الوجود الأجنبي في أفريقيا وأثره على الأمن الإقليمي

الوجود الأجنبي في أفريقيا وأثره على الأمن الإقليمي
الإثنين ١٣ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٩:٢٧ بتوقيت غرينتش

تحوز أفريقيا اهتماما غربيا لوحظ في السنوات الأخيرة، متخذا العديد من الأشكال، أبرزها التدخل الدولي، لحل الأزمات التي تدور في بؤر التوتر على غرار أفريقيا الوسطى ومالي ونيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية.

 العالم - افریقیا

بعد أن مثّلت لوقت طويل “الحديقة الخلفية” للقوى التقليدية، أصبحت القارة الأفريقية اليوم حسب تحليلات بعض الخبراء مسرحا للتنافس الدولي.

وتتنافس القوى الكبرى والدول الغربية، والدول الآسيوية في إطار صراع خفي على أكبر قدر من النفوذ الممكن في أفريقيا، وعلى غرار التدخلات الفرنسية المعروفة في أفريقيا، والإشارات الأميركية بالإهتمام بالأوضاع الأمنية في القارة السمراء، برزت الصين القوة الاقتصادية كفاعل مؤثر في أفريقيا واتخذ ذلك العديد من الوجوه، أبرزها التأثير اقتصاديا.

فيما تتخذ الدول الآسيوية العملاقة موطأ قدم لها في القارة السمراء منذ عقدين من الزمن معتمدة في ذلك على حضورها الاقتصادي بينما تواصل القوى التقليدية الرهان على دبلوماسية ذات قدم راسخة.

التواجد الإسرائيلي

حظيت أفريقيا بأسبقية متقدمة من منظور السياسة الخارجية الإسرائيلية؛ ليس فقط باعتبارها كتلة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة يمكن أن تدعم القرارات الإسرائيلية، وإنما كذلك لكونها مورداً مهماً للموارد الطبيعية وسوقاً واعداً، فضلاً عما تشكله من أهمية لترسيخ نفوذها السياسي وتطويق الدول العربية الأفريقية من الجنوب. إضافة إلى كونها ساحة للصراع الإستراتيجي العسكري الأمني مع الدول العربية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي.

الوجود التركي

بدأ الدور التركي في أفريقيا في التنامي منذ وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكم عام 2002، إذ سعت تركيا إلى جعل نفسها دولة مركزية ذات نفوذ إقليمي، وارتكزت على القاطرة الإقتصادية كمحرك لسياستها داخل القارة الأفريقية، ساعية إلى الحصول على الموارد الطبيعية والمواد الخام. وفي هذا الصدد، نجحت تركيا في الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، وعمّقت علاقاتها بالمنظمات الإقليمية في إفريقيا، كما اعتمدت في تعزيز علاقاتها مع إفريقيا على تقديم المساعدات التنموية وجهود الإغاثة الإنسانية، وتنفيذ المشاريع التنموية.

الوجود الصيني

تنظر الصين إلى أفريقيا على أنّها خزّان استراتيجي للموارد الأوليّة والطبيعية في العالم، وهو ما يعطيها القدرة على تلبية حاجاتها المتزايدة من هذه المواد وبالتالي الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد والصعود الجيوسياسي على المستوى الإقليمي والدولي. واستهدفت الصين معادلة الدور التايواني المتنامي على الساحة الإفريقية، وحشد موقف إفريقي بشأن سياسة الصين تجاه مشكلة تايوان، وزيادة منافذ التسويق للصناعات الصينية في إفريقيا، بالتوازي مع تنسيق الرؤي والسياسات مع الدول الأفريقية في شأن القضايا ذات الاهتمام المشترك. ويتمثل أبرز مسارات حركة الصين لتنفيذ استراتيجيتها في القارة في دعم التعاون بين الأجهزة التشريعية في الصين وإفريقيا، وزيادة مساعدات بكين للاتحاد الأفريقي ودعم قدراته في مجالات حفظ السلام والأمن، وزيادة حجم استثماراتها ومساعداتها، ودفع مزيد من خبرائها لتنمية المجالات الزراعية، فضلاً عن تطوير قطاعات البنية التحتية، وتقديم التسهيلات لمعالجة مشكلة الديون. وتقيم الصين علاقات ديبلوماسية مع 48 دولة أفريقية، إضافة إلى أن لها أكثر من 600 شركة استثمارية تعمل في مجالات استكشاف وتطوير الموارد المعدنية والزراعة والنقل والاتصالات والطاقة في القارة.

الوجود الفرنسي

يشير تنامي العلاقات الفرنسية الإفريقية إلى استمرار حرص باريس على الحفاظ على قوة الدفع في علاقاتها مع دول القارة في الأطر الثنائية والمتعددة الأطراف وبخاصة في منطقة غرب إفريقيا. إضافة إلى وجود أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في أفريقيا في جيبوتي، علاوة على كثافة التمثيل الديبلوماسي الفرنسي في القارة الأفريقية؛ والذي يستهدف مواجهة تزايد النفوذ الأميركي والصيني في أفريقيا بخاصة في قطاعي البترول والموارد الأولية، بالتوازي مع حرص فرنسا على دورية انعقاد القمة الأفريقية الفرنسية مرة كل عامين منذ عام 1973.

الوجود الأميركي

تسعى واشنطن إلى تعزيز علاقاتها الإفريقية بهدف تأمين منع تصاعد أدوار القوى المنافسة لها في النظام العالمي وضمان التأييد الأفريقي للسياسات الأميركية داخل المحافل الدولية والتعاون مع مطالب تحقيق أهداف الأمن القومي الأميركي، وتجاوز ضغوط الشركات متعددة الجنسيات بخاصة العاملة في مجالات البترول والتعدين والبنية التحتية واكتساب تأييدها لسياسات الإدارة الأميركية في ظل مطالبتها بتوفير المناخ المناسب لتوسيع أنشطتها في القارة بخاصة مع الاتجاه لزيادة حجم مشروعاتها واستثماراتها في أفريقيـا. السيطرة على مصادر الطاقة ومراكز الثروات المعدنية؛ لمنع القوى الصاعدة من الهيمنة على الأسواق الأفريقية، ولتوفير فرص انتعاش وزيادة معدل نمو الإقتصاد الأميركي. الحصول على قواعد جوية وبحرية للإنطلاق نحو الأهداف المعادية، وتأسيس مراكز للإستخبارات للحصول على المعلومات. وإعتمدت السياسة الأميركية على الكثير من المحاور لتحقيق أهدافها؛ إذ دعمت علاقاتها مع الدول المؤثرة في نطاقاتها الإقليمية، وأسست صندوقا لمكافحة الأيدز، وأسقطت الديون الإفريقية، وغيرت ولاء بعض الأنظمة من فرنسا إلى الولايات المتحدة الأميركية.

لماذا التواجد العسكري الأمريكي في أفريقيا؟

تمتلك الولايات المتحدة علاقات عسكرية مع 49 دولة من دول أفريقيا الـ 54، بينما تتأرجح العلاقات مع الدول الأخرى. نستطيع أن نقول بعد 11 سبتمبر 2001 وتفجير البرجين العالميين في الولايات المتحدة، بدأت الولايات المتحدة ضخ مئات الملايين من الدولارات في التدريب والتسليح لجيوش أفريقية كمالي والجزائر والنيجر وتشاد وموريتانيا ونيجيريا والسنغال، فلماذا إذن كل هذه المئات من الملايين؟

بالطبع ستكسب الولايات المتحدة من هذه المئات من الملايين، ونستطيع أن نذكر أهم أسباب التواجد العسكري لأمريكا في أفريقيا كالتالي:

تتحكم أفريقيا في مضيقين من أهم المضائق لحركة التجارة العالمية. وبالتالي لحركة تدفق الموارد الطبيعية، والتي تمتلكها أفريقيا أكثر من غيرها من القارات، وبالتالي إحكام السيطرة على مقاليد الأمور، أو على الأقل ضمان تواجد عسكري قوي يمنح لأمريكا الأفضلية في مواجهة الأخطار المحدقة بها في أفريقيا، خصوصًا في مواجهة التوغل الصيني ثم الروسي في أفريقيا.

لا ينكر المسئولون الأمريكيون أن أحد أسباب إنشاء قيادة عسكرية خاصة بأفريقيا هو تأمين واستقرار التنقيب عن النفط والمعادن في القارة الأفريقية، فقد شكلت الإضطرابات التي تكررت في حقول النفط في منطقة دلتا النيجر خاصة في الحقول النيجيرية منذ عام 2003، ناقوس خطر لدولة تعتمد بشكل كبير على نفط هذا الإقليم. ويمكن تفهم ذلك في ضوء تقارير استراتيجية أمريكية تتوقع أن تلبي القارة الأفريقية 25% من احتياجات الولايات المتحدة من النفط بحلول عام 2015

أفريكوم (القيادة الأمريكية في أفريقيا)

قوات موحدة، تحت وزارة الدفاع الأمريكية، مقرها قاعدة شتوتغارت بألمانيا. القيادة الأفريقية الأمريكية “أفريكوم” مسؤولة عن علاقات أمريكا مع جميع دول أفريقيا الـ 54 عدا مصر (لأنها تقع في نطاق القيادة المركزية الأمريكية). تأسست هذه القيادة الأفريقية عام 2007، كقيادة مؤقتة تحت القيادة الأمريكية الأوروبية. بدأت أفريكوم نشاطها في أكتوبر 2008.

القاعدة العسكرية الوحيدة في أفريقيا

تعتبر قاعدة ليمونيه في جيبوتي هي القاعدة العسكرية الأمريكية الوحيدة المعلن عنها بشكل رسمي. بدأت سنة 2002 بتسعمائة جندي أمريكي فقط، الآن يبلغ عددهم ما يقارب 4000 جندي. وقد أصبحت هذه القاعدة العسكرية مقر قوة العمل المشتركة Combined Joint Task Force CJTF “أفريكوم” وتقوم هذه القاعدة بمراقبة المجال الجوي والبحري والبري لست دول أفريقية هي: السودان وأريتريا الصومال وجيبوتي وكينيا، واليمن من آسيا ودول الشرق الأوسط، أي أنها أحد أهم القواعد الأمريكية في العالم تقريبًا.