الجولة الاخيرة من التصعيد في غزة؛ حقائق ورسائل

الجولة الاخيرة من التصعيد في غزة؛ حقائق ورسائل
الجمعة ١٠ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٦:٠٢ بتوقيت غرينتش

انتهت الجولة الاخيرة من التصعيد بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة بالتفوق الميداني والاستراتيجي للمقاومة وفشل الاحتلال في تحقيق اهدافه وفقا لتصريحات خبراء الصهاينة انفسهم والحقائق والموشرات الميدانية.

العالم - فلسطين المحتلة

واستشهد 3 مواطنين بينهم سيدة وطفلة واصيب عدد آخر، في سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت مناطق متفرقة في قطاع غزة ليلة الاربعاء وفجر الخميس.

فيما ردت المقاومة على العدوان بقصف عشرات المستوطنات والمواقع العسكرية المحاذية لقطاع غزة بعشرات القذائف والصواريخ، والتي اسفرت عن إصابة عدد من المستوطنين ووقع أضرار ببعض المنازل.

ودوت صفارات الإنذارفي مستوطنات غلاف قطاع غزة، وأطلقت القبة الحديدة قذائف لاعتراض صواريخ المقاومة، فيما قصفت طائرات الاحتلال عدة مواقع في جنوب ووسط وشمال القطاع.

وحسب الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، فإن أبرز المواقع التي استهدفتها: موقع رعيم وهو مقر قيادة فرقة غزة لدى جيش العدو- قاعدة يفتاح- قاعدة زيكيم- موقع ناحل عوز- موقع إيريز- مستوطنة سديروت- كيبوتس ناحل عوز.

وتم التوصل الى تهدئة بين المقاومة والاحتلال بوساطة مصرية ليلية الخميس الى ان تبقي التحليلات السياسية حول ما حصل عليها كلا الطرفين من هذه الجولة.

وضمن هذه الجولة، حاولت منظومة القبة الحديدية الاسرائيلية التصدي للصواريخ والقذائف قصيرة ومتوسطة المدى، التي يتم إطلاقها من غزة.

وقد نشر الجيش الإسرائيلي عددا من بطاريات ومنظومات القبة الحديدية المضادة للصواريخ، وتبلغ تكلفة كل بطارية 50 مليون دولار، بينما تتراوح تكلفة كل صاروخ ينطلق للتصدي لصواريخ المقاومة بين 70-80 ألف دولار.

وأوضح الجيش أن المئات من الصواريخ أطلقت من غزة خلال الأسابيع الماضية، تم تحييد بعضها بواسطة القبة، وسقطت أخرى في مناطق مأهولة ومفتوحة، لكن هذه الصواريخ كانت كافية لإغلاق السماء في مستوطنات غلاف غزة، وتم استخدام عشرات الصواريخ لعمليات الاعتراض، كلفتها ملايين الدولارات.

ورأى مراقبون أن استمرار إطلاق المقاومة لقذائفها الصاروخية فضح كذب رواية الجيش بفاعلية منظومة "القبة الحديدية"، بعد أن أطلقت صواريخها إلى مستوطنات الغلاف، وسط تكتم بمدى الخسائر التي ألحقتها الصواريخ في المناطق التي أصابتها، في إطار محاولات التكتم على عدم فاعلية نظام القبة التي روجت له في أوساط الرأي العام على أنه المنقذ من صواريخ المقاومة التي تنطلق من غزة.

ورغم المساعي الإسرائيلية ومؤسستها العسكرية للتكتم على هذه الفضيحة، إلا أن خبراء إسرائيليين خرجوا في أحاديث علنية ليكشفوا عملية الخداع التي حاول الجيش تمريرها على الإسرائيليين والعالم، ما ساهم بتعميق أزمة المؤسسة العسكرية، ووجه ضربة لصناعتها التسليحية.

 وقد وصف "موتي شيفر"، الخبير الإسرائيلي في هندسة الطيران والفضاء والحاصل على جائزة "أمن إسرائيل"، القبة الحديدية بأنها أكبر خدعة عرفتها المنطقة، سعى الجيش من خلالها لتسويق هذا النوع من السلاح الوهمي في اعتراض الصورايخ لدول عدة على مستوى العالم، بما يعود عليه بمليارات الدولارات من خلال صفقات بيع السلاح.

وأضاف: القبة الحديدية لا تعدو كونها عرضاً صوتياً وضوئياً لا تعترض، ولا تسقط شيئاً غير الرأي العام الإسرائيلي، لأن كافة الانفجارات التي نشاهدها، ونسمعها في الجو، ناتجة عن تدمير ذاتي لصاروخ قبة حديدية يدمر نفسه، أو يعترض صاروخاً آخر من نفس القبة، ولم يتمكن ولو صاروخ واحد أطلقته القبة وبشكل مطلق من إصابة أي صاروخ أو قذيفة صاروخية.

ولم تتوقف فضيحة فشل القبة الحديدية عند حدود الرأي العام الإسرائيلي الداخلي، الذي بات يشكك بقدرتها على اعتراض صواريخ المقاومة، بل توقع الجيش إلحاق خسائر مالية كبيرة بالصناعة العسكرية التي تحاول الترويج لها، وبيعها على مستوى العالم، بعد أن أنفقت مليارات الدولارات لتطويرها، وتقديمها للسوق العالمي بأنها الخيار الأفضل في اعتراض الصواريخ.

وبحسب متابعين، فإن القبة الحديدية تنطوي على مخاطر حقيقية؛ لأنها تنسج وهما بأنه ليس هناك حرب مع المقاومة في ظل تحييد صواريخها، وأن الاحتلال آمن منه، ولا مبرر لقلقه من المستقبل، متفقا مع عسكريين في الاحتياط ومسؤولين سياسيين من أنصار فكرة "الهجوم والاجتياح حتى النصر"، بقولهم إن القبة تساهم بارتكاب خطأ إستراتيجي يكمن بالاكتفاء بالدفاع أمام المقاومة دون حسم وانتصار.

ويتفق مع هذا الرأي محلل الشؤون الإستراتيجية "يوسي ميلمان"، الذي قال إن الانتصار في الحروب لا يتأتى بالأنظمة الدفاعية فحسب، لأن القبة لم توفر حلا لقذائف الهاون قصيرة المدى التي قتلت ثلث الجنود في الحرب، وأصابت العشرات منهم، كذلك إصابة 83 اسرائيليا.

ويمكن تسجيل ملاحظة تؤكد فشل منظومة القبة الحديدية بالتصدي لصواريخ غزة، وهي: تحدث الجيش بأن لديه عدة منظومات للقبة الحديدية، كل منظومة تغطي مدينة واحدة، لكن المناطق التي أطلقت عليها المقاومة الصواريخ تزيد على ذلك، وبالتالي تبقى هناك تجمعات استيطانية ومدن لا تحميها القبة.

الرواية الإسرائيلية تخدع بالصور، وتقدمها دليلا على إسقاط صواريخ المقاومة، عبر بثها صور انفجارات في الجو، أو مواقع اعتراض القبة للصواريخ، وتعمل القبة على إطلاق 2-3 صواريخ مع انطلاق كل صاروخ من غزة للتصدي له، وفي حال عدم التصدي يعمل صاروخ القبة بنظام الانفجار الذاتي على مسافة 6 كيلومترات في الجو، حتى لا يكمل سيره، ويسقط على أحد التجمعات الإسرائيلية.

فيما حذر "عوزي روبين"، الرئيس السابق لمشروع صواريخ (حيتس)، من النجاح النسبيّ الذي حققته القبة الحديديّة في مواجهة صواريخ غزة وقال أن القبة أعطت حلا مؤقتا لمعضلة إطلاق الصواريخ، ولم تتمكن من القضاء عليها بشكلٍ كليّ، وتمّ تسجيل خسائر في بعض المدن، وفشلت في منع الخسائر الاقتصاديّة الإسرائيليّة، رغم أن أموالا ضخمة لا حصر لها، وبعيدا عن موازنة الحكومة، صرفت للقبة بشكل مستقل.

وفي نفس السياق، قال الجنرال الإسرائيلي "تسفيكا فوغل"  معقباً على وقف إطلاق النار مع غزة، "إن إسرائيل التي هزمت ثلاث دول في آن واحد، لا تقدر على هزيمة المقاومة في قطاع غزة.

وأضاف "تسفيكا فوغل"، لصحيفة معاريف الاسرائيلية، "للأسف استسلمنا ورفعنا الراية البيضاء لحماس، لقد جلبت لنا الحكومة العار". (حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة).

وأضاف "ما يهم رئيس الوزراء نتنياهو ووزرائه هو الاستمرار في الجلوس على كرسي الحكم ولا يهتمون بمستقبلنا".

وتجسد هذا الفشل الاسرائيلي في نتاج استطلاع حديث للرأي العام الإسرائيلي لانه اظهرت بأن غالبية الإسرائيليين غير راضين عن أداء رئيس حكومتهم، بنيامين نتنياهو، وسياسته تجاه قطاع غزة.

وقالت صحيفة "معاريف" في نتائج استطلاع أجري لصالحها ونشرته إن 64 بالمائة من الإسرائيليين غير راضين عن أداء نتنياهو تجاه القطاع.

وطبقا للاستطلاع الذي أجراه مركز "بونالس بوليتيكس"، قال 29 بالمائة من المستطلعين إنهم راضون عن سياسته، في حين لم يحدد 7 بالمائة آراءهم.

ويظهر الاستطلاع انقساماً في الشارع الإسرائيلي إزاء عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، إذ قال 48 بالمائة إنهم يؤيدون ذلك.

في حين عارض 41 بالمائة الأمر، في وقت قال فيه 11 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع أن "لا رأي محدد لهم".

وبحسب الصحيفة، فإن الاستطلاع شمل عينة عشوائية من 512 شخصا، وكانت نسبة الخطأ فيه 4.3 بالمائة.

وفي مقابل هذا الفشل والعجز الاسرائيلي في تحقيق اهدافه خلال العدوان الاخير على غزة وأكدت حركة حماس أن جولات الاشتباك المتتالية بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برهنت على أنه كيان هش.

وكتب القيادي في حماس سامي أبو زهري على حسابه في موقع "تويتر"، أن تلك الجولات المتتالية برهنت أن الاحتلال قابل أيضًا للهزيمة.

هذا وأكَّد الخبير العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تمكَنت من تثبيت قواعد الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي، مشدداً على أنَّ المقاومة استطاعت ان تتحكم في مسار أحداث الجولة الأخيرة بحنكةٍ وحكمةٍ عالية.

وأوضح عريقات أنَّ الغرفة المشتركة للمقاومة نجحت في ردِ الصاع الصاعين للاحتلال الإسرائيلي الذي حاول خرق قواعد الاشتباك لصالحه، مشيراً إلى أنَّ "المقاومة قالت كلمتها وكانت كلمتها هي العليا في الميدان".

ويرى عريقات أنَّ المقاومة صدمت القيادة الإسرائيلية على المستوى الأمني والسياسي والعسكري من خلال ردها على محاولة إسرائيل المساس بقواعد الاشتباك، مشيراً إلى أنَّ المقاومة أفقدت نتنياهو وحكومته القدرة على السيطرة والتوزان وكيفية التعامل معها؛ الأمر الذي أربك الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي وصفت نتنياهو وأعضاء المجلس الوزاري المصغر بـ"الأرانب".

وقال عريقات: "الجولات التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في الآونة الأخيرة أسست لقواعد اشتباك مفادها أنَّ القصف بالقصف، والهدم بالهدم، والدم بالدم، بمعنى انه لن يكون هناك عدوان بدون ثمن، وأن الجزاء سيكون من جنس العمل، وأن العدوان على غزة ليس نزهة"، مضيفاً "ندرك جيدًا أن ميزان القوى مختل لصالح إسرائيل؛ لكن ما يعادل ذلك الخلل هو الإرادة القتالية العالية التي يبديها عناصر المقاومة في الميدان، إضافة لاحتضان وتمسك الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة.

ويرى أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي غير قادرة على التعامل مع قطاع غزة كحالة مقاومة لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل، مشيراً إلى أنه لا يوجد أي خيار أمام نتنياهو وحكومته إلا الرضوخ أمام المطالب والحقوق الفلسطينية.

واضاف إن من الواضح تماما أنَّ هناك قوة فلسطينية ممثلة بالمقاومة قادرة على فرض رؤيتها وأجندتها في الميدان.

وذكر أنَّ المعادلة الجديدة التي فرضتها المقاومة في الميدان عززت عامل القلق في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وأدت لتآكل صورة قوة ردع جيش الاحتلال، وعززت عدم قدرة حكومة نتنياهو على التعامل مع المقاومة في غزة على أكثر من صعيد، فلا استطاعت أن تحسم المقاومة العسكرية، ولا هي استطاعت أن توقف مسيرات العودة السلمية قرب السياج الفاصل، مشيراً إلى أن حكومة نتنياهو فشلت فشلاً ذريعاً أمام صمود المقاومة الفلسطينية.

ويعتقد عريقات أنَّ جميع الاستراتيجيات الإسرائيلية فشلت أمام إرادة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لسببين، الأول أن الشعب الفلسطيني أبدع في مسيرات العودة وأدواتها المختلفة، والسبب الثاني أن المقاومة استطاعت أن تبني قدراتها وأن لا تسمح لإسرائيل بفرض معادلاتها.

وقال: عندما فشل نتنياهو في مواجهة مسيرات العودة السلمية، حاول كسر المسيرات من خلال عسكرتها من خلال التصعيد العسكري ففشل في كسر مسيرات العودة، وفشل في فرض قواعد اشتباك جديدة لصالحه.

ويرى أنَّ المقاومة استطاعت أن ترسل رسائل قوية إلى الاحتلال الإسرائيلي في الجولات القتالية الأخيرة والتي من بينها توسيع نطاق المستوطنات المستهدفة، وهي رسالة لإسرائيل مفادها "أن المقاومة قادرة على توسيع نطاق قصفها إذا ما وسعت من عدوانها على قطاع غزة".

وعن التنسيق بين فصائل المقاومة من خلال غرفة العمليات المشتركة، أشار عريقات إلى أنَّ التنسيق الكبير بين المقاومة يربك ويزعج الاحتلال الإسرائيلي ويقوي الموقف الفلسطيني، لافتاً إلى أنَّ التنسيق يدل على أنَّ تلك الجولة من القتال كانت قراراً جماعياً وليس قراراً فردياً، وأنَّ العلاقة بين فصائل المقاومة وصلتْ مرحلة التناغم الكامل.