احتجاجات تونس.. والسبسي يحسم موقفه بشأن المساواة

احتجاجات تونس.. والسبسي يحسم موقفه بشأن المساواة
الإثنين ١٣ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٥:٠١ بتوقيت غرينتش

احتشد آلاف التونسيين أمام مجلس النواب، احتجاجا على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الذي أثار جدلا وانقساما واسعا في المجتمع التونسي بين المحافظين والليبراليين، والذي اقترح المساواة في الميراث، وإلغاء عقوبة الإعدام. وجاءت الاحتجاجات مساء أمس الأول استباقا لخطاب ألقاه اليوم الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي احتفاء بعيد المرأة التونسية.

العالم - تقارير

وتجمع الآلاف تلبية لدعوة التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية، أمام مقر مجلس النواب، بالتزامن مع تحركات شعبية بعدة مدن وبلدات تونسية، وطالب المحتجون بإلغاء تقرير اللجنة، وقالوا إنه يتعارض مع الدستور ومع هوية الشعب الإسلامية، ويسعى لتفكيك الأسرة وترابطها، ورفع بعضهم نسخا من المصحف الشريف، ورددوا هتافات: «سندافع عن الإسلام بدمائنا»، و«الشعب يريد إسقاط التقرير»، و«تقرير اللجنة دعوة للفتنة ونسف للأسرة»، وأطلقوا هتافات تطالب بسحب مشروع القانون، ورفعوا لافتات تدعو بضرورة تطبيق أحكام الشريعة في قوانين الميراث، واعتبروا أن الإرث «خط أحمر»، وشارك في الاحتجاجات، جمعيات وعلماء دين وأئمة مساجد ونشطاء سياسيون، وأحزاب دينية.

وكان السبسي شكل اللجنة في 17 أغسطس 2017، وكلفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة منها إقرار المساواة في الميراث وأثار وقتها جدلا واسعا في تونس وخارجها، وعكست مبادرة السبسي، الانقسام بين العلمانيين والإسلاميين المحافظين، بشأن دور الدين في المجتمع والذي برز بعد ثورة 2011.

وقدمت اللجنة مطلع يونيو الماضي إلى السبسي تقريرا من 233 صفحة من جزأين، الأول مخصص لـ«الحقوق والحريات الفردية»، ويتناول الثاني «المساواة» التامة بين الجنسين، خاصة في الميراث، إما بشكل إلزامي أو بشكل اختياري، والمساواة بين جميع الأطفال، كما اقترحت إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها في الحالات القصوى التي ينتج عنها الموت، وإلغاء المهر كشرط للزواج وإلغاء العدة للمطلقة أو الأرمل كشرط للزواج، وبررت اللجنة المساواة في الإرث بتغير المجتمع وتطور دور المرأة التي أصبحت تتقاسم مع الرجل المسؤوليات المالية داخل الأسرة، لكنها تركت للأفراد الذين يرفضون المساواة، حرية توزيع الإرث بشكل مختلف، وأكدت اللجنة أن توصياتها «لا تتنافى وجوهر الإسلام».

إلا أن قطاعات واسعة من الأئمة والجمعيات الدينية ومشايخ وعلماء في جامعة الزيتونة، أكدوا رفضهم التقرير، معتبرين أنه يمس بالهوية والعقيدة الإسلامية، واعتبر وزير الشؤون الدينية السابق، نور الدين الخادمي، في تصريحات لـ«بي بي سي» أن التقرير «يمسّ هوية الشعب التونسي»، فيما ترى اللجنة أن تقريرها يستند إلى الدستور والمواثيق الدولية، ولا يمس الهوية والعقيدة، وقالت رئيسة اللجنة، بشرى بالحاج حميدة، إن «هناك رغبة سياسية حقيقية، ولمبادرة رئيس الجمهورية حظوظ وافرة للمصادقة عليها في البرلمان، وأضافت إن «انتقادات بعض المعارضين لتقريرنا تؤكد أنهم غير مطلعين على محتواه»، وعبرت عن انزعاجها من «حملات التشويه والتضليل» التي اتخذت أشكالا عدة، من بينها توزيع منشورات تنسب للتقرير توصيات لم ترد فيه، كاعتبار الختان شكلا من أشكال التعذيب ووقف الأذان في المساجد، وتعالت أصوات تطالب بإنهاء الجدل بشأن التقرير من خلال اللجوء إلى استفتاء شعبي، إلا أن رئيسة اللجنة، قالت إنه «لا يمكن وضع حقوق الإنسان محلّ استفتاء».

تصريحات الرئيس التونسي حول المساواة في الميراث

وقال الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، إن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة ليس قانونا بل مقترحات قابلة للحوار، لكن بعض الأحزاب لم تستجب لذلك، مؤكدا أن الدستور ينص على أن تونس دولة مدنية تقوم على إرادة الشعب، قائلا: "إن المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات".

وأضاف الرئيس التونسي خلال كلمة متلفزة ألقاها بمناسبة يوم المرأة التونسية، أن موضوع المساواة في الإرث تم حسمه وإحالته إلى مجلس النواب، متابعا المساواة بين الجنسين ستصبح قانونا في تونس.

الا أن الرئيس التونسي أوضح أن مشروع القانون الجديد سيترك المجال مفتوحا أمام الاختيار في تطبيقه او عدم تطبيقه. وقال في هذا الاطار "بما أن رئيس الدولة هو رئيس الجميع ومن واجبه التجميع أكثر من التفرقة، فإذا كان المورث يريد تطبيق القوانين الشرعية فله ذلك، وإذا أراد تطبيق القانون فله ذلك ايضا".

وتشهد تونس منذ أسابيع، جدلا حول تقرير لجنة “المساواة والحريات الفردية”، إذ رفض الحزب الدستوري العديد من النقاط الواردة في التقرير المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة، فيما تؤيد تقرير المنظمات والجمعيات الحقوقيّة تكريس مبادئ حقوق الإنسان في تونس.

والقانون المطبق حاليا المستمد من الشريعة الاسلامية، يقضي بأن يرث الرجل ضعف ميراث المرأة في حال كانا على المستوى نفسه من القرابة.

وتعتبر مسألة المساواة بين الرجل والمرأة في الارث أحد اكثر الاجراءات اثارة للجدل بين سلسلة من الاصلاحات الاجتماعية التي قدمتها لجنة شكلها الرئيس قبل عام لترجمة مبدأ المساواة بين التونسيين الوارد في دستور العام 2014 في القوانين.

وكان دستور البلاد الجديد اقر عام 2014 في خضم موجة ما يسمى الربيع العربي وبعد سقوط الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي.

وهذه اللجنة الخاصة بالحريات الفردية والمساواة، اقترحت ان يكون الارث العائلي موزعا بشكل متساو بين الرجل والمرأة. الا أنه يحق للمورث مع ذلك الذهاب الى الكاتب العدل لتوزيع ميراثه بحسب قاعدة الارث المضاعف للذكر.

 ومن الصعب منذ الان التكهن باحتمالات الموافقة على مشروع القانون هذا خلال فترة قصيرة. ذلك ان نوابا قلائل اعربوا علنا عن مواقفهم من هذه المسألة الحساسة التي تتسبب بانقسامات حتى داخل الحزب الواحد.

 ويتزامن الاعلان عن مشروع القانون هذا مع مشاكل داخلية تضرب الحزب الحاكم "نداء تونس" الذي أسسه السبسي عام 2012 ، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية عام 2019.

ويسعى حزب نداء تونس الى تعزيز وضعه بمواجهة حزب النهضة الاسلامي الذي يملك حاليا أكبر عدد من النواب في البرلمان.

ودعا رئيس البلاد نواب حزب النهضة الى التصويت على مشروع القانون الذي يفترض أن يعرض على النواب لمناقشته بعد العطلة البرلمانية الصيفية. وأعرب عن الامل بأن ينظر حزب النهضة "كعنصر بارز في مجلس الشعب (...) بعناية التفتح" في مشروع القانون "لأنه مشروع مستقبل تونس".

ومع ان حزب النهضة عبر عن "إحترازات" حيال مشروع القانون، بحسب السبسي نفسه فانه لم يتخذ بعد موقفا واضحا منه.

من جهته قال القيادي في حزب النهضة علي العريض في خطاب القاه الاثنين "النضال والعمل من أجل حقوق المرأة ودعم موقعها وتطويرها (...) المستمر المرير والطويل، ليس ضد الرجل بل معه وبشراكة معه، ليس ضد الأسرة بل بها ومعها، ليس ضد الدين والهوية بل من داخله ومن مقاصده وقيمه السمحة".

اما حزب نداء تونس الذي ينقسم نوابه ازاء مشروع القانون هذا فأكد في بيان الاحد ان "تحقيق المساواة الكاملة يبقى هدفا نبيلا والشروط لتحقيقه اليوم مجتمعة".

 ويعتبر الذين يدعمون إعطاء الذكر ضعف حصة الانثى من الميراث أن على الرجل ان يؤمن حاجات منزله وأسرته.

ومن جانبها، ترى حليمة جوني العضو في الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات أن "الادوار تغيرت اليوم وباتت المرأة مسؤولة عن والديها وعن عائلتها، والرجل لم يعد وحده المسؤول او رأس العائلة، ولا بد للقانون ان يتعدل بناء على هذا التغير".