سوريا.. لعنات الحرب..

سوريا.. لعنات الحرب..
الثلاثاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٢:١٤ بتوقيت غرينتش

سوريا.. ما الصورة التي ستتشكل في ذهنك بعد أن قرأت هذه الكلمة؟ (دم.. حرب.. دمار..قتل ذبح.. لجوء.. نزوح.. مخيمات.. جوع.. فقر.. مصاب .. معاق.. شهيد.. شظايا.. اغتصاب.. تشويه.. ثكالى) والقائمة تطول.

العالم - مقالات وتحلیلات

هي الحرب خضناها وخضعنا لها بكل مراحلها وفي مرحلة ما غلبتنا وفي أخرى تغلبنا عليها وكل منا دفع ثمن الخروج من هذه الحرب غاليا التي فُرضت علينا فبعد أن كانت سوريا بلد السلام والأمان غدت أخطر دولة في العالم و كل ذلك بفضل الحرب.

فقد ولدت لنا أزمات أكبر منها وبنفس حجم خطورتها لا بل أكثر، فهي تهدد جيل بأكمله وبكل فئاته، صحيح بأن الحرب لربما انتهت وتوقفت القذائف وأصوات المعارك المرعبة بعد مناطق ومحافظات، لكن هناك من هو أخطر من الرصاصة ويقتل دون قطرة دم واحدة.

بدايةً يجب أن نتحدث عن الفئة التي أصبحت فتات في الحرب و التي لم يبقى منها سوى الشيء القليل، وأقصد هنا الأطفال حطب الحرب، الذين دمروا نفسيا وأصبحوا لا يمتون للطفولة بصلة.

فأي طفل في سوريا إذا خيرته بين دمية و بندقية سيختار البندقية دون أن يأخذ وقتا في التفكير، فالحرب أجبرته على إقحام ألعابه.

الطفل في سوريا بات يفرق بدقة بين صوت الميغ والدبابة والبندقية وغيرها من الأسلحة الدخيلة على عالمهم، ويستطيع أن يروي لك ماذا حدث في منطقته المحاصرة وكيف تحررت، وما الدروس التي لقنوه إياها وهو في مدارسهم والتي ترسخت في ذاكرته سواء بتعليمه على حمل السلاح أو حتى الدروس الدينية الوهابية التي لا تختلف أبدا عن حمله السلاح، فكلاهما الغاية منهما القتل. فهل لنا أن نتخيل حجم الدمار بداخلهم!

ما الذي سيحصل عليه هؤولاء الاطفال إن كبروا وتلك التعاليم الدينية لا تزال بداخلهم وتكبر معهم يوما بعد يوم، ماذا سيحدث إن بقينا نهمل هذا المفصل الحساس الذي لم يبق منه سوى بقايا بعد هذه الحرب. الآلاف من أطفال سوريا بين مشردين ومهجرين ومتسولين وغير متعلمين لا يعلمون ما هو القلم، فالطفل في سوريا إما شهيد أو معاق أو مغتصب شاهد على الكارثة.

وهنا نذكر ما كشفت عنه اليونسيف بالنسبة لأطفال سوريا بأن هناك مليون طفل سوري "يتيم" و8 آلاف طفل "غير مصحوب" نزحوا إلى دول الجوار، وذكرت أن عام 2017 هو الأسوء لأطفال سوريا إذ بلغت حصيلة ضحايا الحرب من الأطفال 652 بينهم 300 استشهدوا على مقاعد الدراسة، والمستقبل غير مبشر للذين ما يزالون على قيد الحياة.

هذه الحرب انتهكت الطفولة السورية ويجب علينا أن نعيد بناء عقول أطفال سوريا على طريقة سوريا العلمانية التي لا تعرف تفرقة ولا تعصب ولا كره للآخر مهما كان مختلفاً.

أما الأزمة الأخرى الدخيلة علينا كسوريين هي الاتجار بالأعضاء البشرية والتي نشطت بالسنوات الأخيرة من الحرب وخاصة بالبلدان التي كانت خارجة عن سيطرة الدولة والقريبة الحدود التركية، فالحرب جعلت من سوريا موقع مهم لتصدير الأعضاء البشرية والاتجار بها.

وريف مدينة حلب كان المركز الأهم لتصدير الأعضاء البشرية في سوريا، فكان سعر الجثة في 48 يورو والجريح 278 يورو. وذكر مركز الطبابة في حلب بأنه تم اكتشاف عدة مقابر جماعية لضحايا سرقت أعضائهم.

هناك من هم ضحايا ومغلوب على أمرهم فيدخل جريح إلى مشافيهم ويخرج فاقداً أحد أعضائه، وهناك من استسلم لفقره ولظروف الحرب وباع أعضائه بإرادته.

وبالنسبة للأزمة الأخطر التي تفشت بشكل رهيب في بداية الحرب أي عام 2011 ولا زالت تنتشر حتى الآن هي المخدرات وكثر تعاطيها بين شباب الجامعات وحتى أبناء المدارس أي من هم دون الثامنة عشر عاما و الأكثر تداولاً مادة الحشيش والحبوب المنشطة.

وزارة الداخلية كشفت بأنها ضبطت العديد من الشبكات التي تروج للمخدرات إنه في عام 2014 ضبطت نحو 528 كغ من الحشيش المخدر و27.5 كغ من الهيرويين وكمية آخرى من الكوكايين و4066 من المواد الأولية التي تستخدم في صناعة الحبوب المخدرة و2.876.113 حبة كبتاغون مخدرة و1.65 كغ من مادة المارغوانا و25 كغ من انهيدريد الخل، و15 غراما من الأفيون المخدر وطنا من بذور القنب الهندي. في حين كشفت إحصائيات قضائية عدد القضايا المتعلق بترويج المخدرات بلغت 10 آلاف قضية الإحصائيات توضح ازدياد عدد المتعاطين الذين هم دون 18 عاما.

خلال فترة الحرب لاحظ الجميع ظاهرة التسول التي انتشرت في سوريا بشكل عامل ودمشق بشكل خاص، لا ننكر بأنها كانت موجودة قبل الحرب لكن ليس بهذه الكثرة وبأساليب متعددة كاليوم، فلم نعد نعلم ما هي هذه الظاهرة هل هي حاجة ام مهنة أم هناك يد خفية تعمل على تنظيمهم ونشرهم بهذا الشكل المريب في شوارع العاصمة.

ففي عام 2010 لم تكن منتشرة هذه الظاهرة مقارنة باليوم، وأوضحت إحصائيات الحكومة في عام 2010 بأنها سجلت 2000 حالة تسول فقط، بينما اليوم أكدت أن حالات التسول المضبوطة بلغ نحو 5000 وعدد النساء 1200 أعمارهن بين 30 إلى 60 عاما، وعدد الأطفال بلغ 2500 طفل و500 رجل متسول.

ختاما نرى بأنه وبعد ثمان سنوات من الحرب كل من بقي في سوريا مكبل ببقايا أزمات الحرب، فمنا من تأقلم وسلم لما فرضته نهاية الحرب ومنا من يسعى للتغيير، ولكن هل سنتمكن من فك هذا القيد من أيدينا لنعود كما كنا ونزيل لعنات الحرب التي حلت علينا؟؟؟

* ايمان عبد السلام