عطوان: هل يكون العبادي أولى ضحايا عقوبات اميركا ضد ايران؟

عطوان: هل يكون العبادي أولى ضحايا عقوبات اميركا ضد ايران؟
الخميس ٠٩ أغسطس ٢٠١٨ - ١١:٤٢ بتوقيت غرينتش

هل سيكون حيدر العبادي ونظامه العراقي اول ضحايا العقوبات الامريكية على ايران؟ ولماذا نتوقع ان تاتي النتائج سلبية على حلفاء ترامب في الخليج (الفارسي) ايضا؟

ربما يكون السيد حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، ابرز ضحايا العقوبات التي بدأت حكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تطبيقها ضد إيران، تمهيدا لتغيير النظام فيها، بسبب إعلانه رسميا الالتزام بها ومتطلباتها فورا، وإصدار قرار بوقف استيراد السيارات من المصانع الإيرانية.

الغالبية العظمى من الأحزاب العراقية، بما في ذلك حزب الدعوة، الذي أوصل السيد العبادي إلى الحكم، يدين هذه العقوبات ويعارض الالتزام ببنودها، ولذلك سيكون استمراره، أي السيد العبادي، في الحكم صعبا للغاية، إن لم يكن مستحيلا، لأنه في نظر معارضيه فرط في السيادة الوطنية العراقية، وأظهر أبشع أنواع التبعية للولايات المتحدة التي غزت العراق، واحتلته، وفَرضت عليه حصارا خانقا استمر أكثر من 12 عاما.

فآمال السيد العبادي وكتلته (النصر) في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بالتحالف مع بعض التكتلات الأخرى، تقف على حافة الانهيار، إن لم تكن انهارت فعلا، لأن معظم هذه التكتلات، ولا نقول كلها، تتخذ مواقف قوية ضد العقوبات تجنبا لغضب قواعدها الشعبية، وتعاطفا مع الجار الإيراني.

وما يزيد من حرج السيد العبادي وحكومته أمرين أساسيين: الأول أن دول الجوار العراقي مثل تركيا وسورية أعلنت الوقوف في الخندق الإيراني، ومعارضة العقوبات بقوة، وكذلك دول أخرى مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، ولن تجد من يقف في الخندق الأمريكي غير المملكة العربية السعودية والدول الأخرى الخليجية المرشحة للانضمام إلى حلف "الناتو العربي" الذي طالبها الرئيس الأمريكي بتأسيسه لمواجهة إيران عسكريا واقتصاديا وسياسيا، جنبا إلى جنب مع إسرائيل، العضو السري.

الاقتصاد العراقي "المضعضع" سيكون من أبرز المتضرِرين أيضا، فحجم التبادل التجاري بين العراق وإيران يصل إلى ستة مليارات دولار شهريا، معظمها واردات إيرانية رخيصة الثمن، ويزور العراق حوالي أربعة ملايين زائر إيراني وجهتهم الأماكن الشيعية المقدسة في النجف وكربلاء، ويدفع هؤلاء 40 دولارا مقابل تصريح الزيارة فقط، ويدفع كل زائر ألف دولار في المتوسط حسب التقديرات التقريبية، مما يشكل ثقبا كبيرا في الميزانية العراقية، والأخطر من هذا وذاك أن البدء في تطبيق هذا الحصار جاء في وقت تتعاظم فيه انتفاضة الغضب في الجنوب العراقي نتيجة تدهور الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، وارتفاع معدلات البطالة والفقر.

الإيرانيون قرروا الانحناء أمام عاصفة العقوبات، ومحاولة امتصاص أضرارها الأولية، ويشعرون أن دولا كبرى وصغرى في العالم تتعاطف معهم، وكرها للإدارة الأمريكية الحالية التي أبدعت في استفزاز العالم بأسره، بسبب عنجهيتها وغطرسة رئيسها والفريق المساعد له، ولكن هذا الانحناء ربما يكون مؤقتا، لأن الدفعة الأصعب من العقوبات التي تشمل وقف جميع الصادرات النفطية، تبدأ في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، الأمر الذي يذكر بمثيلاتها في العراق بعد غزو الكويت مباشرة، وما يمكن أن يترتب عليها من آثار مدمرة.

صحيح أن الإيرانيين يملكون خبرة عميقة اكتسبوها من مواجهة الحصار لأكثر من ثلاثين عاما، مثلما يملكون قوات أمنية قوية جدا، ومدربة وموالية للنظام، مثلها مثل القوات المسلحة، ويمكن أن تتصدى لأي اضطرابات داخلية أو غزو خارجي، ولكن الصحيح أيضا أنهم لا يريدون الحرب، ولا الاضطرابات الداخلية، ولن يترددوا في الدخول في مفاوضات إذا سنحت الفرصة كسبا للوقت وتمرير العامين الباقيين من عمر إدارة ترامب.

قد يسجل للسيد العبادي أنه أظهر مواقفه التابعة لأمريكا وإملاءاتها دون أي مواربة، وبدء تطبيق العقوبات فَورا، ولكن هناك دولا عربية أُخرى ما زالت تلتزم الصمت، وخاصة في الخليج (الفارسي) مثل دولة قطر التي تتشارك مع إيران في حقل "بارس" الغازي العملاق، وتعتمد عليها لكسر الحصار الذي فرضته عليها الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة التي يبلغ حجم تبادلها التجاري ثمانية مليارات تستأثر إمارة دبي بمعظمها.

احتمالات نجاح العقوبات الأمريكية في تغيير النظام الإيراني تبدو محدودة في المستقبل المنظور في مرحلتها الأولى على الأقل لأن إيران ستحتذي بالنموذج السوري الذي استعصى الحكم فيه على التغيير، وصمد لأكثر من سبع سنوات في وجه المخطط الأمريكي، ولكننا لا نستبعد أن تعطي هذه العقوبات نتائج عكسية، وتؤدي إلى تغيير أنظمة حليفة لأمريكا، وعلى رأسها النظام العراقي كخطوة أولى، وربما أنظمة أُخرى في منطقة الخليج (الفارسي)، لأسباب داخلية أو خارجية نتيجة الانخراط في المخطط الأمريكي.

الرئيس ترامب بفرض هذه العقوبات ربما يكون أطلق النار على قدمه، وإقدام حلفائه في المنطقة، وأشعل فتيل الفوضى الاقتصادية والسياسية في المنطقة تمهيدا للفَوضى العسكرية، ولا أحد يتوقع متى وأين ستكون شرارتها الأُولى.. والله أعلم.

عبد الباري عطوان - رأي اليوم