تحول بوصلة فشل الارهابيين من الجنوب الى شمال سوريا

تحول بوصلة فشل الارهابيين من الجنوب الى شمال سوريا
الأحد ٠٥ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٧:٥٣ بتوقيت غرينتش

كما هو متوقّع، بعد إنجاز الجيش السوري والحلفاء تحرير جنوب سوريا بشكل كامل وإنهاء وجود الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة الأكثر حساسية في الحرب الوطنية السورية، لم يعُد أمام سورية سوى التوجه شمالاً إلى محافظة إدلب وشرق الفرات في الشرق لتحريرهما من آخر بقايا الإرهاب، ما يعني أنّ سورية باتت تقف فعلياً على أعتاب تحقيق النصر النهائي ضدّ أشرس حرب إرهابية كونية استعمارية تعرّضت لها دولة في التاريخ الإنساني.

العالم-تقارير

ولهذا فإنّ استحقاق تحرير ما تبقى من محافظة إدلب وشرق الفرات إنما هو استحقاق داهم لا يقبل التأجيل، فإما يتمّ ذلك عبر القوة العسكرية أو عبر التسوية والمصالحة، أو كلتيهما معاً على غرار ما حصل في جنوب سوريا. وليس هناك من إمكانية لأيّ مساومة في هذا الأمر من قبل الدولة الوطنية السورية كما أعلن أكثر من مرة الرئيس بشار الأسد بتأكيد التصميم على استعادة سيادة سوريا على كامل أراضيها وصولاً إلى فرض رحيل القوات الأجنبية المحتلة لأجزاء من الأرض السورية بلا قيد ولا شرط.

بعد تحرير الجنوب السوري… دمشق على أعتاب النصر النهائي

ويبدو من خلال قراءة المشهد في الشمال والشرق، أنّ جميع الأطراف الإرهابية والدولية الداعمة لها في وضع المأزوم والفاقد للقدرة على منع أو إعاقة قرار الدولة السورية في تحقيق هدفها بتحرير هذه المناطق بعد أن أصبحت في وضع مَن يقرّر مسار الأمور في الميدان والسياسة، بما ينسجم مع مصالح سوريا الوطنية بعدم التنازل عن حقها في الحفاظ على استقلالية قرارها الوطني من ناحية، ورفض أيّ تسوية سياسية لا تحترم إرادة وحق الشعب السوري في تقرير مصيره بعيداً عن اي تدخل خارجي من ناحية ثانية.

في كلّ الأحوال فإنّ معركة نهاية الحرب الإرهابية على سوريا باتت في آخر مرحلة بعد تحرير الجنوب وتحديداً محافظة درعا الشرارة التي انطلقت منها الحرب، ولهذا فإنّ معركة استعادة ما تبقى من مناطق في الشمال والشرق لنفس قد دنت ليعلن بعدها الانتصار النهائي لسوريا وحلفائها وولادة مرحلة جديدة سورياً وعربياً وإقليمياً ودولياً من هذا الانتصار التاريخي والاستراتيجي الذي غيّر المعادلات وموازين القوى لمصلحة محور المقاومة والدول الإقليمية والدولية الساعة إلى إعادة بناء النظام الدولي على أسس من التعددية والتعاون واحترام سيادة واستقلال الدول وحق شعوبها بتقرير مصيرها بعيداً عن الهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية.

شمال سوريا؛ مصير محتوم و مختوم للإرهابیین

أصبحت مناطق شمالية نحو ادلب المأوى الأخير للآلاف من المسلحين الذين ضاقت بهم الأرض، ولم يجدوا مفراً من الموت غيرها، عبر اتفاقات مصالحة تنصّ على ترحيل من يرفض تسوية وضعه وترك حمل السلاح، حيث تم ترحيل مسلحي داريا بتعداد 1400 مسلح، و المعضمية بما يقارب 1000 مسلح، و قدسيا والهامة 2000 مسلح، و التل 1500 مسلح، بالإضافة للمئات من حي الوعر الحمصي، وحي القدم والعسالي بريف دمشق، الذي لم تكتمل فيه المصالحة حتى الآن.

ليصبح مجموع من تمّ ترحيلهم من حملة السلاح إلى إدلب ما يقارب 6000 مسلح، بالإضافة لعائلاتهم. ولكن السؤال هذا العدد الضخم القادر على تشكيل لواء ضخم، أين هم، وماذا يفعلون في إدلب؟

أحد قادة الفصائل المسلحة قال في رسالة نشرها "فيصل القاسم" على صفحته على الفيسبوك متحدثاً عن تجميع المسلحين في إدلب قال: "أين سيذهبون بعد إدلب، هل ستقبل تركيا باستقبال كل هؤلاء، أم أن جميعهم سيعودون لحضن الوطن!" متسائلاً عن مصير كل هؤلاء الذين لم يصمدوا على أطراف العاصمة دمشق، فكيف سيقاتلون قرب الحدود التركية؟؟

لن يطول ملفّ إدلب كثيراً، فعين الدولة السورية على بلدتي كفريا والفوعة، اللتين من المتوقع أن تكونا الوجهة التالية للجيش السوري وحلفائه بعد حلب التي اقترب من السيطرة الكاملة عليها، وحينها سيعود ملفّ المرحَّلين إلى إدلب إلى الواجهة فهل ستستقبلهم تركيا، أم ستكون لهم وجهة أخرى؟

قول الجماعات الإرهابية المتواجدة في إدلب بأنها تلقت تطمينات من تركيا بأنها ستساعدهم وتحميهم، لكن كيف يمكن للتركي أن يقايض تلك الجماعات بعلاقات مع حكومات ودول كروسيا وإيران؟! هذا في حال كانت وعود أنقرة للمسلحين حقيقية وصادقةً أساساً!

التوتر الجديد بين أنقرة وواشنطن على خلفية اعتقال القس أندرو برانسون ثم معاقبة الأميركي لوزيرين تركيين أججا الخلاف، تزامن ذلك أيضاً مع قيام واشنطن بنقل جزء من قواتها المتمركزة في الريف الجنوبيّ لمحافظة الحسكة إلى القاعدة الأميركيّة في رميلان شمال المحافظة تمهيداً لنقلهم إلى قاعدة عين الأسد في إقليم شمال العراق، ثم إعلان الانسحاب الكامل والنهائي من المنطقة تطبيقاً لقرار ترامب، لم تعد أنقرة تستطيع الرهان على واشنطن فيما يخص الملف الكردي، وحده محور تحالف موسكو ودمشق وطهران قادر على إعطاء تطمينات فعلية للتركي.

اتفاق سري روسي تركي على إبادة مسلحي الشمال السوري

على هذا الأساس ووفق مصادر خاصة رفضت الكشف عن اسمها وصفتها ولو تلميحاً فقد تم كتابة الخطوط الأولى لاتفاقية سرية بين الروسي والتركي مع وجود فخري للإيراني كشاهد عليها، وبمباركة أميركية لم تكن موجودة بحسب تلك المصادر لولا انعقاد قمة هلسنكي بين بوتين وترامب، وأضافت المصادر بأن الاتفاق السري الذي بدأ تطبيقه تدريجياً سيخرج للعلن قريباً، حيث أكد الروسي كوسيط عن السوري بأن موسكو ودمشق تضمنان موضوع الأكراد بصفتهم مواطنين سوريين في النهاية سيتم إعطاؤهم حقوقهم كاملةً دون حكم ذاتي، مع إمكانية إعادة العلاقات مع أنقرة تدريجياً بعد تحقيق عدة خطوات أولها التعاون مع روسيا فيما يخص إدلب، بحيث لن تتدخل أنقرة، وهنا أوضحت المصادر التي كانت خلال اللقاءات أن الأتراك اعترضوا على ذلك واعتبروه شرطاً كبير الثمن، فأجاب الجانب الروسي بأن سلاح الجو الروسي سيقوم بإسناد جوي للجيش السوري ولن يستطيع أحد فعل شيء حيال مسألة تحرير ادلب، لكن الروس اقترحوا على التركي أن يستمر بإطلاق تصريحاته الداعمة للجماعات المسلحة على وسائل الإعلام وأنه سيدعمهم حفاظاً لماء وجهه أولاً ولضمان عدم هرب أعداد كبيرة من المسلحين إلى الداخل التركي وهو ما ستدفع ضريبته حكومة العدالة والتنمية داخلياً، وهنا ستكون تركيا قد كسبت أولاً ضمانات فيما يخص الأكراد وثانياً ستضمن عدم عودة أ ي مسلح من أي جنسية إلى الداخل التركي بما قد يهدد أمن أنقرة، فضلاً عن أن تلك الخطوات ستؤثر إيجاباً على الأوضاع الإقليمية و ستسمح بدفع عجلة الحل السياسي في سوريا، وهذا في صالح التركي أمنياً واقتصادياً أيضاً.

المصادر قالت أيضاً بأن أنقرة يمكن أن تساوم الأوروبي على ملف المسلحين الأجانب، الذين باتوا لا يملكون مهرباً إلا الحدود التركية، بالتالي يمكن لأردوغان مساومة الأوروبيين على الخطر الذي تخاف منه القارة العجوز، أي عودة المتطرفين الأجانب إلى بلدانهم عبر تركيا، و قد يساعده ذلك في مسألة الانضمام للاتحاد الأوروبي أيضاً، وأنهت المصادر قولها ” على مايبدو .. فإن الاتفاق بات أمراً واقعاً.. لن تغير أنقرة من تصريحاتها الداعمة لمسلحي ادلب، لكنها في الحقيقة لن تساعدهم بشيء إلا إعلامياً، ستمنع أنقرة هؤلاء من المسلحين من الهرب في معركتهم، لقد تم تلقيم بنادق الدرك والجيش التركي على الحدود نحو ظهور مسلحي الشمال، بمعنى آخر فإن الاتفاق السري هو بمثابة التوافق على إبادة جميع مسلحي الشمال، وهو ما تؤكده التصرفات التركية من خلال حشد الجيش والدرك التركيين على الحدود، وحالات إطلاق النار على مسلحين من ميليشيات الشمال حاولوا الهرب قبل بدأ الجيش السوري معركته ضدهم.

الحسيني