الجدل بين الأزهر وتونس.. صدام بين الشرع والمساواة

الجدل بين الأزهر وتونس.. صدام بين الشرع والمساواة
الخميس ١٦ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٥:١٨ بتوقيت غرينتش

تداول تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا مقالا بعنوان "الأزهر يحذف تونس من لائحة الدول الإسلامية". ورغم عدم صحة ما ورد في المقال، إلا أن الخبر تحول إلى مادة نقاش دسمة على فيسبوك في تونس وأعاد الجدل حول هوية الدولة.

العالم - تونس

يعود التقرير إلى صحيفة الكترونية تونسية غير معروفة ذكرت أن إعلانا عن مقترح قانون لإلغاء المهر وتعديل قانون الميراث في تونس، أثار غضب الأزهر لينتقل بعدها الخبر إلى فيسبوك على أنه حقيقة.

وتابعت الصحيفة بالقول بأن "الأزهر دعا إلى ضرورة تنظيم حملات توعية لوقف الفتاوى الشاذة التي تطلقها تونس". لكن المقال لم يذكر أبدا أن الأزهر يسعى إلى حذف تونس من الدول الإسلامية.

يذكر أن الأزهر ليس من مهامه تحديد قائمة الدول الإسلامية، ما ينفي بذلك الخبر المتداول من أساسه.

وتشارك المغردون المقال عبر عدة هاشتاغات وأوسمة #الغاء_المهر #حرية_الاعتقاد و "الأزهر". وقد تنوعت التعليقات بين الاستنكار والتأييد والتشكيك في المقال، وفتح الجدل مجددا حول هوية الدولة مدنية أو دينية.

المصدقون لما ورد في المقال اعتبروه تدخلا سافرا في الشؤون التونسية ووصف مواقف الأزهر تجاه القوانين المدنية بالغريبة.

و شدد المغردون على ضرورة احترام دستور البلاد الذي يكرس مدنية الدولة ودعوا للحفاظ على ذلك المكسب وترسيخه عبر الأجيال، لافتين النظر إلى ضرورة مقارعة الأفكار المغلوطة التي تروج معنى خاطئا للعلمانية والمدنية، حسب قولهم.

وكتبت ميار على فيسبوك "سينظر البعض إلى أن تونس في طريقها الى الإلحاد لأنها خرجت عن التعاليم الدينية طبعا هذه نظرة عاطفية غير عميقة."

و أضافت "خطوة إلغاء المهر ربما ستكون مفتاح حل مباشر لإنهاء ظاهرة التحرش ..من ناحية كما أنها تحرر المرأة من العقد المجتمعية التابعة لبعض الموروثات ..."

في المقابل، دافع تونسيون آخرون عن تصريحات بعض شيوخ الأزهر التي انتقدت القوانين التي سنتها تونس مؤخرا كالسماح للمرأة المسلمة بالزواج بغير المسلم.

وأشار هذا القطاع من المغردين إلى أن مواقف الأزهر تعبر عن شريحة واسعة من التونسيين الذين يرون في تلك القرارات انسجاما مع ثوابت الإسلام وتقاليد وأعراف التونسي.

ويقول مغردون آخرون إن تونس باتت مرتعا للتجاوزات الدينية والأخلاقية، ودعوا إلى التصدي لتلك القوانين التي قرأوا فيها محاولة لتغريب المجتمعات العربية.

دار الإفتاء التونسية أمام الأزهر

من جهتها أعلنت دار الإفتاء التونسية تأييدها لمقترحات رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، حول المساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات بما فيها الإرث، الأمر الذي أثار حفيظة الأزهر الشريف.

وقال ديوان الإفتاء، إن مقترحات السبسي، التي طرحها خلال كلمته بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية، ودعا فيها للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث والسماح للتونسيات بالزواج من أجانب غير مسلمين، تدعم مكانة المرأة، وتضمن وتفعّل مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات.

وأشار إلى أن الدين الإسلامي نادى بذلك، في قوله تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، فضلا عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية والتي تعمل على إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين.

وشدد ديوان الإفتاء التونسي، على أن المرأة التونسية نموذجا للمرأة العصرية التي تعتز بمكانتها، وما حققته من إنجازات لفائدتها وفائدة أسرتها ومجتمعها، معتبرا أن "السبسي أستاذ بحق لكل التونسيين وغير التونسيين، وهو الأب لهم جميعا، بما أوتى من تجربة سياسية كبيرة وذكاء وبعد نظر، إذ إنه في كل مناسبة وطنية أو خطاب يشد الانتباه، لأنه معروف عنه أنه يُخاطب الشعب من القلب والعقل".

إستياء الساسة التونسيين من علماء الأزهر

ردد عدد من سياسيين تونس ومفكريها على تصريحات علماء في الأزهر ضد مشروع قانون المساواة في الأرث.

وعلق طارق الكحلاوي القيادي في حزب حراك تونس الإرادة قائلا: "علماء السلطان المؤيدون لبطش الأنظمة العسكرية الدموية لا يمكن أن يلقوا دروسا على تونس".

 وتابع: "يمكن أن نختلف مع السبسي ومقاربته الانتهازية للحقوق الفردية وموضوع المساواة (مقابل تجاهله للمساواة الاقتصادية والاجتماعية وتكافؤ الفرص وتقديم بدائل حقيقية تنفع معيشة المواطنين)، لكن لا يمكن أن نقبل البتة بتدخل كهنوت النظام العسكري المتخلف المؤيدين لدموية السيسي في الشأن التونسي. أقول ذلك ونحن نمر بذكرى مجزرة رابعة الدموية التي باركها علماء السلطان هؤلاء".

اما الباحثة ألفة يوسف قالت: "عندما تتكلم عن بلادي مؤسسة مثل الأزهر، أقول لها: "تونس أول من ألغى الرّق ومنع تعدد الزوجات وأقام الطلاق أمام المحكمة وسمح بزواج المسلمة من غير المسلم، وعرض قانون مساواة في الإرث، وستحقق كل الحقوق الفردية الأخرى باذن الله".

الأزهر والتدخل في الشأن التونسي

وأثار تصريحات عضو هيئة كبار علماء الأزهر حول المبادرة غضب التونسيين حيث اعتبروها تدخلًا في الشأن التونسي.

ووجّه سياسيون ومفكّرون تونسيون، انتقادات لاذعة إلى عضو الأزهر محمود مهنا، انتقادات كُبرى بلغت حدّ الطعن في مصداقية المؤسسة الدينية العريقة في مصر.

وردّ  محمود مهنا، على مبادرة المساواة في الميراث، قائلًا إنّه “لا يجوز لرئيس تونس أن يشرّع في دين الله”.

الأزهر يرد على دعوة السبسي

في المقابل أعلن وكيل الأزهر عباس شومان، أن دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى المساواة بين النساء والرجال في الميراث "تتصادم مع أحكام شريعة الإسلام".

وقال شومان في بيان نشرته "الصفحة الرسمية لمكتب وكيل الأزهر" على موقع فيسبوك إن "دعوات التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام شريعة الإسلام".

وأوضح شومان أن "المواريث مُقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة وكلها في سورة النساء".

واعتبر شومان حسب البيان، أن "هناك العديد من المسائل التي تساوي فيها المرأة الرجل أو تزيد عليه وكلها راعى فيها الشرع بحكمة بالغة واقع الحال والحاجة للوارث أو الوارثة للمال لما يتحمله من أعباء ولقربه وبعده من الميت وليس لاختلاف النوع بين الذكورة والأنوثة كما يتخيل البعض".

وجاء رد شومان ليتضمن هذه النقطة، قائلا إن "الدعوات المطالبة بإباحة زواج المسلمة من غير المسلم ليس كما يظن أصحابها في مصلحة المرأة".

وأفاد بأن هذا الزواج "الغالب فيه فقد المودة والسكن المقصود من الزواج" إذ لا يؤمن غير المسلم بدين المسلمة وبالتالي "لا يعتقد تمكين زوجته من أداء شعائر دينها فتبغضه ولا تستقر الزوجية بينهما".

لذلك يسمح للمسلم بأن يتزوج "بالكتابية" (المسيحية أو اليهودية) لأنه يؤمن بدينها ورسولها وهو مأمور من قبل شريعته بتمكين زوجته من أداء شعائر دينها فلا تبغضه وتستقر الزوجية بينهما، ولذات السبب منع من الزواج ممن لا يعترف الإسلام بديانتهن.