبرير ارتكاب التجاوزات كما فعلت المؤسسة الوطنية في امتداحها الإجراءات القضائية والتحريض على أحكام الإعدام مثلا؛ حيث نفذت أحكام الإعدام (في 15 يناير/كانون الثاني 2018) بحق ثلاثة مواطنين بعد ضغط الإمارات السلبي. وقد اعتبرت مقررة الأمم المتحدة أجنيس كالامارد أحكام الإعدام هذه قتلا خارج إطار القانون.

وقد كشف "تقرير البندر" -الذي أصدره مركز "الخليج (الفارسي) للتنمية والديمقراطية" في سبتمبر/أيلول 2006- دور وزير المتابعة في الديوان الملكي أحمد عطية الله آل خليفة في قيادة مجموعة التأزيم، التي تقف وراء مؤامرة سياسية كبيرة، جرى تفصيلها في 240 صفحة بالوثائق لتغيير التركيبة السكانية والقضاء على المجتمع المدني، عبر عدة وسائل منها دعم منظمات وهمية لها أهداف خطيرة.

ورغم ذلك؛ فإنَّ نشاط منظمات "الغونغوز" استمر في خط تصاعدي، ولم تلجأ السلطة إلى التحقيق فيما ورد من معلومات في "تقرير البندر"، وإنَّما أصدرت تعميما على الصحافة بمنع تداول هذا الموضوع، ليشار إليه -في تقارير إعلامية محدودة- تحت عنوان: "التقرير المثير".

هذا فضلا عن ترحيل الشرطة البحرينية للدكتور صلاح البندر إلى المملكة المتحدة التي يحمل جنسيتها. ويشار إلى أنَّ التقرير نشر مجموعة من الوثائق منها الشيكات المالية المصروفة لأعضاء هذه المؤسسات في بنك التمويل الكويتي.

وقد تحدث تقرير البندر في 2006 عن دور أحمد عطية الله في تمويل مؤسسات "الغونغوز" التالية.

أما مع اندلاع أحداث 14 فبراير/شباط في 2011، وبالتزامن مع تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة لتقصي الحقائق التي أصدرت تقريرها الشهري في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 برئاسة البروفيسور الراحل محمود بسيوني، وصولا إلى الاستعراض الدوري الشامل بجنيف في 2012؛ فقد تم تشكيل خمس منظمات حقوقية من نمط الغونغوز.

ومنذ تنشيط وزارة الخارجية البحرينية في تولي ملف حقوق الإنسان بالبحرين، واتساع الأزمة الحقوقية الذي استدعى أن يكون موضوعا حاضرا بشكل أساسي في مداولات مجلس حقوق الإنسان، على صعيد الجلسات الموازية أو مواقف المقررين الخاصين والدول الأعضاء في المجلس؛ تنامى الدور السعودي والإماراتي في إسناد البحرين بلوبي من "الغونغوز" منذ 2012 لتلميع صورة البحرين الحقوقية. وهو ذات اللوبي الذي تعتمد عليه هاتان الدولتان في تلميع الانتهاكات التي تحدث في السعودية والإمارات.

وعلى هذا الخط التصاعدي لتنامي الاهتمام الدولي بأوضاع حقوق الإنسان في البحرين؛ لجأت الحكومة البحرينية إلى تنشيط منظمات الغونغوز وإنشاء مؤسسات أخرى ضمن إطار شكلي (الأمانة العامة للتظلمات مثلا لا تحظى باستقلالية)، أو تعزيز دور المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (منشأة بخلاف مبادئ باريسوفشلت في الحصول على تصنيف "أ" في الاعتمادية الدولية لأكثر من مرة).

"منذ تنشيط وزارة الخارجية البحرينية في تولي ملف حقوق الإنسان بالبحرين، واتساع الأزمة الحقوقية الذي استدعى أن يكون موضوعا حاضرا بشكل أساسي في مداولات مجلس حقوق الإنسان، على صعيد الجلسات الموازية أو مواقف المقررين الخاصين والدول الأعضاء في المجلس؛ تنامى الدور السعودي والإماراتي في إسناد البحرين بلوبي من "الغونغوز" منذ 2012 لتلميع صورة البحرين الحقوقية"

هذا إضافة إلى إقصاء المنظمات الحقوقية المستقلة عن أن تكون طرفا -وفق الأعراف الرسمية للأمم المتحدة- في المشاركة في تقارير الظل الحقوقية، فضلا عن ملاحقة الناشطين أمنيا وقضائيا، وتخصيص حيز واسع في الإعلام الرسمي لبث خطابات الكراهية التحريضية ضدهم وضد نشاطهم، وعدم السماح بتسجيل مؤسسات حقوقية جديدة مستقلة، ووقف التمويل عن مؤسسات مجتمع مدني أخرى.

ويتضح من مراجعة نشاط بعض منظمات "الغونغوز" أنَّها لم تقم بأي نشاط حقوقي ذي أهمية في القضايا ذات الأولية في عمل المفوضية السامية، فجمعية مبادئ لحقوق الإنسان مثلا اقتصر عملها على التصدي لمواقف المفوض السامي الأمير زيد بن رعد وإدانة تصريحاته المتعلقة بالبحرين، أو مهاجمة أعضاء الوفد الأهلي في جنيف، أو الإشادة بمنجزات الحكومة البحرينية في مجال حقوق الإنسان.

أما جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان فلم تخلُ من ذات الأنشطة، يضاف إليها التحريض على معاقبة النشطاء والمعارضين، والدعوة إلى تغليظ العقوبة القانونية بحقهم أو التشهير بالمؤسسات الحقوقية بناءً على ادعاءات باطلة، فضلا عن العمل بموازاة مؤسسات وهمية رديفة تجاوزت 13 من دون أي ملاحقة قانونية من قبل السلطة.

كان هنالك دور إماراتي واضح أيضا لضابط الأمن الإماراتي أحمد الهاملي بالتنسيق مع البحريني عيسى العربي، عند تشكيلالفدرالية العربية لحقوق الإنسان؛ في القيام بأدوار مشبوهة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين والدول العربية المطلة على الخليج (الفارسي)، قبل أن تطالب الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة في جنيف باتخاذ إجراءات قانونية ضد الهاملي والعاملين معه، بسبب انكشاف هذه الأدوار الإماراتية.

ونظرا لازدياد القيود التي تفرضها السلطات البحرينية على الناشطين؛ فقد كرر المفوض السامي -أكثر من مرة- انتقاده لما يجري من سحق للمجتمع المدني في البحرين، وتقييد حرية تكوين الجمعيات.

أما ردة فعل الحكومة البحرينية فتمثلت في استمرارها في تخصيص موازنة مالية كبيرة جدا (تظهرها سجلات وزارة المالية) لدعم "الغونغوز"، بدلا من صرفها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان. وهو ما يعني استمرارا لتعزيز الأدوار المشبوهة لهذه المؤسسات غير المستقلة.