ذكاء الإنسان بين العقل والعاطفة !

ذكاء الإنسان بين العقل والعاطفة !
الثلاثاء ٠٧ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٥:١٢ بتوقيت غرينتش

هل تنفجر غضباً على أيٍّ كان, ولأي سبب كان؟ هل تندفع إلى القيام بأعمال مكلفة مادياً ومعنوياً وأنت في غنى عن ذلك؟ هل تعيش مضطرباً متوتراً ليومين لأن أحدهم وجّه ملاحظة قد لا تكون معنياً بها؟

العالم - تقارير

إننا نملك دماغين: الأول انفعالي عاطفي, والثاني عقلي منطقي, يتمثلان في نصفي الكرة المخيتين.

وينظم القسم الأيسر العمليات المنطقية, بينما يتحكم الأيمن في المشاعر وعمليات التخيل والإبداع.

وغالباً عندما نريد أن نقيم شخصاً ونقيس قدراته يتجه تفكيرنا تلقائياً نحو قياس ذكائه المنطقي على اعتباره ركناً من أركان النجاح والتميز لا يتمّان إلا به.

وظل هذا المفهوم سائداً فترة طويلة من الزمن, إلى أن أثبتت الدراسات والتجارب الواقعية ما يجعلنا نشك في انفراد الذكاء المنطقي كسبب وحيد للتفوق والنجاح.

وبناءً على هذا ولدى تعريفنا للذكاء ينبغي ألا نركز على جانب الذكاء المنطقي الرياضي ونغفل الجوانب الأخرى كحال التعريفات المختلفة التي نقرأها هنا وهناك.

ولعل التعريف الذي تصدر صحيفة "وول ستريت جورنال" ينسجم بشكل جيد مع النظرة الجديدة, "الذكاء هو استعداد عقلي يستلزم وجود القدرة على إعمال الفكر واستباق الأموروحل المشكلات والتفكير المجرد وفهم الأفكار المعقدة والتعلم السريع والاستفادة من التجارب, وغيرها من الأمور.

وتلك القدرة ليست قدره على القيام بالواجبات المدرسيةوحدها ولا ملكه بالمعنى الأكاديمي الضيق ولا جهوزية للنجاح في اختبارات الذكاء IQ . 

بل إنها تعكس قدره أكثر اتساعاً وعمقاً على فهم ما يحيط بنا وعلى الإدراك الفوري وإعطاء المعنى للأشياء واستنباط الحلول العملية".

فهذا التعريف ينسجم مع ما نراه من نجاح بعض ممن نعتبرهم متوسطي أو ضعيفي الذكاء نجاحاً مبهراً, وبلوغهم مصاف أصحاب الفعل والتغيير والتأثير.. في حين يعجز كثيرون من الأذكياء وذوي الإمكانات العقلية الممتازة عن تحقيق الحد الأدنى من أهدافهم.

فالمقياس الحقيقي للذكاء لا يقتصر على معدل الذكاء المنطقي IQ)), بل يتجاوزه إلى معدل الذكاء العاطفيEmotional (EQ).

أما عن معنى الذكاء العاطفي وكما يقول "جيل آزوباردي" في كتابه "اختبر ذكاءك العقلي والعاطفي" فهو يشمل ما يلي:

1.       القدرة على تمالك الذات

2.       التحكم بالاندفاعات العاطفية

3.       الاستماع إلى صوت العقل

4.       المحافظة على الهدوء في جميع الظروف

5.       التفاؤل على الرغم من المصاعب والمحن

6.       القدرة على فهم المشاعر الشخصية

7.       القدرة على قراءة مشاعر الآخرين

وحدد "توماس هاتش" و"هوارد غاردنر أربع قدرات منفصلة بوصفها مكونات الذكاء المتفاعل بين الأفراد وهي:

1.       تنظيم المجموعات: وهي القدرة التي يتمتع بها المخرجون والعسكريون والقادة المؤثرون في العاملين معهم.

2.       الحلول التفاوضية: وهي الموهبة التي يتحلى بها الوسيط الذي يمنع وقوع المنازعات ويستطيع إيجاد الحلول لها مرضياً جميع الأطراف.

3.       العلاقات الشخصية: وهي فن العلاقات بين البشر, والتي تعني إقامة علاقات طيبة مع كل الناس, وبث روح السعادة والتفاؤل فيهم.

4.       التحليل الاجتماعي: يتمثل في القدرة على اكتشاف مشاعر الآخرين ببصيرة نافذة, والتعرف على اهتماماتهم ودوافعهم, وسهولة إقامة العلاقات والمحافظة عليها.

إن الهالة التي أحيط بها الذكاء العقلي بدأت تفقد بريقها, وبدأ الذكاء العاطفي يأخذ مكانه الطبيعي.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية بدأت المدارس تخصص دروساً للتربية الانفعالية والعاطفية من أجل الحد من العدوانية والعنف عند المراهقين.

كما راج مؤخراً الشعار التالي: "الذكاء العقلي يمكنك من الحصول على الوظيفة, أما الذكاء العاطفي فيجعلك ترتقي نحو الأفضل".

فالحاضر يشهد نهوض قيم جديدة هي الحدس والرقة والتعاطف والتشاور والمشاركة الواعية. فلا شك أن العقل وحده لا يقود الإنسان فالعاطفة أيضاً تقوده وتتحكم بقراراته, وخصوصاً عندما يكون الإنسان مقتنعاً بعكس ما يفعله.

وقد طاب معهد بيل لابس(Bell Labs)  في مؤسسةAT&T's عملاق تكنولوجيا الاتصالات في الولايات المتحدة الأمريكية من دانييل غولمان – عالم نفس من جامعة هارفرد ومؤلف كتاب الذكاء العاطفي- أن يُجري فحصاً لكبار الخبراء في المؤسسة .

وكانت النتيجة أن أفضل الباحثين لم يكونوا أولئك الذين يتمتعون بأفضل معدل للذكاء العقلي والذين يحملون أرفع الشهادات.

وإنما كان المتفوقون أولئك الذين أهلتهم مزاياهم الشخصية لاحتلال مكانة هامة ضمن زملائهم في الشركة, وخاصة في مراحل الأزمات أو الابتكارات الجديدة بحيث كانوا محبوبين قادرين على اجتذاب الدعم والمساندة من الجميع.

وأجريت دراسة أخرى في الولايات وأوروبا من قبل Center Of Creative Leadership لفهم أسباب فشل الكثيرين من الشبان  والشابات ذوي المؤهلات العبقرية الواعدة.

وقد توصلت هذه الدراسة إلى النتائج ذاتها: سبب الفشل هو تدني معدل الذكاء العاطفي وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين. فالفشل في العمل غالباً ما ينشأ عن أسباب عاطفية  أكثر مما ينشأ عن نقص في المؤهلات التقنية.

فالذكاء بدون حس تواصل وجاذبية وتعاطف ليس كافياً.

وختاماً نقول نحن لا نهمش الذكاء العقلي ولا ننكر أهميته الكبيرة, ولكن ربما ركزنا على الذكاء العاطفي وضخمنا أهميته من باب لفت النظر إليه, نظراً لتجاهله وتهميشه في معظم المجتمعات. فالإنسان إنسانٌ بعقله وعاطفته في كلٍّ متناغم.

بين القلب والعقل

يقولون: حكّموا عقولكم لا قلوبكم في اتخاذ قرارات لا تريدون الندم عليها لاحقاً.

ولكن أخيراً أكدت الدراسات أن القلب هو الذي يتحكم في عقل الأنسان أكثر مما كان يُخيّل للعلماء، لأن مصدر القرارت مصدر بيولوجي، هو (القلب)، إذ هناك أكثر من 40000 خلية عصبية حسية تنقل المعلومات من قلب الإنسان إلى عقله.

وفي الآونة الأخيرة، بدأ العلماء يستخدمون مصطلح "مخ القلب" للتعبير عن العلاقة القائمة بين قلب الإنسان وعقله، لأن القلب يمتلك جهازاً عصبياً يعمل بشكل مستقل عن أعصاب المخ.

ومن هنا يأتي دور المشاعر والعواطف والانفعالات في حياة الإنسان، ويتحدد من خلالها ذكاؤه في التعامل مع البيئة المحيطة به.

الاضطرابات النفسية والسلوكية

وإنه لاحظ في كثير من الأحيان أن المشاعر تكون مضطربة أحياناً، إذ يحبسها الإنسان خوفاً من أن تؤذيه. أما في الذكاء الوجداني فأنت تحب الناس، وتشعر بهم، وتتفاعل معهم، وتميل إليهم، وترتبط بهم ويرتبطون بك، ولا تعيش وحيد.

لذلك جاء تعريف الإنسان: "بأنه خريطة من العلاقات الاجتماعية تسير على قدمين"، هذه العلاقات لا تنجح إلا إذا تضمّنت جانباً عاطفياً أو وجدانياً. علماً أن العواطف ليست مقتصرةً على الحب فقط، بل أيضاً هي متعددة الجوانب.

بين الذكاء العقلي والذكاء العاطفي

وهناك يطلق البعض لقب ذكي على الشخص الذي يحصل على درجات مرتفعة في اختبارات القدرات العقلية (IQ)، في حين يتم تجريد غيره ممن حصل على معدلات أقل في هذه القدرات من ذلك اللقب بالرغم من امتلاكه قدرات مرتفعة في ضبط انفعالاته، وإدارتها وتحفيز ذاته، بالإضافة إلى المثابرة والإصرار والمبادرة والمرونة، وتقبل الغير والقدرة على التأثير في الآخرين.

ومن نجاح الأفراد في الحياة العلمية والاجتماعية، اتّضحت أهمية تلك القدرات والسمات بشكل يفوق تأثير الذكاء العام. يقول الدكتور حافظ: "في الذكاء جزء من مادة خام خاصة بالذكاء المجرد "العقلي" الخاص (بالرياضيات، وحل المشكلات... )،

كذلك هنالك جانب اجتماعي يتم تعلمه من خلال الآخرين. لذلك أنت في حاجة إلى تنمية الذكاء الاجتماعي والذكاء الوجداني والذكاء الروحي والذكاء العاطفي".

الذكاء العاطفي

 ظهرت في الفترة الأخيرة دراسات وكتب تتكلم عن نوع جديد من الذكاء وتم تسميته بإسم الذكاء العاطفي ويُعتقد أنه يساهم بنسبة أكبر من 80 % في تحديد نسبة نجاح الفرد أو فشله في حياته ، في نفس الوقت سنجد أن الذكاء التقليدي يساهم بنسبة أقل من 20 % فقط !.

ما المقصود بالذكاء العاطفي؟

يمكن تعريف معني الذكاء العاطفي عن طريق 5 قدرات مختلفة وهي :

1- قدرة الشخص على فهم ومعرفة مشاعره الخاصة

- ويتم عن طريق مراقبة الشخص لمشاعره النفسية وقت حدوثها ومعرفة سببها وفهم أبعادها في وقت سكونها ووقت تقلباتها، والأشخاص الذين يملكون القدرة على فهم مشاعرهم وثقتهم وتيقنهم في صحة فهمهم هذا هم الأشخاص الأكتر قدرة في إدارة مجريات حياتهم ولديهم ثقه أيضًا في قرارتهم الخاصة.

2- القدرة والسيطرة على التحكم في المشاعر النفسية

- والقدرة دي مش هتتحقق إلا عند تحقق القدرة الموجودة في أول نقطة، والأشخاص اللي بيمتلكوا القدرة علي التحكم في مشاعرهم هم أكتر ناس تقدر تقوم بعد الصدمات القوية وتقدر تتغلب علي المُحبطات والنكسات.

3- القدرة علي تحفيز النفس على العمل

- مهمة جداً قدرتك علي تحفيز نفسك علي العمل ، حتى تحقق أهدافك وتتحكم في المُلهيات والمُشتتات وأن تقدم العمل دائماً عن الراحة التي مصدرها هو التسويف الدائم للعمل ، غير أنها تساعدك في الإندماج في العمل والذوبان فيه بكل مشاعرك وعواطفك.

4- القدرة على فهم وملاحظة وإدراك المشاعر الإنسانية للآخرين

- الأشخاص الذين يمتلكون تلك القدرة يستطيعون ملاحظة التغييرات الحادثة للأشخاص الموجودين حولهم مهما كانت بسيطة وفهم إحتياجاتهم النفسية ، وهذا يساعدهم جدًا في حياتهم ومجال عملهم الذي يتطلب التعامل وفهم الآخرين.

5- القدرة على التعامل مع العلاقات الشخصية والتحكم فيها

 هذه القدرة هي التي تتحدد مدى شعبية الشخص وتقبُل من حوله له وتحدد قدرته علي الرئاسة والقيادة.

وجدير بالإنتباه إلى أنّ لغة الجسد والحركات التي تصدر من الأشخاص أثناء كلامهم مع الآخرين هي من أهم العوامل التي تؤدي إلى زيادة التقرب من الآخرين والتأثير فيهم، وبالتالي زيادة محصلة الذكاء العاطفي عند الشخص.

الخطير في الموضوع أن تلك القدرات الخمسة تتكون في السنوات الأولى للطفل وهذا للأسف غائب عن كثير جدًا من الآباء والأمهات، وما يُفقد منها في هذا السن يصعب إستدراكه بعد ذلك !.

الذكاء الإجتماعي

الإنسان كائن إجتماعي بطبعه، صعب أن يعيش بمفرده، وحتي إن قرر هذا فلا يوجد مفر من الإحتكاك بالآخرين علي الأٌقل بسبب إحتياجاته الأساسية من الطعام والشراب والعمل والسكن ... إلخ. لكن كل هذا لا يميز الإنسان عن باقي المخلوقات لأننا سنجد كائنات أخرى لاتستطيع العيش إلّا في جماعات وصعب أن تعتمد علي نفسها في كل شئ ولذلك كان لِزامًا علي الإنسان التميز عن تلك المخلوقات في الإجتماعية.

ما المقصود بالذكاء الإجتماعي ؟

 الذكاء الإجتماعي هو قدرة الانسان أن يدير علاقاته مع الآخرين وإنه يطوعها لصالحه وصالحهم ، وهذه القدرة تأتي نتيجة قدرته علي فهم الأشخاص وتقدير مشاعرهم.

ومن هذا التعريف البسيط سنجد أن من أفضل الطرق التي تؤدي لكسب أكبر عدد من الناس ، هو أن تدرك مشاعرهم وتقدر ما يدور في تفكيرهم ، وتضع في إعتبارك الظروف المحيطة التي تسببت في إمتلاكهم لتلك الشخصيات.

ومن الصعب أن نصف الذكاء الإجتماعي بأنه العملية البسيطة المكتسبة ، بالعكس لأنه عملية مرهقة وصعبة وتحتاج ضبط نفس وهدوء وتركيز وسرعة فهم للأشخاص.

 وهناك فرق بين الذكاء والذكاء الإجتماعي، فالذكاء يعطي صاحبه القدرة على فهم محيطه وقوانين الكون ولكن الذكي ليس بالضرورة أن يكون ذكيًا إجتماعيًا، لأنك يمكن أن تجده منعزلاً ويرفض الإختلاط، وغير مهتم بالآخرين وبمشاعرهم، ويجد صعوبة في التعامل مع الأشخاص المحيطة به.

الفرق بين الذكاء العاطفي والإجتماعي

إن معظم من عرّفوا الذكاء العاطفي والإجتماعي إتفقوا علي أن الذكاء الإجتماعي جزء من الذكاء العاطفي ، فالذكاء العاطفي ببساطة هو قدرة الشخص علي التحكم في إنفعالاته والتحكم في عواطفه بتأجيلها وكبتها لكي يتخطى محنة أو موقف صعب، مع قدرته علي إدراك عواطف الآخرين وهنا مكمن التشابه بين النوعين.

- وأيضًا الذكاء الإجتماعي يندرج تحت الذكاء العاطفي ،فالذكاء الإجتماعي هو قدرة الشخص علي ادارة علاقاته مع الآخرين عن طريق فهم أو وضع نفسه مكان الشخص الذي أمامه أو الذي يتعامل معه أو الذي يحاول حل مشكلته، حتى يستطيع تقدير عواطفه وإنفعالاته التي تَعرّض لها في موقف ما.

- سنجد أن الذكي إجتماعيًا أو عاطفيًا يتميز بالثقة العالية في نفسه، ومحبته للآخرين ومحبة الآخرين له، ولذلك هو بالتأكيد يستطيع تحقيق أهدافه و طموحاته، بالإضافة إلى كونه شخص أمين وصادق يمتلك القدرة على الإعتراف بخطأه والإعتذار عنه.

السمات الشخصية للفرد الذكي عاطفياً

 إن الإنسان الذي لديه نسبة عالية من الذكاء العاطفي والقادر على فهم شعوره وانفعالاته وتطويعها وإدارتها، والاستجابة لها استجابه صحيحة، تصبح لديه مجموعة من السمات والمهارات التي تمكنه من السيطرة على سلوكياته وسلوكيات المحيطين به، ومن أهمها:

-القدرة على تحديد وفهم عواطفه، ومسببات هذه العواطف، وتقييم المواقف بشكل أكثر وضوحاً، وبالتالي اتخاذ قرارات تتسم بالتوازن.

-الاستمرار في حالة من الهدوء والثبات الانفعالي وسط حالات الغموض والقلق، وبالتالي تكوين ردود أفعال متوازنة تناسب المجتمع.

- قدرته في التأثير على الآخرين من خلال قراءة مهاراتهم، والتواصل والتفاعل مع خبراتهم وتجاربهم.

- اتخاذ قرارات أكثر فاعلية، وتقييم المواقف بموضوعية من خلال فهمه الناجح لعواطف الآخرين.

- التواصل المرن مع الآخرين بالطرق المناسبة، وفي الأوقات المناسبة.

وأخيرا ...

إن "المواقف التي يتعرض لها الإنسان تساعد في نمو ذكائه، وتكسبه خبرات متعددة من الآخرين، ومن تعامله مع المجتمع، ذلك لأن حياة الإنسان مزيج من الخبرات التي تنمي في داخله مفهوم العالم الذي يعيش فيه.

فعند الطفل لا يتجاوز مفهوم العالم، الأم والأب والأسرة، فكلما كبر الإنسان وتعامل مع الناس، وسافر وقرأ، وسّع دائرة معارفه، ومن ثم دائرة ذكاءاته.  وزاد فهمه للعالم.

ف.رفيعيان