الأمن الغذائي لدول شمال إفريقيا برعاية "النيباد"

الأمن الغذائي لدول شمال إفريقيا برعاية
الجمعة ١٠ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٦:٢٩ بتوقيت غرينتش

يشهد مجلس النواب المصري غدا السبت انعقاد ورشة عمل عن الأمن الغذائي لدول شمال إفريقيا برعاية "النيباد" واتحاد شمال المغرب العربي وذلك على هامش آخِر أيام زيارة وفد البرلمان الإفريقي.

العالم - أفریقیا

وقد حققت دول إفريقيا الشمالية سنة 2013م توازناً نسبيّاً في مجموع هذه الأبعاد؛ حرصاً منها على تحقيق الأمن الغذائي، أما دول إفريقيا جنوب الصحراء فتحاول تحقيق هدف الاستقرار أولاً؛ نظراً لما تعانيه من حروبٍ أهليةٍ وتحولاتٍ عسكرية.

ويعيش أكبرُ عددٍ من الجياع في الأقاليم النامية، حيث يُقدّر انتشار نقص التغذية في إفريقيا بـ (21.2%) في الفترة (2011م – 2013م).

إنّ النمو السكاني الكبير الذي شهدته القارة الإفريقية منذ سنة 2009 والذي يمثّل 15% من عدد سكان العالم، أعاق النموّ الاقتصادي، فأصبح أكثر بطئاً وأقلّ شمولاً، إلى جانب عدم الاستقرار السياسيّ في بعض الأقاليم النامية، مثل إفريقيا الوسطى؛ مما أدى إلى كبح مسيرة التقدّم والتنمية بشكلٍ كبير.

وفي السياق نفسه؛ يشير تقرير المنظمة العالمية للأغذية والزراعة الصادر سنة 2015م إلى: أنّ الكوارث الطبيعية، وتلك التي من صنع الإنسان، أو عدم الاستقرار السياسي، قد أدت إلى أزماتٍ ممتدة، تتلازم مع زيادة المخاطر وانعدام الأمن الغذائي لدى شرائح واسعة من السكان.

وبالرغم من أنّ عدد ناقصي التغذية في العالم ما فتئ يتراجع في الفترة ما بين (1990م إلى 2013م) ليصل إلى 12%، فلا تزال إفريقيا القارة التي يُسجّل فيها أعلى معدّلٍ لانتشار نقص التغذية؛ بواقع شخصٍ من أصل خمسة أشخاص، ونسبة 21.2%؛ مقابل 13.5% في القارة الآسيوية، و 7% في أمريكا اللاتينية، و 5% في الأقاليم المتقدمة؛ حسب تقرير «حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم» الصادر سنة 2013م عن منظمة الأغذية والزراعة FAO.

وتتباين مستويات نقص التغذية داخل إفريقيا نفسها، فتسجّل منطقة جنوب الصحراء الكبرى أعلى مستوى نقص التغذية بنسبة 24.8%؛ مع التقدير بأنّ واحداً من أربعة أفارقة في هذا الإقليم يعانون الجوع باستمرار؛ في حين يتميّز شمال إفريقيا بمعدل أقلّ كثيراً (5%)؛ حسب التقرير نفسه.

في السياق نفسه؛ وفي قمّة الاتحاد الإفريقي التي انعقدت في يوليو / تموز عام2014 م، في مالابو (غينيا الاستوائية)، التزم رؤساء الدول الإفريقية بالقضاء على الجوع في القارة بحلول عام2025 مويعدُّ التزام إفريقيا ببرنامج عمل القضاء على الجوع، بتعزيز الجهود الجارية في إطار (البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في إفريقيا) الذي ترعاه (الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا)، وحساب الأمانة التضامني لإفريقيا من أجل الأمن الغذائي- الذي أنشئ عام2013 م-: مظهراً من مظاهر رغبة الحكومات الإفريقية في إنشاء الأدوات المناسبة للقضاء على الجوع.

جملة من العراقيل والمشكلات الاقتصادية التي تعيق وتيرة التنمية في القارة الإفريقية:

إنّ تقرير «حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم لسنة 2013م» يرجّح أن تعجز بلدان كثيرة، ولا سيما الإفريقية منها، عن تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي وتقليل نسبة الفقر، فالبلدان التي شهدت نزاعات مسلحة في العقدَيْن الماضيَيْن (ما بعد 1996م) مرشحة لأن تشهد تراجعاً ملاحظاً في الحدّ من الجوع، كما أنّ البلدان غير الساحلية تواجه باستمرار إشكالية النفاذ إلى الأسواق العالمية، في حين أنّ البلدان التي تعاني من ضعفٍ في البنى التحتية ستواجه مزيداً من القيود.

- الصراعات المسلحة: تشكّل الصراعات المسلحة عائقاً حقيقيّاً للتنمية والأمن الغذائي، حيث شهدت القارة الإفريقية 16 صراعاً داخليّاً، من 35 صراعاً على مستوى العالم، في منتصف التسعينيات، وفي عام 1993م وحده نزح نحو 5.2 ملايين لاجئ، وصار هناك 13 مليون مشرّد في القارة؛ ما أدى إلى قلّة الإنتاج الزراعيّ بشكلٍ خطير.

- الجفاف: بالرغم من أنّ إفريقيا فيها كثيرٌ من مصادر المياه؛ فإنها ثاني قارة من حيث معدَّلات الجفاف بعد أستراليا فحسب المجلس العالمي للتنمية المستدامة: أدَّى الجفاف في كينيا, من 1991م - 2001م، إلى خسائر اقتصادية قُدِّرت بنحو 2.5 مليار دولار.

- التغيرات المناخية: تزيد التغيرات المناخية من معاناة الأفارقة، حيث انخفض مستوى هطول الأمطار جنوب الصحراء الإفريقية أكثر من أيّ منطقة أخرى خلال العقد الماضي (منذ سنة 2000م)، وتضاعف بذلك عدد المتضررين من الجفاف والحرارة الشديدة وحرائق الغابات، كما تزايد عدد الفيضانات والعواصف والهجرات الجماعية ثلاث مرات تقريباً؛ حسب التقرير الإفريقي للتنمية البشرية.

ويؤكد الباحثون في معهد بوتسام لبحوث آثار المناخ والتحليلات المناخية: أنّ الأمن الغذائي في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء سيكون هو التحدي الأكبر؛ في ظلّ مخاطر الجفاف والفيضانات والتحولات في معدلات وأماكن هطول الأمطار.

- أزمة الديون: زادت الديون الخارجية للدول الإفريقية من حوالي 110 مليارات دولار أمريكي في عام 1980م - إلى 350 مليار دولار في عام 1998م؛ بما يمثّل 65% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وتزداد خطورة أزمة الديون مع انهيار أسعار السلع الأساسية، والتي تعتمد عليها أغلب الدول الإفريقية.

- هذا وأنّ إفريقيا عاشت على مدى عقدَين (منذ سنة 2000م تقريباً) في تقدّمٍ ملاحظٍ للتنمية؛ إذ ارتفعت مستويات الدخل، وانخفضت معدلات الفقر، وتراجعت معدلات وفيات الأطفال في إفريقيا جنوب الصحراء، وتحسّنت خدمات الصحة والتعليم، وكلها مكاسب ساهمت- بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر- في تقليل حدّة الفقر واللاأمن الغذائي.

وحين تسارعت وتيرة النمو؛ بدأ مستوى الفقر ينخفض، وانخفضت نسبة السكان الذين يعيشون في فقرٍ مدقع (أقلّ من1,90  دولار يوميّاً بأسعار سنة 2011م الثابتة) من 61% سنة 1993م إلى 43% سنة 2012م، أي أنها تراجعت بنقطةٍ مئويةٍ واحدة سنويّاً منذ سنة 2000م، وتراجع الفقر بمعدل أعلى في بعض البلدان، كالسنغال، ولم يتراجع في بلدان أخرى، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية.

- السياسات الاقتصادية والاجتماعية: حيث أصبحت الإدارة الاقتصادية أكثر عصرنة وفعالية، مع زيادة مرونة أسعار الصرف، وتراجع التضخم، وانخفاض معدلات العجز في الموازنات، وارتفاع مستويات الاحتياطيات بالنقد الأجنبي، وتقلّص دور الدولة لتتيح المجال أمام نُظُمٍ اقتصاديةٍ كثيرةٍ  لاقتصاد السوق؛ إذ تخلصت كثيرٌ من الحكومات من التشوهات التي كانت تعوق النمو؛ ما أدى إلى  انفتاح التجارة، وزيادة الاختيارات المتاحة للمزارعين، وتراجعت البيروقراطية، وانخفضت تكلفة مزاولة الأعمال، وكلها أسباب مكّنت عدداً كبيراً من الدول الإفريقية من تجنّب عدة صدمات اقتصادية  في السنوات الأخيرة، بما فيها أزمة الغذاء سنة 2007م، والأزمة المالية العالمية 2008م – 2009م.

- النموّ الاقتصادي: العامل الأبرز لانخفاضه تدريجيّاً في السنوات القليلة الماضية هو التباطؤ الحادّ للتجارة بين الصين وإفريقيا، وانكماش كبير في اقتصاديات بعض الدول التي تعدّ من الشركاء الرئيسيين التجاريين للصين، مثل: أنغولا وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية وجنوب إفريقيا وزامبيا، وتركيز الصين في اقتصادها المحلي, ويفید أنّ التجارة الثنائية بين الصين وإفريقيا كانت قد نمت من 10.6 مليارات دولار في عام 2000م، إلى 160 مليار دولار في عام 2011م.

ومع تباطؤ النمو؛ هبطت أسعار السلع الأولية كثيراً؛ مع العلم بأنّ إفريقيا تعتمد على تجارة المعادن بالدرجة الأولى، فانخفضت أسعار الذرة والنحاس والقطن بما يزيد على 20% منذ عام 2013م، وهبطت أسعار الحديد الخام والنفط بأكثر من 50%، وكان لهذا التراجع في الأسعار تأثيرٌ واسع النطاق على توظيف العمالة، وأسعار الصرف، والاحتياطيات بالنقد الأجنبي.

وكان لهذه العوامل آثارٌ سلبية، خصوصاً على البلدان المنتجة للنفط، كأنغولا ونيجيريا، وغيرها من البلدان التي تصدّر الحديد الخام، مثل ليبيريا وسيراليون وجنوب إفريقيا، والنحاس، كجمهورية الكونغو وجنوب إفريقيا وزامبيا، والألماس، مثل بوتسوانا وناميبيا وجنوب إفريقيا.

وردّاً على الوضع غير المقبول للجوع وسوء التغذية؛ اعتمد رؤساء الحكومات الإفريقية إعلان مابوتو عام 2003م، من خلال برنامج التنمية الزراعية الشاملة لإفريقيا، وفي أبريل 2004م عُقد مؤتمرٌ إفريقيٌّ جامع في كمبالا تحت شعار: «ضمان الأمن الغذائي والتغذية في إفريقيا بحلول عام  2020م»، وفي ديسمبر 2006م جاءت قرارات قمة أبوجا للأمن الغذائي تحت شعار: «يجب على إفريقيا إطعام نفسها، ولا ينبغي أن يذهب أيّ طفل إلى الفراش جائعاً»، وفي أكتوبر 2010م تمّ إطلاق اليوم العالمي للأمن الغذائي والتغذية في إفريقيا في مالاوي يوم 30 أكتوبر، كما التزم وزراء ومسؤولو الصحة الأفارقة بالعمل بالاقتراحات التي خلص إليها المؤتمر, وهذه كلها تظاهرات تدلّ على أنّ إفريقيا قد استجابت من أجل تحقيق اكتفاءٍ ذاتيٍّ كافلٍ للجميع.

إنّ الاستثمار في البيئة الزراعية هو العمود الفقري للتنمية، حيث يساهم في نموّ الدخل أكثر من أيّ قطاعٍ آخر، وخصوصاً للفقراء الذين يعيشون في المناطق الريفية، إذ تبيّن عددٌ من الدراسات أنّ التجارة الزراعية تقلّل من الفقر والجوع عموماً، عن طريق زيادة الإمدادات الغذائية وطرق الوصول إليها؛ مما يزيد من نسبة الصادرات بـ 1%؛ مما يؤثر إيجاباً على النموّ الاقتصادي.

وتظهر نتائج الدراسة التي أجرتها النيباد عام 2000م: أنّ المتوقع أن يزيد الطلب على السلع الإفريقية خلال السنوات العشر المقبلة؛ من خلال زيادة الطلب على الغذاء في إفريقيا من 50 مليار دولار إلى 150 مليار دولار، وبحلول 2030م يمكن للمزارعين الحصول على دخلٍ يُتوقع أن يصل إلى 4 مليارات دولار من إجمالي الصادرات، هذه الدراسة اعتمدت على مجهودات وسياسات البنك الدولي في القارة السمراء، إضافة إلى المساعدات التي قُدّرت بـ 11.6 مليار دولار لتمويل 103 مشروعات سنة 2016م، وشملت المساندة 1.2 مليار دولار من قروض البنك الدولي للإنشاء والتعمير، و 10.4 مليارات دولار من ارتباطات المؤسسة الدولية للتنمية.

تقدّر الحصة المخصّصة للنهوض بقطاع الزراعة والصيد 8%؛ من إجمالي الميزانية المقدرة بـ 11.6 مليار دولار.

كما أُنشئت شبكات ووضعت سياسات لتعزيز التعليم، ومعالجة فيروس نقص المناعة البشرية (VIH)، والأمراض الأخرى، من أجل السلامة الاجتماعية.

وعلى الرغم من هذه التغيرات الهيكلية للسياسة الاجتماعية؛ فإنّ المعدلات الإجمالية للفقر في القارة لا تزال حوالي 48٪، صحيحٌ أنّ معظم البلدان الإفريقية أحرزت تقدّماً على هدفٍ واحدٍ من الأهداف الإنمائية للألفية, ألا وهو: القضاء على الفقر المدقع والجوع، لكن هناك الكثير من العمل يجب القيام به لضمان مستوى أفضل لحياة الشعوب الإفريقية، وبالإضافة إلى ذلك؛ فإنّ تحقيق التنمية المستدامة يكون ممكناً إذا كان للدول الإفريقية قدرة على توقّع حالات الصدمات والتحديات المقبلة، مثل تغير المناخ، والأزمات الصحية، مثل تفشي الإيبولا في غرب إفريقيا مؤخراً، واندلاع حالات النزاع، وعدم الاستقرار.

تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً من الدول الإفريقية أحرزت تقدماً نسبيّاً في تحقيق الأمن الغذائي، والحدّ من الفقر، مثل غامبيا التي انخفضت مستويات الفقر فيها بنسبة 32٪ بين عامَي 1990م و 2010م، حيث تركزت جهودها في الزراعة وتحسين سبل الحياة الريفية.

قطعت إفريقيا أشواطاً كبيرةً لتحقيق أهداف الألفية، لكن الطريق لا يزال طويلاً لعدة أسباب، منها:

- صعوبة تأسيس شركات تجارية؛ إذ يستغرق ذلك وقتاً طويلاً.

- الافتقار إلى القدرات الزراعية التي تضبط المعروض من السلع الزراعية.

- الافتقار إلى نُظُم معلومات السوق.

- السياسات والحواجز الجمركية التي أثقلت كاهل المزارعين وصغار التجار.